*عراقة الحضارة الأمازيغية أمر تعززه مختلف المصادر التاريخية

أكد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، أن الاحتفاء برأس السنة الأمازيغية الذي تفضل الملك محمد السادس، بإقراره عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، يعد احتفاء بتراث كبير للمغاربة قاطبة.

وقال أخنوش في تصريح للصحافة بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2974، "نحتفل اليوم من أكادير مع المغاربة بهذه المناسبة الوطنية التي تعد تراثا كبيرا ليس فقط للأمازيغ بل للمغاربة قاطبة".

وأبرز رئيس الحكومة أن الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية يتميز هذه السنة "بنكهة خاصة" بعد القرار الملكي الذي يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية.

وكان العاهل المغربي ، قد تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.

ويعتبر الدستور المغربي الأمازيغية لغة رسمية ومكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.

 في اطار الاجتفال الرسمي الأول في المغرب بالسنة الأمازيغية ، اجرت بوابة افريقيا الحوار التالي مع الدكتورعبد العزيز بودرة، الأستاذ الباحث في التاريخ المعاصر والفاعل الجمعوي ،  حيث اعتبر أن إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى تأكيد على الهوية الأمازيغية باعتبارها ملك وإرث تاريخي يخص كل مغربي.

المغرب.. احتفالات شعبية برأس السنة الأمازيغية

 ويشير مؤلف كتاب القضاء العرفي بالمغرب خلال فترة الحماية الفرنسية 1912-1956، أن الاحتفال برأس السنة كان تقليدا راسخا، ومناسبة يتم فيها الاحتفال في مختلف المناطق، ورغم اختلاف التسميات بين أذاف - ؤسْكَاسْ، وإض – ؤسْكَاسْ أو إضْ – نُو – سْكَاسْ، وإضْ – نْ – حكوزة، وبيانو..، فإن هذه الليلة، وكما يدل عليها اسمها إض – سكاس، أي ليلة السنة، فإنها تعني في آن واحد ليلة نهاية السنة المنصرمة وبداية السنة الجديدة، فيما يلي نص الحوار.

*نطلع هذه السنة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية رسميا بعد القرار الملكي باعتبار يناير عيدا وطنيا، كيف ترى ذلك؟

أعتقد أن إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها، هو بمثابة تتويج لمسلسل تفاعل المؤسسة الملكية مع مطالب الحركة الأمازيغية، بداية بخطاب 20 غشت 1994 للمرحوم الحسن الثاني، والذي أشار إلى ضرورة دمج اللهجات المحلية في التعليم، أي الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، حتى يتسنى للأسر المغربية أن تتشبع بلغات ثقافتها الأصيلة ومنه تأطير اللهجات المغربية. مرورا بخطاب أجدير التاريخي لجلالة الملك محمد السادس سنة 2001، والذي قعد لأسس الانفتاح والتشبث بالهوية الوطنية المغربية المتميزة، حيث ارتبطت كل مضامين هذا الخطاب بتاريخ وهوية الوطن، والتأكيد على الهوية الأمازيغية باعتبارها ملك وإرث تاريخي يخص كل مغربي، بالإضافة إلى التشديد على عمق تاريخ الحضارة الأمازيغية واعتبارها رافد وأساس الهوية المغربية. وصولا إلى ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور 2011، وأخيرا جعل يوم 14 يناير عيدا وطنيا وعطلة رسمية. وهذا المسلسل يجب أن يستمر ويتعزز من أجل إعادة الاعتبار لهذا المكون الأساسي للهوية الوطنية الذي أضرت به كثيرا فترة الحماية الفرنسية على المغرب، والإجراءات التي تم اتخاذها عقب استقلال بلادنا في مختلف الميادين وعلى رأسها القضاء والتعليم.

