في منتصف شهر مايو الماضي أطلق الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر "عملية الكرامة" بغرض القضاء على بعض الجماعات التي توصف بأنها "إرهابية" و قد توالى انضمام القطاعات العسكرية والأمنية لهذه العملية من بينها القواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية في أغلب مناطق البلاد، كذلك وزارة الداخلية ومديريات الأمن الوطني في أغلب المناطق، إضافة لإعلان بعض القبائل الليبية التي تتمتع بنفوذ اجتماعي وكذلك المناطق تأييدها لعملية كرامة ليبيا.في مواجهة ميليشيات إسلامية مثل أنصار الشريعة وميليشيات 17 فبراير وراف الله السحاتي ومجموعات إرهابية من درنة. كذلك وقعت اشتباكات بين قوات عسكرية أعلنت انضمامها لعملية الكرامة وبين ميليشيات إسلامية في طرابلس.في هذه الورقة نرصد خارطة القوى المتصارعة في الجبهتين،جبهة الجيش الوطني الليبي و القوى المساندة له،و جبهة القوى الإسلامية المتطرفة و الميليشيات المساندة لها.

الجيش الوطني الليبي و القوى المساندة

منذ إعلان الانطلاق في تطهير ليبيا من الجماعات المتطرفة أعلنت العديد من القوى السياسية و العسكرية الليبية انحيازها إلى الجيش الوطني الليبي في حربه ضد الإرهاب إلى جانب انخراط أجهزة و كتائب القوات المسلحة الليبية و الأمن الوطني و قوات الصاعقة و المخابرات العامة و المجاميع القبلية ،كالزنتان و ورشفانة و المقارحة و قبائل الشرق الليبي،لعل أبرزها كتيبتا "القعقاع" و "الصواعق" اللتان تخوضان معارك ضارية ضد كتائب إسلامية في مطار طرابلس :

كتيبا "الصواعق" و "القعقاع"

ينحدران كلاهما من منطقة الزنتان من جبل نفوسة غرب البلاد ,بالنسبة  لــ"الصواعق" فهي تشكيل مسلّح و منظّم و مهيكل بصرامة كانت قد اشتركت في الهجوم على طرابلس في سبتمبر 2011 ضمن ما سُميّ بعمليّة "فجر أوديسا" ، وكلفت بعد ذلك بحماية كبار أعضاء الحكومة الانتقالية، لتقوم  بتغيير اسمها إلى كتيبة الصواعق للحماية، وأدرجت تحت سيطرة وزارة الدفاع في كتوبر 2012 وعدد أفرادها غير معروف، لكن تسليحها على مستوى عال جدًا ، خاصة و أنها تمتلك أسلحة مضادة للطائرات و تعتبر من أقوى التشكيلات المسلحة في ليبيا و تُكوّن و تخرّج بإستمرار دفعات جديدة من المقاتلين و المجنّدين ,و يوصف عناصرها بأنّهم على مستوى عالي من التّدريب و الكفاءة القتالية كما تمتلك الكتيبة ترسانة حربية كبيرة قوامها عدد كبير من الدبابات و الاسلحة المضادة للطائرات و تسيطر على مخازن كبيرة للسلاح و الذخيرة غرب البلاد . يقود الكتيبة  عماد مصطفى الطرابلسي و لا يعرف عنها أي ميولات دينية متشدّدة على عكس الكثير من الميلشيات الأخرى. و كان الطرابلسي آمر الكتيبة قد تعرّض لمحاولة إغتيال فاشلة في يوليو العام 2013 عندما قام مجهولون بإستهداف مقر كتيبته في العاصمة طرابلس بقذيفتين نوع "أر بي جي"  ما  أسفر عن إصابة الطرابلسي ، وإحداث ضرر طفيف بالمبنى.

أما كتيبة القعقاع فقد تكونت على يد مجموعة من "الثوّار" من منطقة الزنتان عام 2011 أثناء المعارك التي خاضتها المدينة ضد القوات النظامية أيام الحراك الثوري و الانتفاضة ضد نظام العقيد معمّر القدّافي و آمر هذه الكتيبة هو عثمان مليقطة الذي انشق عن النظام الليبي مع بداية "ثورة 17 فبراير" و يبدو أن مليقطة مازال يواجه تهمة الإنتماء لــ"فلول النظام السابق" من خلال ما ينسبه البعض في ليبيا الى "كتيبة القعقاع" بإحتوائها على عناصر من "اللواء 32 معزّز" الذي أسّسه و كان يقوده خميس معمّر القذافي نجل الزّعي الليبي الراحل و قد صرّح مليقطة لراديو الشباب الليبي يوم 21 يونيو 2011  بأن "اتهامه بوجود عناصر من اللواء 32 معزز المنحل ليست تهمة و أن رئاسة الأركان ووزارة الدفاع قد نقلت إليه العناصر التي لم تتورط في دم الليبيين وقال أنهم كفاءة وقادرين على مكافحة الإرهاب وتأمين ليبيا "

