معركة لم تحسم بعد، أبعادها لازالت تشهد انعطافات متشعبة ومتشابكة في مسار الحرب، فعلى مدار نحو عام من إعلان القيادة العامة للجيش الليبي عملية تحرير العاصمة طرابلس في 4 أبريل 2019، شهدت ليبيا أحداث محورية دون أن يحسم أي طرف الأمر لصالحه، وبينما لا تزال حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، تنادي بضرورة أن يعود الجيش إلى مواقعه قبل الرابع من أبريل 2019.
بات هدف القوات المسلحة بقيادة خليفة حفتر هو إتمام المهمة في أقرب وقت، خاصة وأن الحرب لم تعد مع ليبيين فقط، مهما كانت عقيدتهم، ولكن مع قوات غازية ومرتزقة أجانب يقاتلون على الأرض بنزعة استعمارية مرفوضة داخليا وخارجيا.
** المرتزقة ومعركة طرابلس
ولعل من أبرز انعطافات معركة طرابلس، هو لجوء حكومة الوفاق إلى الزج بعناصر من المرتزقة في الساحة الليبية، حيث اعتمدت في البداية على المقاتلين الأفارقة خاصة التشاديين منهم، ولكن هؤلاء دائما ما وقعوا أسرى في يد الجيش الليبي، فلجأت حكومة الوفاق إلى التعاون مع تركيا التي ضربت بالاتفاقيات والأعراف والقوانين عرض الحائط في تدخل سافرا في الشأن الليبي، وذلك من خلال تجنيد المرتزقة والمقاتلين من سوريا، حيث قام النظام التركي بفتح مكاتب بالمدن السورية منها مكتب تحت إشراف "فرقة الحمزة" أحد فصائل المعارضة الموالية لأنقرة في مبنى قوى الأمن الداخلي، وفى مبنى الإدارة المحلية تحت إشراف "الجبهة الشامية"، كما افتتح "لواء المعتصم" مكتبا في قرية قيباريه، وفى حي المحمودية مكتبا آخر تحت إشراف "لواء الشامل"، لتشجيع الشباب السوري على التوجه إلى ليبيا، وتقديم مغريات ورواتب شهرية لكل مسلح، وإرسالهم عبر مطار إسطنبول إلى الأراضي الليبية للعمل كمرتزقة في حرب لا علاقة لهم بها، ليلقون بأنفسهم أمام مصير مجهول، مقابل مبالغ مادية، لا تكفي لضمان أمنهم أو حقوقهم في ساحات القتال، والأغرب هو أن الحالة التركية مختلفة، لأن الرأي العام العالمي أصبح شاهدا على عمليات نقل المسلحين، بينما أقرت أنقرة أنها تستعين بمقاتلين من سوريا في ليبيا أكثر من مرة.
** تركيا تخلف وعودها.. والمرتزقة يعيشون الندم
وبعد أشهر من زج تركيا بعناصر المرتزقة السورية في ليبيا، نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقاتل موجود حاليا في ليبيا، قوله إن النظام التركي توقف عن دفع أجور المرتزقة السوريين في ليبيا، حيث حصلت مصادر في المرصد السوري لحقوق الإنسان على تسجيل صوتي لأحد المقاتلين هناك، تحدث فيه عن ندم الجميع من القدوم إلى ليبيا وبأنهم تورطوا في ذلك، داعين الراغبين بالذهاب إلى ليبيا بأن يتراجعوا عن قرارهم لأن الوضع ليس جيد إطلاقاً، فالأتراك تخلفوا عن دفع مستحقات المقاتلين البالغة 2000 دولار أمريكي للشهر الواحد.
وأضاف المقاتل: "تركيا دفعت راتب شهر واحد فقط ثم لم تقدم لنا أي شيء، نقيم في المنزل وحتى السجائر لا نحصل عليها في غالب الأوقات، لا نستطيع الخروج من المنزل"، ويضيف المقاتل" جميعاً يريد العودة إلى سورية وهناك دفعات تتحضر بالعودة عبر فيلق الشام". كما أكّد المرصد في تقرير له أنّ هناك حالة استياء متصاعدة لدى المقاتلين السوريين الذين ذهبوا لليبيا بسبب تخلف تركيا عن الإيفاء بوعودها في دفع رواتبهم المقدرة بألفي دولار أمريكي شهريا، فضلا عمّا وصفه بـ "الواقع المزري" الذي يعيشونه في ليبيا.
وكان المرصد السوري، قد كشف أن الجانب التركي عمد إلى تخفيض رواتب المقاتلين السوريين الذين جرى تجنيدهم وإرسالهم للقتال في ليبيا وذلك بعد أن فاق تعداد المجندين الحد الذي وضعته تركيا وهو 6000 مقاتل، كما تم رصد مقتل المزيد من الفصائل السورية الموالية لأنقرة في المعارك مع الجيش الليبي في مناطق ليبية عدة.
** تجنيد الأطفال
لم تكتفي تركيا بتجنيد المرتزقة السوريين في ليبيا وحسب، بل عمدت إلى إضافة انتهاك جديد إلى سجل تدخلها السافر في ليبيا، حيث جندت أنقرة أطفالا في صفوف المرتزقة السوريين لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا، وأرسلتهم للقتال في العاصمة الليبية طرابلس، بحسب ما كشفته الصحفية الأمريكية المتخصصة في تغطية الأزمات الإنسانية والصراعات، ليندسي سنيل، فيما قال مصدر من غرفة عمليات الكرامة إن تجنيد الأطفال بات ظاهرة مألوفة لدى الميلشيات في طرابلس ومصراتة، ولوحظ في الفترة الأخيرة الإعلان عن مقتل بعضهم، كما ظهرت تسجيلات فيديو لأطفال يمتشقون السلاح ويتوعدون الجيش الليبي.
وأضاف المصدر أن نقل الأطفال من سوريا الى ليبيا يدخل ضمن محاولة توطين الإرهاب في طرابلس بعد إخراج عناصره من إدلب تحت ضغط روسي على نظام أردوغان ، مشيرا الى أن الأتراك يعتبرون أن وجودهم في ليبيا مرتبط بمشروع عقائدي لا يستثني الأطفال من خطته العسكرية. وأوضح المصدر، أن وجود الأطفال ضمن المرتزقة يشير إلى ثقافة الإرهاب والتطرف والدوس على حقوق الأنسان وخاصة حقوق الطفل من قبل أردوغان ومرتزقته وحلفائه.
على مدار عام من معركة طرابلس، لم تترك تركيا أي فرصة أمامها إلا وانتهزتها لإشعال الصراع الليبي، وإطالة أمد الحرب، وتكريس حالة الفوضى في طرابلس، وإنتاج مزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي، ولم يعد خافيا تماما حجم الانتهاكات التي تمارسها أنقرة في ليبيا، وإذا كان التدخل التركي في سوريا يأتي بحكم عامل الجوار، فإن تدخلها في الأزمة الليبية بالأخص هو الذي يثير التساؤل الأكثر غرابة، فلا يكاد يمر يوم دون شواهد وأدلة جديدة على التورط التركي السافر في الأزمة الليبية.