* هل يمكن التأسيس تاريخيا لرأس السنة الأمازيغية؟

التأسيس التاريخي لمثل هذه المناسبات والأعياد عملية صعبة ومغامرة محفوفة بالمخاطر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بغير المختص الذي يتصور التاريخ عملية خطية، ولكن هذه المصاعب والاشكالات لا تقتصر على رأس السنة الأمازيغية فقط، بل تطال مناسبات أخرى. ولكن بعودتنا للكتابات التاريخية التي تناولت بعض القبائل بشمال إفريقيا بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة، نجد أن الاحتفال برأس السنة كان تقليدا راسخا، ومناسبة يتم فيها الاحتفال في مختلف المناطق، ورغم اختلاف التسميات بين أذاف - ؤسْكَاسْ، وإض – ؤسْكَاسْ أو إضْ – نُو – سْكَاسْ، وإضْ – نْ – حكوزة، وبيانو..، فإن هذه الليلة، وكما يدل عليها اسمها إض – سكاس، أي ليلة السنة، فإنها تعني في آن واحد ليلة نهاية السنة المنصرمة وبداية السنة الجديدة، وللتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة، يقوم الناس بإعداد وجبات أكل خاصة، ولكن في نفس الوقت، نجد في الأعراف الأمازيغية ما يدل على كون الأمر كان يتعلق بسنة إدارية جديدة، إذ كانت العديد من القبائل تجعل من هذه المناسبة فرصة لاختيار شيخ جديد (أمغار) للقبيلة وانتخاب أو تجديد بعض أعضاء "الجْماعة".

احتفالية أمام البرلمان تمزج التذكير بالمطالب والتعريف بالأكلات في "إيضْ  إينّاير"

* هناك عدة اختلافات حول تاريخ يناير هناك من يرجعه لانتصار جيش الليبو على الفراعنة، وهناك من يعتبره عيدا فلاحيا مغربيا تقليديا، أي الروايات أصح؟

نحن هنا بصدد معالجة مسألتين: تتعلق الأولى، بتحديد بداية التقويم الأمازيغي، وهو عمل تم في سبعينيات القرن الماضي، وقام به أعضاء "الأكاديمية البربرية" التي تأسست سنة 1966 في فرنسا على يد مجموعة من الأكاديميين الأمازيغ، حيث اعتبرت هذه الهيئة سنة 950 قبل الميلاد، بداية لهذا التقويم، باعتباره يصادف بداية عهد الملك شيشنق في مصر الفرعونية. وبغض النظر عن مدى صواب هذا الاختيار، إلا أنه يعبر عن عراقة الحضارة الأمازيغية، وهذا أمر تعززه مختلف المصادر التاريخية، فعندما نتحدث عن المغرب وتاريخه القديم، فنحن بصدد مملكة مورية تعود للألف الثامن قبل الميلاد.

أما المسألة الثانية، فتتعلق برأس السنة الأمازيغية وتاريخ تخليدها، وهنا لا أرى سببا لجعلها احتفالا بسنة فلاحية كما يروج لذلك البعض، إذ رغم تأكيد الكتابات التاريخية والدراسات الأنتروبولوجية التي تناولت القبائل الأمازيغية، على طقوسها الاحتفالية المرتبطة بكل ما هو فلاحي. إلا أن السنة الفلاحية لا علاقة لها في نظري بالسنة الأمازيغية ولا توافقها، بل تخالفها تماما، وأستغرب عندما يجعل البعض الاحتفال بالسنة الأمازيغية احتفالا بالسنة الفلاحية. وفي هذا الصدد، كان المغفور له الحسن الثاني قد استفتى الأمة في شأن تغيير السنة المالية من سنة مدنية، تبتدئ في فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر، إلى سنة فلاحية تبتدئ في فاتح يوليوز وتنتهي في 30 يونيو، حيث تم العمل بالقانون المالي وفق السنة الفلاحية منذ سنة 1996 إلى حين العودة للسنة المدنية مجددا سنة 2000. ومن هذا المثال يتبين أن السنة الفلاحية وقانونها المالي لا يوافقان السنة الأمازيغية التي يتم تخليدها ليلة 13 و14 يناير.

