ليبيا اليوم ليست خارج السياق العالمي بسبب تأثيرات كورونا، بل ربما هي الأكثر تأثرا باعتبارها أمام تحد آخر هو النفط الذي توقفت موانئ إنتاجه عن التصدير منذ وسط فبراير الماضي بسبب اعتصام القبائل الليبية احتجاجا على حكومة فائز السراج المتهمة باستغلال عائدات النفط لدعم مسلحيه والمليشيات الموالية له واستقدام المرتزقة السوريين في معركة طرابلس والتي تدخل هذه الأيام مرحلة مفصلية في ظل إصرار طرفي المعركة في حسمها.
رغم بقائها لفترة طويلة خارج تهديدات فيروس كورونا، لكن ليبيا اليوم دخلت منذ الأسبوع الأول من أبريل في عداد الدول المحتوية للفيروس بـ 60 إصابة إلى حدود الـ23 من أبريل الجاري مع المئات من التحاليل اليومية التي مازال مؤشرها لا ينذر بخطر كبير، بل حتى حالات الشفاء المسجلة يوميا تعتبر من بين الأفضل من حيث النسبة على الأقل في المنطقة، رغم أن هيئات صحية دولية تعتبر أن ضعف الرصد في البلاد هو الذي جعل رقم الإصابات منخفضا.
وأمام انتشار الفيروس، من الطبيعي أن تكون هناك تأثيرات موجعة على الاقتصاد في علاقة بتكلفة البنى التحتية بالمستشفيات والاحتياجات المالية اليومية للتحاليل وما يستتبعه ذلك من توفير أدوية تفرض توفير مبالغ كبيرة من العملة الصعبة. وتقول مصادر مختلفة أن المراكز الصحية في ليبيا بشرق البلاد وغربها تعاني من ضعف البنية التحتية بسبب عدم توفر بعض المستلزمات الأساسية ونقص الأطقم الطبية. كما انتقدت السياسات المتبعة في ظل غياب المعدات الأولية للكشف عن الفيروس لدى المشتبه بإصابتهم.
وما يؤكد الوضع الصعب ومع كابوس الخوف من توسع انتشار الفيروس بالبلاد، أعلنت بعض الدول عن استعدادها للمساعدة، على رأسها الصين التي قال وزير خارجيتها "وانغ يي" في رسالة لوزير خارجية الوفاق محمد سيّالة، أن بلاده ستقدم ما بوسعها لليبيا فيما يخض مستلزمات مواجهة فيروس كورونا المستجد. كما عبّر الصينيون عن استعدادهم لتكوين الأطر الطبيّة على التعامل مع الجائحة ومن الطبيعي أن تكون التكاليف المالية مرتفعة.
في جانب آخر وهو الأصعب على الاقتصاد، فإن موانئ الإنتاج مازالت متوقفة على التصدير بسبب إصرار المعتصمين أمامها على مواصلة الإغلاق. وفي آخر تصريح قالت المؤسسة الوطنية للنفط إن إغلاق الموانئ تسبب في فقدان البلاد عائدات بقيمة 4 مليارات دولار منذ 17 يناير 2020، معتبرة أن المبلغ الذي يمثل عوائد مبيعات النفط الخام، التي "كان بالإمكان استثماره في قطاع الصحة وإعادة تشييد الطرقات وتحسين المدارس والنهوض بقطاع التعليم".
إثر ذلك علق مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، بأن "إقفال الحقول والموانئ تسبب في خسارة الشعب الليبي لمبالغ ضخمة لا يمكن تعويضها، ودعا المسؤولين عن الإقفالات، إلى التفكير في التداعيات السلبية لتصرفاتهم غير المسؤولة على حياة المواطن الليبي ومستقبله، وما يمكن أن تخلفه هذه الأفعال من أضرار فادحة في حال استمرارها". وأشار صنع الله إلى أنه "إذا تمكّنت المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عمليات الإنتاج، فقد تتمكن الدولة من وقف انهيار اقتصادها ومرافق حياتها وتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها وطننا العزيز".
وسبق أن أوضحت المؤسسة أن المستوى الحالي لإنتاج النفط في ليبيا بلغ 89,933 برميل في اليوم بحلول يوم الأحد 5 أبريل مشيرة إلى أن 78.49 مليون برميل هي الخسارة الجملية لعملية الإيقاف، بالإضافة إلى أن المحروقات في بعض مستودعات التخزين توشك على النفاد، وأن مستودعات طرابلس وبعض المناطق المحيطة بها والمناطق الجنوبية أصبحت تعاني نقصا في الإمدادات.
وفي تصريحات سابقة عن إغلاق الموانئ قال رئيس حكومة الوفاق فائز السراج "حذرنا من استخدام ورقة النفط كورقة مساومة سياسية وتجنبنا التصعيد والمواجهات في مناطق استخراج النفط حرصا على سلامة المؤسسات النفطية"، محذرا أن البلاد ستواجه أزمة مالية وعجزا في ميزانية 2020 بسبب استمرار إغلاق المنشآت وهو ما أكده وزير ماليته علي العيساوي الذي قال إن الميزانية ستنزل من من 55 مليار دينار ليبي إلى 38 مليار دينار. وأشار السراج إلى أن الوفاق بدأت إجراء قانونيا لمحاسبة المسؤولين عن الإيقاف، لكن هذه الخطوة تبقى في إطار المناورة السياسية باعتبار أن من يقومون بالاعتصام أشخاص بذواتهم لا يمثلون أي سلطة رسمية يمكن تتبعها، وحتى التتبعات الشخصية تبقى قاصرة لعدم القدرة على إثبات التهمة.
وفي منتصف شهر مارس أعلنت مؤسسة النفط عن اتخاذها لتدابير تقشفية "نتيجة تواصل اغلاق المنشآت النفطية، من خلال الحد من المصاريف غير الضرورية، نتيجة تراجع إيرادات النفط"، ومن بين الإجراءات المتخذة وقتها تجميد بعض العقود أو إرجائها ووقف صرف أجور ساعات العمل الإضافي، وتقليص بعض الخدمات إلى جانب إجراءات أخرى، لكنها ظرفية وغير قادرة على الصمود إذا تواصل أمد الأزمة.
من المؤكد أن الأزمة الأخيرة في إنتاج النفط ستكون لها تبعات كبيرة وستقود الاقتصاد الليبي المتهاوي أصلا، إلى وضع لا يمكن التنبؤ بتأثيراته السلبية، وسط حالة عالمية شاملة من التراجع والركود، وإذا أضفنا الطارئ الجديد في علاقة بفيروس كورونا وما يحتاجه من تمويلات للمواجهة، فإن ليبيا ستكون أمام إحراجات كبيرة سواء في علاقة بالالتزامات الخارجية في توريد المواد التموينية سواء في الاحتياجات الخارجية في منظومة الدعم وتوفير السيولة للرواتب وغيرها من الطلبات التي يكون توفيرها سهلا وقد تجد الدولة نفسها مجددا أمام حتمية الالتجاء للاحتياطي النقدي الذي كان دائما ملجأ المسؤولين كلما ظهر فشلهم في التعامل مع بعض القضايا.