و تتبع كتيبة القعقاع رسيميًا وزارة الدفاع وقد تم تغيير اسمها منذ الفاتح من أكتوبر/تشرين الأول العام 2012 الى " اللواء الأول لحرس الحدود والمنشآت النفطية " .و كان جمعة القماطي رئيس حزب التغيير الليبي قد وجّه أصابع الإتهام في عملية إختطافه في أكتوبر من العام قبل الماضي الى كتيبة القعقاع غير أن مساعد آمر الكتيبة نفى ذلك مؤكّدًا أنّه تقدّم بشكوى ضد القماطي في الغرض .و كانت كتيبتا "القعقاع" و "الصاعقة" تسيطران على مناطق كثيرة داخل العاصمة طرابلس أهمها المطار  ومواقع حساسة أخرى في المدينة  قبل أن تنسحبا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي و سلم عناصر الكتيبتين المواقع التي كانوا يحتلونها وغادروا المدينة مع اسلحتهم وآلياتهم حيث أعلن قائد لواء القعقاع عثمان المليقطة حينها ، أن افراد مجموعته انضموا الى حرس الحدود وسيتوجهون الى اماكن خدمتهم في الحدود الجنوبية.

الميليشيات المتطرفة (الاخوانية/الجهادية)

بدايو ييونيو الماضي كشف  تقرير ،نشره "معهد العربية للدراسات" عن خارطة القوى المضادة لعملية الكرامة و المتكونة أساسا من من جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في ذراعها السياسي حزب العدالة والبناء و كتلتها في البرلمان و الأحزاب المتفرعة عن الجماعة الليبية المقاتلة سابقا، و هي حزب الوطن بقيادة عبد الحكيم بالحاج و حزب الأمة بقيادة سامي الساعدي و كتلهما في البرلمان «كتلة الوفاء للشهداء »،  ينطلق هذا التيار في معارضته لحفتر من منطلق الحفاظ على شرعية المؤتمر الوطني المنتهية ولايته منذ فبراير الماضي، و الحفاظ على حكومة أحمد معتيق الجديدة والتي ستضمن انفراد هذا التيار بالسلطة التنفيذية بعد هيمنته على السلطة التشريعية من خلال سن قانون العزل السياسي و ضم العديد من النواب المستقلين و ضمان ولاء رئيسه  نوري أبو سهمين،أما من الناحية العسكرية، و هي الاهم في الصراع، فيتشكل هذا التيار من عدد من الكتائب الموالية لجماعة الإخوان و حلفائها :

-   ميليشيا درع ليبيا: المحسوبة على تيار جماعة الإخوان المسلمين،و تضم داخلها ثلاث ألوية رئيسية ،لواء درع المنطقة الوسطى و الذي يتخذ من مدينة مصراته مقر له ،لواء درع المنطقة الشرقية في بنغازي و لواء المنطقة الغربية في الخمس و طرابلس،و بالرغم من الادعاء بأنها قوات نظامية  تابعة لوزارة الدفاع الليبية ،غير أن قادتها لا ينتمون للمؤسسة العسكرية الرسمية،و هي القوة التي اعتمد عليها رئيس المؤتمر الوطني ،نوري أبو سهمين،لتأمين وحماية المراكز الحيوية في العاصمة طرابلس،في مواجهة القوات التابعة للواء خليفة حفتر الأسبوع الماضي.

-  كتيبة 17 فبراير: تعد أكبر الكتائب المحسوبة على جماعة الإخوان من حيث عدد المقاتلين و التجهيز العسكري ، ويتركز نشاطها في مدينة بنغازي، اذ تتخذ من أحد قواعد الجيش النظامي الليبي مقراً لها في منطقة قاريونس، و تحظي بدعم مادي من الجهات الرسمية .

- غرفة عمليات ثوار ليبيا: ميليشيا ذات توجهات إسلامية و تعتبر من الأذرع القوية لجماعة الإخوان المسلمين، حيث استعملتها الجماعة في مختلف صراعاتها السياسية مع خصومها و قد وصل الأمر حد اختطاف رئيس الوزراء الأسبق ،علي زيدان من منزله في 10 أكتوبر 2013 الماضي بعد خلافات مع الجماعة داخل البرلمان،و كذلك قامت باختطاف دبلوماسيين في السفارة المصرية في طرابلس وهم الملحقين الثقافي والتجاري في السفارة إضافة لثلاثة موظفين آخرين، فضلاً عن خطف الملحق الإداري بعد القبض على رئيسها شعبان هدية في الإسكندرية من قبل السلطات المصرية في 23 يناير 2014.

