صراعات تلو الأخرى تشهدها الساحة الليبية، وكأن ليبيا تتميز بمغناطيسية من نوع فريد تجذب الأزمات والصراعات إليها، ومن بين أخر تلك الأزمات التي تعيشها البلاد منذ أسابيع، الصراع الذي اندلع بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس المجلس الإدارة بمصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير.
وبعودة سريعة لجمع الخيوط الأولى لبداية الصراع، نعود إلى منتصف شهر مارس الماضي عندما تداولت أخبار مفادها أن الصديق الكبير، رفض طلبا من الرئاسي بفتح منظومة مبيعات النقد الأجنبي، وإعادة النظر من قبل المجلس الرئاسي في تحديد رسوم بيع النقد الأجنبي والعمل على صياغة واعتماد الترتيبات المالية لسنة 2020، وهي أخبار نفاها الرئاسي في البداية، لكن ما حدث بعد ذلك يحيل إلى خلاف حقيقي بين الرجلين، اتهم بعده رئيس المجلس فايز السراج، في بيان شخصي محافظ مصرف ليبيا المركزي بالسيطرة على السياسة النقدية للبلاد، وإيقاف منظومات المقاصة والتحويلات، وتدخله في سياسات الدولة الاقتصادية والمالية، مطالبا إياه باتخاذ الخطوات اللازمة التي من شأنها الشروع في خطوات وإجراءات توحید مصرف ليبيا المركزي، لكن الكبير ردّ على السراج قائلا "إن الأخير أصدر بيانا ضده بشكل فردي وأرجع إيقافه بيع النقد الأجنبي بشكل مؤقت إلى الضرورة القصوى بسبب توقف إنتاج النفط وتصديره وإقفاله للمنظومة المصرفية على مركزي بنغازي كإجراء احترازي."
** ردود أفعال الساسة والخبراء:
وفي محاولة من بوابة إفريقيا الإخبارية لتسليط الضوء على هذا السجال الذي لم يعد خفي عن الأنظار، قمنا بجمع ردود الأفعال المختفلة في هذا الشأن من مختصين في الشأن الليبي والتي جاءت كما يلي:
نائب رئيس المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا الشيخ السنوسي الحليق علق في تصريحات لبوابة إفريقيا قائلا: "إذا كان السراج جادا في دعوته للحوار لتوحيد هاتين المؤسستين الاستراتيجيتين، فان باب الحوار مشروط بتنفيذ قرار الحكومة الليبية رقم 247 لسنة 2013، والقاضي بعودة مقر المؤسسة الوطنية للنفط إلى بنغازي، وإعادة مصرف ليبيا المركزي إلى مقر تأسيسه في بنغازي، كما أن بنغازي علاوة على أنها المقر الرئيسي لهاتين المؤسستين، فهي أيضا تنعم بالاستقرار والأمان، فلا حوار مع السراج قبل القبول بهذا الشرط، وإذا كان السراج صادقا حقا فيما يدعو فليقبل بالشرط".
كما وصف الحليق، محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، بـ "العابث بمقدرات الليبيين"، مضيفا، أن الكبير يساوم الليبيين الذين أقفلوا النفط بالمرتبات، قائلا "رغم أن هناك مجنب يقدر بــ 85 مليار الا ان الكبير يقصى المنطقة الشرقية والمنطقة الجنوبية ويرفض دفع المرتبات ويوقف الأدوية والاعتمادات ، إلى أين يريد الكبير الوصول؟، هو ينفرد بالقرار حتى أصبح المصرف المركزي الان يعمل بانفراد، فلا وجود لمجلس إدارة، ولا شؤون إدارية صحيحة ولا هيكلية قانونية صحيحة بل بقرارات الكبير".
عضو مجلس النواب سعيد امغيب، قال "إن محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، انسحب من تيار الإخوان المسلمين وأظهر لهم العداء واحتفظ فقط بعلاقته مع بعض المليشيات التي تقدم له الحماية والدعم، الكبير مقال بقرار من البرلمان وباقي في منصبه إلى هذه اللحظة بدعم دولي رغم كل التجاوزات والمخالفات التي ارتكبها والتسبب في كل الأزمات المعيشية والاقتصادية التي مرت بها البلاد".
