أثار إطلاق الاتحاد الأوروبي في بداية أبريل الجاري، وبشكل رسمي، عملية إيريني التي تهدف لفرض حظر على تدفق الأسلحة إلى ليبيا، غضب الحكومة التركية التي عارضتها بشدّة. فإلى أيّ حدّ ستساهم عملية إيريني في إيقاف تدفّق الأسلحة التركية إلى ليبيا عبر طرق التهريب المختلفة؟ وهل تضع هذه العملية بداية النهاية للتسليح التركي المتواصل لميليشيات الوفاق في ليبيا؟ كيف يمكن أن تستمرّ أنقرة في تحايلها على القوانين الدولية ودعم المتطرفين في طرابلس بالأسلحة والمرتزقة؟

يبدو أنّ "إيريني"، والتي تعني باللغة اليونانية "السلام"، تتعارض مع مساعي الحرب التي تقودها أنقرة، وتغذّيها في ليبيا، وتراها تقطع الطريق على أيّ حلّ للسلام، وتختار درب التصعيد والتأجيج من أجل إدامة وجودها ونفوذها هناك وبالتزامن مع عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة طارئة مغلقة، اليوم؛ لمناقشة عملية إيريني، بعد دعوة بعثة الدومينيكان، التي تتولى أعمال رئاسة مجلس الأمن لشهر أبريل الجاري، ممثلي الدول الأعضاء بالمجلس للاجتماع، فإنّ تركيا تجد نفسها في موقف حرج، ولاسيما أنّها متهمة بالاستمرار في تهريب الأسلحة إلى ليبيا.

ولم يعد خافياً على أحد أنّ الحكومة التركية تواصل بتهريب الأسلحة إلى ليبيا برّاً وبحراً وجوّاً، لتزويد الميليشيات المتطرفة الموالية لها في طرابلس، وتطيل أمد الحرب بما يتناسب مع مصالحها ووجودها في المنطقة.  وتعدّ عملية إيريني المساهمة الرئيسية للاتحاد الأوروبي في جهود السلام الدولية في ليبيا. وهي تشمل قدرات جوية وأقمار اصطناعية لرصد تدفق الأسلحة الذي ينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. وسوف تتم العملية البحرية في شرق البحر المتوسط بعيدا عن طرق عبور المهاجرين. وسوف يتم إنزال أي شخص يتم إنقاذه، وفقا للقانون الدولي، في الموانئ اليونانية، ومن هناك سيتم إرساله إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وفقا لدبلوماسيي التكتل.

ولم يكن موقف أردوغان المعارض لعملية إيريني مفاجئاً، ولاسيما أنّها تثير لديه مخاوف من تراجع تزويده لميليشيات الوفاق بالسلاح والمرتزقة، حيث ستكون الانتهاكات التركية تحت دائرة الضوء الأممي، كما لم يكن مفاجئاً توجيهه انتقادات إلى الاتحاد الأوروبي على خلفية قراره إطلاق العملية. وقال أردوغان الذي تدعم بلاده ميليشيات حكومة الوفاق في مواجهة الجيش الليبي إن “الاتحاد الأوروبي لا يملك أي صلاحية لاتخاذ قرار بشأن ليبيا”. وأكد أن بلاده ستواصل دعم حكومة طرابلس لتبسط سيطرتها على كامل ليبيا مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى للحصول على دور له في ليبيا.

وانتقد وزير الخارجية المفوض بحكومة الوفاق الليبية المدعومة دوليا محمد سيالة، في رسالة إلى مجلس الأمن، خطة الاتحاد الاوروبي لمراقبة حظر توريد أسلحة إلى ليبيا. وأضاف سيالة في الرسالة التي نشرت في صفحة وزارة خارجية الوفاق على فيسبوك اليوم الخميس أن خطة الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر توريد الأسلحة لليبيا غير كافية، ولم يتم التشاور حولها مع حكومة الوفاق.

