تعتبر قاعد الوطية الجوية، أهم قاعدة جوية في الغرب الليبي. وتقع القاعدة جنوب العجيلات وتابعة إداريا لمنطقة الجميل، كما تتسم بموقع استراتيجي هام حيث إنها تغطي كافة المنطقة الغربية. وهذه القاعدة وهي الوحيدة التي لا تستعمل أبدًا لأغراض مدنيّة على عكس بقية القواعد الجويّة العسكريّة في البلاد كأغلب القواعد الأخرى مثل بنينا وطبرق والأبرق ومعيتيقة وسبها، كانت منذ أسابيع هدفًا معلنًا للمليشيات التابعة لحكومة الوفاق. 

تحشيد عسكري وإعلامي كبير رافق الهجمات المتتابعة على القاعدة. وسائل إعلام محلية ودولية (تركية وقطرية) دشنت منذ أيّام حملة واسعة من البرامج والتقارير حول هذه القاعدة وأهميتها مشفوعة بعشرات التدخلات والتصريحات من المحللين والسياسيين والعناصر المليشاوية الدائرة في فلك حكومة الوفاق والمحور التركي-القطي المساند، حول عزم مليشيات الوفاق على دخول القاعدة. 

هذا التحشيد الإعلامي، يصاحبه في الغالب تركيز على أهمية الموقع ودوره العسكري في الحرب التي يخوضها الجيش الليبي غرب البلاد. مع تأكيدات متواصلة ومسترسلة على أنّها تمثّل "آخر قلاع" الجيش في تلك المنطقة. مع ضخّ كبير لرسائل حول أن سقوط القاعدة يعني الهزيمة النهائية للجيش الليبي!

هذا الحماس الكبير من قبل الميلشيات ووسائل الإعلام الداعمة (القطرية والتركية)، ترجمه أردوغان في تصريح مثير يتحدّث عن "أخبار مفرحة قادة من ليبيا"، ساعات فقط قبل هجوم واسع للمليشيات والمرتزفة السوريين على القاعدة.

كان أردوغان ينتظر سقوط القاعدة في يد الميلشيات التي يسلحها ويدعمها بالمرتزقة والمدرعات والطائرات التركية. لكن كانت للجيش الليبي حساباته هو آخر، ليطلع المسماري نهاية اليوم مترحما على آمر القاعدة التي قتل في معركة الدفاع عن الوطية ومعلنا دحر العدوان وسقوط العشرات من القتلى في صفوف المليشيات. 

خسائر كبيرة تكبدتها الميلشيات في آخر هجماتها على القاعدة، وما يثير الانتباه هو بدأ عملية جويّة واسعة من سلاح الجو الليبي بعدها مباشرة، استهدف مناطق كثيرة غرب البلاد في غريان والزاوية وطرابلس وخاصة الكلية الجوية لمصراتة التي كانت طيلة ليلة كاملة تحت نيران القصف الجوي لمخازن الذخيرة والطائرات المسيرة.

** أي أهميّة لقاعدة الوطية في حسابات الأتراك؟ 

يبدو الإصرار التركي على إسقاط  القاعدة بيد المليشيات مفهوما الى حدٍّ كبير. فالقاعدة التي تعمل يشكل جزئي صغير، تعتبر فعلا أهم موقع جوي في غرب البلاد. ورغم سيطرة هذه المليشيات على قاعدة مصراتة الجوية ومطار معيتيقة وتحويلهما لقاعدة عمليات جوية ضد الاهداف العسكرية وحتى المدنية في حربها ضد الجيش الليبي، غير أن هذه القاعدة بحكم موقعها وهندستها ومساحتها وبنيها التحتية العملية والمهمة تمثل غنيمة هامة لمليشيات الوفاق. وحتى وان لم تستطع تشغيلها فان تحييدها قد يجنبها البعض من الضعط. هذا إضافة الى ما يمثّله من "نصر معنوي" مهم لمجاميع الميلشيات التي استنزفت ماردها البشرية وأصبحت تعوّل بشكل كبير جدا على عناصر المرتزقة السوريين.

قاعدة الوطية كان قد بناها الأمركيون زمن الوصاية الدولية الثلاثية بين بريطانيا وفرنسا وأمريكا على ليبيا "المستعمرة الايطالية السابقة" عام 1942. وهي ذات أكبر بنية تحتية عسكرية حيث تستطيع القاعدة الجوية استيعاب وإيواء 7 آلاف عسكري . وقد تم بناء القاعدة على بما يتماشى مع التضاريس الجغرافية المحيطة بها  بالإضافة إلى أن القاعدة تمتلك أكبر تحصينات خارجية حيث أن أغلب المطارات العسكرية الأخرى في ليبيا بنيت على أساس وقوعها في مدينة إستراتيجية مثل قواعد معيتيقة وبنغازي ومصراتة والجفرة وسرت وطبرق وسبها والكفرة ووادي الشاطئ ومرتوبة .

وقد كانت قاعدة الوطية قبل أحداث فبراير 2011 مركز عمليات لأسطول مقاتلات الميراج. وقد تعرضت لقصف مكثف من طيران الناتو عام 2011 ولكنها حافظت على معظم بنيتها التحتية الأساسية إلا أن معظم الأضرار لحقت بالطائرات الرابضة ومستودعات الذخيرة بالإضافة لمراكز الرصد والدفاع الجوي.

توجد بها حاليا غرفة عمليات تابعة للقيادة العامة للجيش منذ 2014 وهي على استعداد دائم  لتنفيذ كافة المهام والعمليات الجوية ضد أغلب الأهداف في الغرب الليبي.

