تمتد شبكة معقدة من الميليشيات والتنظيمات المسلّحة في ليبيا، منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، قبل ثمانية أعوام التي ترسخ وجودها في ليبيا منذ سنوات إذ كانت ولازالت أبرز العقبات أمام اعادة الاستقرار في ليبيا وبناء مؤسسات الدولة.
وتوسعت الميليشيات المسلّحة في ليبيا، بينما أضحت بعض المدن، لا سيما طرابلس، حاضنة للمنظمات الجهادية والمتشددة والتي من بينها مجموعات تنتمي إلى الإخوان المسلمين، إضافة إلى أطراف أخرى متباينة تتبنى الفكر السلفي الجهادي، وتتصل بتنظيم القاعدة أو داعش.
إلا أن علاقة هذه الميليشيات بحكومة الوفاق الوطني المتركزة بطرابلس لم تتسم أبد بالاستقرار. فبداية تصاعدت حدّة الخلافات بين ميليشيات طرابلس ووزير الداخلية فتحي باشاغا على خلفية التصريحات التي اتهم فيها الوزير "ميليشيا النواصي"، أكبر وأقوى ميليشيات العاصمة، بالفساد المالي واستغلال النفوذ للاعتداء على مؤسسات الدولة. وتحوّلت هذه الخلافات إلى معركة لتصفية الحسابات، تعكس فجوة الخلافات بين قوات "الوفاق" وتجسد الصراع على السلطة والنفوذ بين أجنحتها.
إذ هاجم باشاغا، في مؤتمر صحافي "ميليشيات مسلحة في طرابلس" واتهمها بالفساد وباستغلال النفوذ والابتزاز والتآمر ضد وزارة الداخلية واختراق جهاز المخابرات واستخدامه ضد مؤسسات الدولة، كما هدد بملاحقتهم قضائياً. وخص باشاغا بالذكر "ميليشيا النواصي.
وتُعد ميليشيا "لواء النواصي" واحدة من أكبر الجماعات العسكرية المسلحة في طرابلس، وتتألف من أكثر من 700 عضو، وتعمل في منطقة أبوستة في طرابلس، على بعد أمتار فقط من قاعدة أبوستة البحرية، حيث يوجد مقر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. وتدير هذه الميليشيا عدة نقاط تفتيش وتسير دوريات في المنطقة، وهو ما مكّنها من لعب دور مهم في المشهد السياسي والعسكري في العاصمة طرابلس.
هذه التصريحات وغيرها دفعت باشاغا ليجدد حديثه عن الميليشيات، والتدوين على صفحته بموقع "تويتر"، أن "الثوار فقط هم من يساندون الدولة المدنية، ولا يعتدون على مؤسساتها، ويحمون الوطن والمواطن"، فيما نظر البعض، ومنهم الغرياني وجماعة "الإخوان المسلمين" في مصراتة، إلى هذه التصريحات على أنه «تجاهل وتنصل من دور الميليشيات التي حمت العاصمة بصدورها من الطامعين فيها".
وفور تلك التصريحات التي أطلقها باشاغا، شن "علي الرملي"وهو أحد عناصر ميليشيا النواصي، هجومًا حادًا على باشاغا.
وقال الرملي، في مقطع فيديو نشره على فيسبوك، "لماذا لم يصف فتحي باشاغا النواصي بالميليشيات قبل الهدنة، نحن نعرفه قبل أن يكون وزير داخلية، كان يتغذى بمقر النواصي".
وتابع، "تكلمت في هذا التوقيت لأنك "عابي"على السوريين الذين جاءوا ليقاتلوا، وبالتالي لم تعد لنا فائدة، هؤلاء السوريين دواعش".
وكان "محمد الأزهر أبو دراع" القيادي في ميليشيا النواصي قد طالب في وقت سابق وقبل تصريحات باشاغا بضرورة التحقيق مع وزير الداخلية بشأن التكليفات الأخيرة داخل وزارة الداخلية.
كما انتقد "أبودراع" طلب باشاغا من الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية داخل الأراضي الليبية، حيث كتب يقول، في تهكم واضح: "بالله عليك يا ترمب أنا أنحبكم بنديرلكم قاعدة في ليبيا، وخلوني أنشد بدل السراج. أنا صاحبكم ولي تبوه إنديره غير خلوني أنشد رئيس".
في نفس الإتجاه، فإن هناك من أرجع تحدث باشاغا عن فساد بعض الميليشيات، وتجاوزها للقانون، إلى تعهدات سابقة قطعتها حكومة الوفاق على نفسها للإدارة الأميركية، ببحث وضعية الميليشيات في العاصمة.
فالسلطات طرابلس تسعى لتقارب أميركي جاد يوفر لها الحماية اللازمة في مواجهة الجيش الوطني ما يبرز جليًا في الاتجاه للتضحية ببعض الميليشيات الذي قد ينقلب على حكومة الوفاق، إذا ما توحدت تلك المجموعات في مواجهتها.
حبل الود إنقطع مؤخرًا بعد مدة من التنسيق المشترك بين حكومة الوفاق و الميليشيات فمنذ انطلاق عملية تحرير العاصمة طرابلس في الرابع من أبريل الماضي، انضمت الميليشيات إلى المعارك وتصدرت عناصرها الصفوف الأولى لمحاور القتال ضمن قوات حكومة الوفاق، من بينها ميليشيا لواء الصمود التي يقودها المطلوب دولياً صلاح بادي،النواصي،ثوار طرابلس، وكتيبة الحلبوص، والقوّة الثالثة، إضافة إلى ميليشيا 166 وكتيبة شريخان، التي قتل قائدها محمد بعيو، خلال مواجهات مع الجيش في طرابلس.
من ذلك يرى مراقبون أن تلك الميليشيات التي تخضع لسلطة المجلس الرئاسي في طرابلس في وقت تحولت من جماعات مسلحة إلى "مافيا منظمة" تمتلك شبكات تؤثر في الاقتصاد والأعمال والسياسة والإدارة في العاصمة وهذا ماجعل الاقتصاد الليبي والأموال الليبية تصب في مصلحة فئة صغيرة جدا ودائرة أصغر من أي فترة مضت منذ ثورة فبراير 2011.
بعد مرور سنة على إطلاق الجيش الليبي عملية عسكرية لتحرير العاصمة طرابلس برزت خلافات كبيرة بين الميليشيات المسلحة و المجلس الرئاسي بالعاصمة كشفت عن حجم العداوات والانقسام الكبيرة فيما بينها، كما فضحت التحالف المزيف الذي انخرطت فيه، لقتال الجيش ومنعه من انتزاع السيطرة على طرابلس.