وادّعت أنقرة أنّ هناك خلفيات وأهدافاً مشبوهة حول عملية إيريني، خاصة وأن فرنسا، التي تدعم المشير خليفة حفتر، مرشحة لتكون من أكبر المساهمين في هذه العملية، وزعمت كذلك أنّ فرنسا التي رحّبت بإطلاق العملية، كانت أكثر صراحة حول بعض أهدافها الحقيقية، عندما صرحت المتحدثة باسم خارجيتها أغنيس فون دير مول، إن "هذه العملية تظهر التزام الأوروبيين الحازم بالعمل معا للدفاع عن مصالحهم السياسية والأمنية، التي هي في خطر في سياق الأزمة الليبية". واستاءت تركيا من أنّ عملية إيريني ستسعى لخنق حكومة الوفاق، وأنّها ستسمح على وجه الخصوص بإجراء عمليات تفتيش على متن السفن قبالة السواحل الليبية، يشتبه في نقل الأسلحة إليها أو منها، بينما ستكتفي بالمراقبة الجوية وبالأقمار الصناعية دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح بكميات كبيرة برا وجوا، بينما ستسعى لخنق حكومة الوفاق بحرا.

وتخشى أنقرة أنّ تحدّ عملية إيريني من الدعم الذي تقدمه لحكومة الوفاق، والذي تسبّب بإراقة مزيد من الدماء في ليبيا، بحسب ما يؤكّد محللون ليبيون. واعتبرت أنّ إسراع الاتحاد الأوروبي في الإعلان عن إيريني في هذا التوقيت بالذات، وقبل حتى تشكيل القوة البحرية التي ستتولى تنفيذ العملية، ودون تفويض من مجلس الأمن الدولي، ورغم معارضة حكومة الوفاق الليبية، يهدف إلى تقييد قوات الوفاق، ومحاصرتها.

وحاولت أنقرة قلب الغاية من عملية إيريني، من خلال القول بأنّها لم تُطلق من أجل السلام في ليبيا، بل للدفاع عن مصالح الأوروبيين في أحد أغنى البلدان الإفريقية بالنفط والغاز، وأنّهم "بعد أن شعروا بالخطر الذي يشكله الحضور القوي لتركيا وروسيا في البلاد، مما قد يسحب البساط من تحت أرجلهم في البلد الذي يعتبرونه حديقتهم الخلفية." وبالعودة إلى أساليب أنقرة في تهريب الأسلحة إلى ليبيا، أكّد تسجيل فيديو نشرته شبكة بي.بي.سي، قبل أيام، ما تم تداوله من تقارير حول إرسال تركيا شحنات أسلحة لدعم ميليشيات حكومة الوفاق المحاصرة في طرابلس، وكشف عن أسباب رفض أنقرة لمساعي توسيع مهام صوفيا لتشمل مراقبة حظر التسليح على ليبيا، وذلك قبل أن يقرّ الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية إيريني الأسبوع الماضي.

وفي 2019، ارتفع عدد السفن التركية التي تم ضبطها محملة بالسلاح، حيث تم الكشف في فبراير عن شحنة من الأسلحة والمعدات الحربية، بالإضافة إلى 9 مركبات مدرعة تركية الصنع، ثم في شهر مايو تم اعتراض السفينة التركية “أمازون” التي عُثر على متنها على 40 مركبة قتال مدرعة، إلى جانب رصد طائرات محملة هي الأخرى بالسلاح والعتاد، وخاصة الطائرات المسيرة. وكشفت مصادر عسكرية ليبية أن طائرة شحن من نوع "بوينغ 747" حطت في نفس الشهر بمطار معيتيقة الدولي، الذي يبعد عن العاصمة الليبية طرابلس نحو 23 كلم، حيث أفرغت هي الأخرى شحنة من الأسلحة والذخائر الحربية، وقطع الغيار الموجهة للميليشيات الموالية لحكومة السراج. وأعلنت السلطات التونسية في يناير عن حجز شحنة من الأسلحة الحربية الهجومية تركية الصنع في جنوب البلاد، وذلك في الوقت الذي ارتفع فيه منسوب القلق في تونس من تداعيات التصعيد العسكري في ليبيا، والتدخّل التركي الذي يدفعها نحو دوامة العنف والفوضى.