بدأت أولى الهجمات المعلنة والمباشرة من قبل مليشيات الوفاق يوم 25 مارس 2020 حين تصدى الجيش الوطني الليبي لهجوم نفذته ميلشيات تابعة لأسامة الجويلي مدعومة بعدد كبير من المرتزقة السوريين والأفارقة، وكبدها خسائر فادحة واعتقل عددا من مسلحيها، وقام بتوسيع انتشاره في المنطقة الغربية من خلال دخوله مناطق الجميل والعسة ورقدالين وزلطن.

غير أن مليشيات الوفاق تمكنت من إعادة السيطرة على مدن الساحل الغربي الليبي، وانسحبت قوات الجيش التي رفضت خوض معارك داخل المدن إلى داخل قاعدة الوطيّة. وهذا الانقلاب السريع في الأحداث واختيار الجيش للانسحاب على تحويل المدن الى ساحات حرب دفع بالمليشيات إلى تسجيل هدفٍ عسكرّي آخر من خلال الهجوم على ترهونة في هجوم نشرت تفاصيله وكالة الأناضول التركية وخطته مفصلة قبل وقوعه! ثم الهجوم على قاعدة الوطية واحتلالها لكن خابت الحسابات في الرهانين، ولم تجد هذه المليشيات مدفوعة برغبة معلنة وصريحة من أردوغان نفسه على إسقاط القاعدة إلاّ إعادة الكرّة مرّات أخرى كانت في كل مرّة تفشل وتخسر عشرات الضحايات من شباب ليبيا الذي تقوده المليشيات وزعماؤها والحسابات الدامية في لعبة تركيا الإقليمية إلى نهايات محزنة وموجعة.

** الانهيار على أسوار الوطية:

الهجوم الأخير يوم الثلاثاء على القاعدة خلّف عددا كبيرا من الضحايا في صفوف المليشيات كما أعلنت قوات الجيش الليبي مقتل آمر القاعدة أسامة مسيك في الهجوم.

وأعلن آمر المنطقة العسكرية الزاوية عبدالله نور الدين الهمالي في تصريح خاص لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن الأوضاع في القاعدة تحت السيطرة، مشيرا إلى أن قوات الجيش الليبي تمكنت، من صد الهجوم الذي شنته قوات الوفاق المدعومة بالأتراك، على قاعدة الوطية.

وقال الهمالي، "شباب قوات الجيش الليبي تصدت بثبات للهجوم الفاشل الذي شنته قوات الوفاق تحت غطاء الطيران المسير التركي، حيث تم أسر 6 عناصر من القوات المعتدية، ومقتل نحو 40 عنصر من بينهم القيادي بقوات الوفاق فراس الوحشي وغيره من قادة الوفاق، وإصابة أكثر من 30 عنصر منهم، إضافة إلى إعطاب 25 سيارة مسلحة وحرقها"، وأضاف "قواتنا لقنت المجموعات المعتدية درسا لن تنساه ولن تجرأ تلك المليشيات الهجوم على قاعدة الوطية مرة أخرى، بعدما أذاقتهم قوات الجيش الليبي النار الحمراء"، بحسب تعبيره.

وأشار الهمالي، إلى أنه فيما يتعلق بخسائر الجيش الليبي هو استشهاد آمر قوة حماية قاعدة الوطية الجوية أسامة امسيك الزنتاني، والذي تم تشييع جنازته قبل مغرب الثلاثاء في قاعدة الوطية.

وقد نعى آمر مجموعة عمليات المنطقة الغربية بالجيش الليبي المبروك الغزوي، كذلك آمر قوة حماية قاعدة الوطية الجوية، قائلا أن  امسيك الذي سقط بنيران طيران العدو التركي على ثرى قاعدة البطل العربي الفاتح عقبة بن نافع قد سار على نهج عمه البطل طيار مقاتل أبوالقاسم امسيك، وقاد جنوده على نفس الطريق حتى سقط مع كوكبة منهم مقبل في ميدان الشرف لصون القاعدة من دنس حلف فجر ليبيا حتى جعلها غصة في حلوقهم"، وفق تعبيره. مردفا: "هذا فخر ما بعده فخر للفقيد وعائلته".

هذا الهجوم كلّف المليشيات المنضوية تحت حكومة الوفاق خسائر كبيرة في العتاد والأرواح حيث أعلنت مصادر إعلاميّة عن تسجيل مقتل ما لا يقل عن 40 عنصرا من المليشيات أغلبهم من مصراتة وطرابلس والزاوية وزوارة. وكان من بينهم اثنان من أمراء الحرب في الزاوية وهما فراس الوحشي وهشام البرشيني، وعبدالرحمن الشاوش آمر ميليشيا من مصراتة ومحمد مطوع نالوت آمر ميليشيا الصمود، وعبد الرحمن علي معتوق القيادي بميليشيا المجلس العسكري الزنتان الموالي لحكومة السراج.

هذا الانهيار الجديد لمليشيات حكومة الوفاق المدعومة تركيا، جاء ساعات قليلة من بدأ هجوم جوي واسع قادته مقاتلات سلاح الجو الليبي، متبوعا بإعلان مضاد من الناطق الرسمي للقائد العام للجيش الليبي اللواء أحمد المسمار عن أخبار مفرحة سيسمعها الليبيون قريبا، مؤكدًا بلهجة واثقة.. قريبا جدًا.