*  كانت ولا زالت الأعياد الأمازيغية مرتبطة بالأرض والزرع والحصاد، لماذا؟

أعتقد بأنها مرتبطة بنمط حياة السكان، ونابعة من الانسان وانشغالاته اليومية مع الأرض، فطقوس الاحتفال والتخليد واستقبال السنة الجديدة هي تتويج لما تم إنجازه وتطلع لما هو قادم. فإذا ارتبطت بعض الحضارات بالغزو وأخرى بالتجارة... فحضارة شمال إفريقيا عامة والمغرب خاصة ارتبطت بالأرض والزراعة وتربية الماشية..، وكل هذا يجب الاعتناء به وتثمينه، لأن النظرية المبنية على الاهتمام بالصناعة وانتقاد الدول المهتمة بالفلاحة وخصوصا المعيشية منها والتي سادت طيلة القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، أثبتت محدوديتها بمجرد انتشار وباء كورونا وتوقف سلاسل الانتاج العالمي. إذ أصبح الكل يفكر في أنماط إنتاج بديلة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمجتمعات والدول في مختلف المجالات، بدل الانخراط بأي ثمن في النموذج الاقتصادي المتركز حول السوق.

Aucune description disponible.

* أكيد أن هناك اختلافات بين الأمازيغ في شمال افريقيا بخصوص الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، لكنه يبقى مناسبة تجمع بينهم ما دلالة ذلك؟

الإختلاف راجع للمناطق ومحاصيلها وعاداتها، فكما قال ابن خلدون: البقاع تؤثر في الطباع، وبالتالي فمنتجات وعادات سكان الجبال مثلا، ليست مثل نظيرتها لدى سكان السهول، ونفس الأمر ينطبق على السكان المستقرين والرحل، والمغرب جمع كل هذا الفسيفساء الذي ساهم ويساهم في تنوعه وغناه. أما الوحدة فناتجة عن التاريخ والارث المشترك لهذا الشعب الذي كان يتحدث لغة واحدة وعاش وتقاسم تجارب تاريخية غنية تراوحت بين التراجع والمقاومة أحيانا وبين الأوج والغزو أحيانا أخرى. ورغم اختلاف طرق الاحتفال بالسنة الأمازيغية في شمال إفريقيا وداخل بلادنا كما أشرتم في سؤالكم، إلا أن العائلات تشترك في اجتماع أفرادها حول مائدة عشاء يناير، الذي يبقى مناسبة تتوارثها الأجيال.

* "تاكلا" والكسكسو، أكلات تظل حاضرة على مائدة الأمازيغ في المناسبة، هل لهذا مرجعية معينة؟

تختلف وتتنوع أكلات الاحتفال حسب المناطق، إذ نجد العصيدة "تاكلا" و"الكسكسو" والفواكه الجافة.. لكن كما قلتم تشكل "تاكلا" و"الكسكسو" إحدى الأطباق الرئيسية، وهذا طبعا لا يخرج عن إطار الارتباط بالأرض ومنتجاتها، فهذين الطبقين تشكل الحبوب إحدى مكوناتهما الأساسية، ونحن نعلم قيمة الحبوب في المعيش اليومي للإنسان المغربي. إذ تعتبر الحبوب من المنتوجات القليلة وإن لم أقل الوحيدة التي يتم استهلاكها على مدار السنة وخلال كل الوجبات، وبالتالي كان ولايزال وجودها يعني الرخاء وندرتها يعني شظف العيش والسنوات العجاف. لذلك غالبا مع ما يعمد الأمازيغ إلى طهي هذه المنتجات الأساسية تيمنا باستقبال سنة جديدة تكون خصبة فلاحيا ومزدهرة اقتصاديا. وهو ما نتمناه بدورنا خلال السنة المقبلة 2974 خصوصا في ظل توالي سنوات الجفاف وتزايد الخصاص المائي ببلادنا.