على الساعة الثالثة وعشر دقائق من أول أمس الإثنين ، بدأ الاجتماع في قصر شيجي بروما ،بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة ومضيفه رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراقي والذي تواصل حوالي ساعتين ، تم التطرق خلالهما لمجمل الملفات ذات الاهتمام المشترك ، لكن ملف الهجرة غير الشرعية كان الأبرز على طاولة النقاش ، بما يمثله من تحدّ حقيقي أمام السلطات الإيطالية سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي

بدأ دراغي كلمته في المؤتمر الصحفي عقد اللقاء:  "تبقى إيطاليا إلى جانب ليبيا ، نحن ندعم البلاد في هذا التحول المعقد" ، مثل هذه المجاملات كانت دائمة حاضرة في تصريحات مسؤولي البلدين الذين تربط بينهما علاقات تاريخية قديمة ومعاصرة ، وتابع دراغي أنه يجب على بلاده أن تكون في طليعة الدول الداعمة لليبيا من أجل تحقيق الوقف النهائي لإطلاق النار ، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة ، تحدث كذلك عن التعاون في القطاع الصحي والتحول البيئي ، وصولا الى الملف الذي يهم الإيطاليين أكثر من أي ملف آخر ، نظرا لعلاقته المباشرة بالوضع الأمني و الاجتماعي في البلاد ،

قال رئيس الوزراء الإيطالي : “ناقشنا قضايا الهجرة والمسائل الإنسانية التي تمثل أولوية لليبيا وإيطاليا”، من بينها “السيطرة على الحدود الليبية، بما في ذلك الحدود الجنوبية، ومكافحة الاتجار بالبشر، ومساعدة اللاجئين، والممرات الإنسانية، وتنمية المجتمعات الريفية” ، وتابع أن بلاده تفضل إعادة المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في ليبيا الى بلدانهم الأصلية ، مشددا على أن بلاده ستواصل دعم الليبيين في مجالي الموارد وقدرات التدريب لكنها بحاجة إلى إجراءات حازمة وسريعة من الاتحاد الأوروبي

ويشير المراقبون الى أن ملف الهجرة بات مقياس الحرارة الحقيقي للعلاقات بين روما وطرابلس ، فخلال الأسابيع الماضية ، وبعد أن تسلمت حكومة الدبيبة مقاليد الحكم ، ارتفعت رحلات قوارب الموت بنسبة 25 بالمائة ، ورغم جهود خفر السواحل الليبي إلا أن الجانب الإيطالي يراها غير كافية ، ويعتبر أن الميلشيات النشطة في الغرب الليبي متورطة في الدفع نحو تدفق المزيد من المهاجرين ، وهو أمر لا تستطيع السلطات المحلية نفيه ،

لكن هواجس إيطاليا تتسع في ظل عدم الحسم في ملف إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة ، وإبقاء الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية على نفوذها في غرب البلاد ، ما جعل وزير يشير بالتزامن مع زيارة الدبيبة الى روما الى أن على الحكومة الليبية أن تبني نظامًا أمنيًا ودفاعيًا يتجاوز دور الميليشيات في المنطقة الغربية ، مؤكدا إن دعمها يجب أن يكون التزاما قاطعا من جانب أوروباـ لأنه وفي حال فشلها ، فإن الفضاء سينفتح أمام تقسيم نهائي لليبيا إلى مناطق نفوذ وهذا سيكون بمثابة نكسة كارثية للجميع.

وأعتبر نائب المدير المركزي لدول البحر المتوسط والشرق الأوسط الفيردو كونتي أن تحقيق الاستقرار في ليبيا وتعزيز الأمن هو من الأهداف الاستراتيجية للحكومة الايطالية، مشيراً إلى أن ظاهرة  الهجرة غير الشرعية ليست بالتحدي الوحيد الذي يواجه دولا عدة إذ أن هناك عدة قضايا أخرى مثل مكافحة الجريمة الدولية والإرهاب والتهريب وهي جميعها قضايا تتطلب التعاون الأمني بين الجانبين الليبي والايطالي موضحاً بأن هذا الاجتماع يدل على التوافق بين المؤسسات في كلتا الدولتين .وأكدت المنظمات الإنسانية،

ويبدو واضحا أن ليبيا تبحث عن توافقات حقيقية لنيل مساعدات من ايطاليا ومن ورائها أوروبا لإحكام السيطرة على حدودها البحرية ، وهي تستعيد خطاب النظام السابق الذي قال في مناسبات عدة أنه لن يعمل شرطيا لتأمين السواحل الأوروبية ، وهو ما أدى الى إبرام معاهدة 2008 ، عندما فرض العقيد الراحل معمر الراحل معمر القذافي على روما الاعتذار عن فترة الاستعمار المباشر ، وتقديم تعويضات عن ذلك تبلغ 5 مليار دولار ، ونصت بالنسبة لموضوع مكافحة الهجرة غير الشرعية على أن « يعمل الطرفان على إنجاز منظومة لمراقبة الحدود البرية الليبية تسند إلى شركات إيطالية تتوفر لديها الاختصاصات الفنية اللازمة، وستتحمل الحكومة الإيطالية 50 % من التكاليف، بينما سيطلب الطرفان من الاتحاد الأوروبي أن يتحمل الـ 50 % الباقية »

وكانت حكومة الوفاق المنتهية ولايتها عقدت في فبراير 2017 إتفاقية مع الحكومة الايطالية ، اعتبرها ناشطون حقوقيون مجحفة في حق ليبيا، خاصة أنها ليست طرفاً في اتفاقية شؤون اللاجئين لسنة 1951 ولا البروتوكول الملحق بها لسنة 1967، وأنها غير ملزمة بأي التزام ترتبه تلك الاتفاقية ، وبعد مرور أربع سنوات على إبرامها قالت منظمات الدراسات القانونية حول الهجرة، أطباء بلا حدود، إيميرجنسي، أوكسفام، و"ميديتيرانيا"، أن إيطاليا، أنفقت خلال تلك الفترة مبلغاً كبيرًا يقدر بـ785 مليون يورو لمنع تدفقات الهجرة من ليبيا، وتمويل المهمات البحرية الإيطالية الأوروبية ، وأشارت المنظمات إلى أن “جزءاً كبيراً من تلك الأموال (172 مليون دولار)، أنفق بشكل مباشر في ليبيا، دون جدوى، موضحة أن الأموال الإيطالية الأوروبية ساهمت بزيادة زعزعة استقرار ليبيا، ودفعت المتاجرين بالبشر إلى تحويل أعمالهم المتمثلة بتهريب البشر والاتجار بهم، إلى احتجازهم واستغلالهم،

واليوم لا يزال الوضع يشي باستمرار الظاهرة ، الأمر الذي يدفع بإيطاليا الى تبني الموقف الأوروبي في تحديد الأولويات على الساحة الليبية وأهمها إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وكذلك الدفع نحو حل الميلشيات وجمع السلاح ودعم توحيد مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية لقطع الطريق أمام مناورات الجماعات المسلحة وتجار البشر ممن يعملون في تهريب المهاجرين غير الشرعيين والدفع بهم الى قوارب الموت