وأضاف "الكبير هو الداعم الأكبر للإرهابيين وقادة المليشيات وبعض التجار اللصوص والسراق والفاسدين من بعض الوزراء وأصحاب الأجندات الخارجية من السياسيين، كذلك كان ومازال الداعم بكل قوة لكل الذين يحاربون الجيش على تخوم طرابلس بمختلف توجهاتهم وهو السبب الرئيس في تواجد القوات التركية على أرضنا الطاهرة وتواجد الطائرات المسيرة التركية في سمائنا لقصف المدنيين، ونراه (الكبير) اليوم ينقلب على فايز السراج وينسل من تحت عباءة الإخوان المسلمين وهم سبب وجوده على قمة هرم المصرف المركزي، ويظهر لهم العداء ويحتفظ فقط بعلاقته مع بعض المليشيات التي تقدم له الحماية والدعم، ، ، بصراحة أنا لم أستوعب تصرفات الصديق الكبير الأخيرة ولا أعرف الأسباب الحقيقية التي دفعته لمعاداة كل هؤلاء دفعة واحدة إن كان هذا العداء حقيقياً ولكن أرجو أن يكون ما احتفظ به لنفسي من قراءة لهذه الأحداث صحيحاً لتنعم البلاد قريباً بالأمن والاستقرار تحت سلطة واحدة".
وفي المقابل، علق عضو مجلس الدولة الإستشاري وعضو المؤتمر العام منذ عام 2012 محمد معزب، في هذا الشأن قائلا" لا يمكن تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي بطرابلس ووكيله إلا بالتوافق بين مجلسي الدولة والنواب، وهذا الإجراء أصبح مستحيلاً في الوضع الراهن وأدى إلى الانقسام وتفكك مجلس إدارة المصرف بين الشرق والغرب حيث يوجد محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ومعه عضوين وفي الشرق يوجد وكيله على الحبري ومعه ثلاثة أعضاء بمجلس الإدارة، كما أن محافظ المصرف يريد تعديل سعر صرف الدولار بحيث يوفر من بيعه ما يستطيع به تغطية العجز في الميزانية ويكون الصرف فقط في الحاجات الأساسية فيما يريد المجلس الرئاسي إبقاء سعر الصرف الحالي ويرى أن رفع السعر يؤدي للتضخم".
رئيس لجنة أزمة السيولة فى مصرف ليبيا المركزى بالبيضاء رمزى الأغا، قال في تصريح خاص لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، "مايحدث من سجال بين السراج والكبير، هي محاولة من السراج لترويض الكبير تحت سيطرته، وخصوصا بعد أن أقفل الكبير عملية صك العملة الأجنبية إلى المصارف لغرض فتح الاعتمادات والأغراض الشخصية والذي كان له تأثير سيء، والذي تزامن مع انتشار وباء كورونا في العالم وبهذا الإجراء الذي أضر المخزون الاستراتيجي للأغذية والادوية والمعدات الطبية. وحتى عندما طلب الرئاسي من الكبير استئناف بيع العملة الاجنية، رفض ووضع شرط زيادة للرسوم المقررة والذي قد يتجاوز سعر الدولار الخمسة دينار والذي سينعكس علي مستوى الأسعار للسلع"، بحسب تعبيره.
وتابع الأغا، "بالإضافة إلى محاولة الكبير في السيطرة على مقاليد الأمور والتي خارج العمل المصرفي، فتراه تارة يجتمع مع قادة الميليشيات والاستعلام منهم على وضع الذخيرة والسلاح، وتارة يجتمع مع عمداء البلديات ومحاولة منحهم بعض الصلاحيات كإصدار موافقات علي فتح الاعتمادات، وتارة يجتمع سفراء دول اجنبية وهذه بدعة محاولة منه لاضفاء الدعم الدولي له. الكبير يعمل وفق منهجية الإخوان حاله حال مصطفي صنع الله، وهو العمل إبراز تأثير إقفال الحقول النفطية بأي شكل حتى وأن كان الضحية هو المواطن ، لأنه ببساطة المفترض أن يستخدم احتياطات، والتي الآن جزء كبير في البنوك التركية بدون أي عائد أو منفعة على الدولة الليبية والمستفيد الأكثر هي الدولة التركية"، على حد قوله.