-  كتيبة ثوار طرابلس:  ميليشيا ذات توجهات إسلامية مقربة من زعيم حزب الوطن و الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة ،عبد الحكيم بالحاج ،يقودها العضو السابق في الجماعة الليبية المقاتلة المهدي الحاراتي و الذي أسس في وقت سابق "جيش الأمة" احد الكتائب الجهادية المقاتلة في سورية ،و يتركز نشاط الكتيبة في منطقة طرابلس و المنطقة الغربية.

-  سرايا رأف الله السحاتي: ميليشيا ذات توجهات إسلامية، يتركز نشاطها في مدينة بنغازي شرق البلاد، و بالرغم من إعلان انضمامها الى الجيش الليبي في وقت سابق، إلا أنها احتفظت بمعسكراتها و سلاحها، و كانت أولى الكتائب التي اشتبكت بقوات حفتر ،في بداية عملية "كرامة ليبيا"  في مايو الجاري بنغازي.  (1)

الميليشيات الجهادية

-   جماعة أنصار الشريعة: و تعتبر كبرى الجماعات المسلحة ذات التوجه الجهادي في ليبيا ،و تضم داخلها إلى جانب العناصر الليبية ،بضع ألاف من المقاتلين الأجانب من جنسيات تونسية و جزائرية و دول إفريقيا جنوب الصحراء،و تتهم الجماعة باستهدافها لقادة الجيش الليبي و قوات الصاعقة في المنطقة الشرقية من خلال عمليات التصفية و الاغتيال،و قد وضعن في الآونة الأخيرة على لائحة الإرهاب الأمريكية لاتهماهما بالوقوف وراء مقتل السفير الأمريكي في بنغازي في سبتمبر 2012.

- كتيبة شهداء بوسليم: جماعة جهادية صغيرة،تتكون من معتقلي الجماعة الليبية المقاتلة سابقا في سجن أبو سليم،ممن لم يلتزموا بمراجعات الجماعة العام 2008 و مازالوا يحملون الافكار الجهادية المتماهية مع فكر تنظيم القاعدة ،و يتركز نشاطها في مدينة درنة ،أقصى شرق البلاد.

-  "كتائب السجين الشيخ عمر عبد الرحمن":  التي سُميت باسم زعيم الجماعة الإسلامية المصرية الذي يقضي حاليا عقوبة السجن المؤبد في الولايات المتحدة لتورطه في الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993 من بين مخططات أخرى.وليس الكثير معروفا عن قيادة الجماعة أو حجمها لكنها كانت مسؤولة عن سلسلة الهجمات التي وقعت في بنغازي في أيار/مايو وحزيران/يونيو الماضيين حيث وقعت هجمتان ضد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بهجوم بقنبلة ضد القنصلية الأمريكية وهجوم على موكب السفير البريطاني.

-  مجلس شورى شباب الإسلام: في مطلع أبريل الماضي ،أعلن تنظيم ذو توجهات سلفية جهادية يطلق على نفسه "مجلس شورى شباب الإسلام" و يتمركز  بمدينة درنة في أقصى الشرق الليبي ، عن تشكيل ما يسمى بــ" لجنة شرعية لفض النزاعات والصلح بين الناس بشرع الله" على حد تعبيره، و مهمتها "تطبيق الشريعة "على حد زعم القائمين عليها، وذلك خلال استعراض عسكري كبير نسبيا، كشف عن امتلاك القوى الجهادية في البلاد عن أسلحة ثقيلة و متطورة ،مما يجعل مدينة كدرنة نخضع كليا لسيطرة الجماعات الجهادية التي منعت إجراء حتى الانتخابات المحلية في المدينة في وقت سابق لتعارضها مع "الشريعة الإسلامية" حسب زعمها.

-    جيش تحكيم الشريعة: تنظيم عسكري جهادي يحمل فكر "القاعدة" و ينشط في مناطق الشرق، كان قد ، قد تبنى عبر بيان تناقلته مواقع جهادية، مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي استهدف "الكتيبة 21 صاعقة" التابعة للقوات الخاصة الليبية في 29 أبريل الماضي 2014 في مدينة بنغازي شرق البلاد،كما نشرت "مؤسسة رياح النصر" الإعلامية ،الذراع الإعلامي لتنظيم "جيش تحكيم الدين"،أحد التنظيمات الجهادية الليبية شريطًا مدته 23 دقيقة، كشفت فيه مراحل تنفيذ العملية،و تشير تقارير إعلامية إلى أن هذا التنظيم "يضم داخله عشرات العناصر من تونس و الجزائر و من جنسيات دول افريقيا جنوب الصحراء و عناصر أخرى عائدة من سورية و يعتمد في تمويله على اموال منهوبة من مؤسسات الدولة الليبية ابان ثورة 17 فبراير ."  (2).

_______________

(1)- أكثر صعوبة بين حركة الكرامة الليبية وثورة30 يونيو المصرية -  http://bit.ly/1mS6XQp

(2)- المصدر السابق - http://bit.ly/1mS6XQp