الخبير الاقتصادي سالم الشريف، قال في تصريح خاص لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، "الخلاف بين السراج والكبير هو خلاف إعلامي .. حيث أظهر السراج إعلاميا انتقاده لمحافظ المركزي بطرابلس-مع إنهما يفقدون الشرعية وفق الإعلان الدستوري المؤقت- متهما المركزي بالمسؤولية عن خلق السوق الموازي للدولار والفشل في السياسات النقدية والتدخل غير المبرر في السياسات الاقتصادية، وتراخى المركزي في فتح للاعتمادات، وكانت البداية عندما تم إعداد الميزانية وحدث خلاف بين المالية والمركزي وأًصبحت هناك قطيعة وتوتر حاد وانتقائية في استلام أذونات الصرف ومنع “الكبير” حتى إدراته بالتعامل مع المالية بخصوص الميزانية والمقدرة بـ 38 مليار دينار، وإقفال منظومة مبيعات النقد الأجنبي بحجة السحب على الاحتياطي بشكل كبير، ومطالبته برفع سعر الرسم، بالإضافة إلى أن المركزي كان سيفتح المنظومة فور تعديل سعر الرسم على مبيعات النقد الأجنبي، لكن هناك ضغوط داخلية وخارجية على السراج لإيجاد مصادر أخرى خارج الميزانية بالصرف على الميليشيات بحيث لا تخضع للرقابة والمحاسبة، وهذا ما لاحظناه من اصداره قرار برفع الدعم على المحروقات وتخفيض النسبة المئوية للمرتبات مع إنها مخالفة للقانون المرتبات، والتي تقدر 4.6 مليار دينار، والمحروقات تقدر بـ 4 مليار دولار والتي تقدر في السوق الموازي بـ 16 مليار دينار"، بحسب تعبيره.
وتابع الشريف، "أما علاوة العائلة والتي يريد منحها والتي تقدر ب4.5 مليار دينار، سيتم تحويلها من عوائد تحصيل الدولار إلى حساب ما يسمى وزارة الشؤون الاجتماعية وليس ما يسمى وزارة المالية، يعني تلك الاموال ستذهب الى آمراء الميليشيات، ويعني أيضاً ان هناك اتفاق فيما بينهما بخصوص خصم 20% من مرتبات موظفي الدولة، وزيادة سعر المحروقات، ولهذا الخلاف إعلامي فقط. لأن المحافظ لن يوقف قيمة المحروقات المعتمدة في الميزانية وكذلك المرتبات وقيمة رسم التحصيل على النقد الأجنبي"، على حد وصفه.
بينما اتهم القيادي من مدينة مصراتة فرج اخليل، السراج بالخيانة والفساد المالي، قائلا "أنا مازلت مصرًا على اتهام فايز السراج ومستشاريه بالخيانة والفساد المالي وتمكين العدو من مؤسسات الدولة وخاصة المالية والاستثمار، حاليا الحرب على المصرف المركزي في طرابلس، لدينا تفاصيل وسيناريو تصرفات السراج للتخلص من الصديق الكبير وإفقار الدولة، .... وأتحدى فايز السراج أن يأتي لنا بنسبه لجده الرابع من هو بالضبط"، بحسب تعبيره.
الباحث الليبي ورئيس مؤسسة السليفيوم للأبحاث والدراسات، جمال شلوف، صرح في هذا الشأن لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" قائلا، "في إطار السجال المتواتر بين "السراج والكبير" حول من الأحق منهما في غنائم المال الليبي العام بعد شح الموارد وإغلاق النفط، خرج السراج الذي كان سابقا يحرص على إظهار نفسه كشخصية دبلوماسية ليستخدم أسلوب الهجوم المباشر وغير المباشر على حلفاء الأمس، فانطلق يتهم الكبير دون أن ينتبه أنه يفضح علاقته والكبير بالصرف على الميلشيات والسكوت عن النهب الممنهج للمال العام واحتكار الاعتمادات، كما هاجم القنوات التي كان يخرج فيها ويسميها حاملة الطائرات والسلاح النووي، ليصفها بأنها تشق الصف وتمارس أعمال الخيانة وأن الخارجين عليها من المخمورين والمتعاطين للمؤثرات العقلية. في ذات الوقت الذي تجاهلت هذه القنوات كلمته ولم تذعه مباشرة على شاشاتها، وكأننا نشاهد عينا وحيا المثل القديم الذي يتحدث عن أن اللصوص الذين لم يفتضحوا وهم يسرقون فضحوا أنفسهم وهم يعتركون على اقتسام سرقاتهم"، بحسب تعبيره.