تتجه أنظار الليبيين نحو مؤتمر برلين 2 المقرر عقده في الثالث والعشرين من يونيو الجاري، في ظل استمرار الخلافات الداخلية، ومحاولات عرقلة تنفيذ بنود خارطة الطريق التي أقرها ملتقى تونس للحوار السياسي في النصف الأول من نوفمبر الماضي تحت إشراف الأمم المتحدة ، وشرعنها مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2571 لعام 2021
وسيأتي مؤتمر برلين 2 قبل أسبوع من نهاية الأجل المطروح أمام مجلسي النواب والدولة لإيجاد القاعدة الدستورية التي سيتم اعتمادها في تنظيم انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، والتي تحظى بدعم إقليمي ودولي وبغطاء اممي، حيث تؤكد خارطة الطريق على أن يكون الأول من يوليو. منطلقا لبدء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في تنفيذ روزنامتها الانتخابية، وما عدا ذلك سيعتبر دافعا للتأجيل وتهميش الموعد المقرر
وتلقى رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، أول أمس الأربعاء، دعوة موجهة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وألمانيا، لحضور مؤتمر برلين حول ليبيا،
كما تلقى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ، دعوة مماثلة ، فيما أكدت الخارجية الألمانية أن كل الأطراف المشاركة في مؤتمر برلين 1 المنعقد في يناير 2020 مدعوون لحضور مؤتمر برلين 2.
وكانت ألمانيا قد أعلنت الثلاثاء الماضي تنظيم جولة ثانية من مؤتمر برلين حول ليبيا في الـ23 من يونيو الجاري ،وقالت الخارجية الألمانية، أن وزير الخارجية هايكو ماس، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعيا الدول والمنظمات المشاركة في عملية برلين، إلى مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا في يونيو.
وكان مؤتمر برلين الأول حول ليبيا، الذي انعقد بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد جمع الإمارات والجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا والكونغو وبريطانيا والولايات المتحدة، وممثلين عن الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام وممثله الخاص في ليبيا، والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية
وبحسب الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، فإن الأمين العام أنطونيو غوتيريش سيشارك في مؤتمر برلين 2 حول ليبيا عبر تقنية الفيديو، بينما سيتجه مبعوثه الخاص ورئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، يان كوبيتش، الى ألمانيا لحضور الإجتماع مباشرة
وأضاف دوجاريك خلال مؤتمر صحفي أن المؤتمر :“سيكون المؤتمر فرصة مهمة للجمع بين المجتمع الدولي لتقييم الوضع الحالي في ليبيا، وتقديم الدعم لليبيين فيما يتعلق بالإعداد لإجراء الانتخابات الوطنية المقرر عقدها في 24 ديسمبر”.
وكان التنسيق يشأن مؤتمر برلين 2 وجلسات مجلس الأمن القادمة حول ليبيا برئاسة فرنسا ،محور لقاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ، الثلاثاء الماضي ، في باريس مع وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بحضور وزير الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش ، وقبل ذلك في روما مع رئيس الوزراء الإيطالي روميو دراغي ووزير الخارجية لويجي دي مايو
وتسعى الولايات المتحدة ودول الإتحاد الإتحاد الأوروبي الى أن يكون مؤتمر برلين 2 مناسبة للحسم النهائي في ملف القوات الاجنبية والمرتزقة وإقرار موقف دولي موحد بإجلاء كافة المسلحين الأجانب من الأراضي الليبي ، بما في ذلك قوات تركيا ومرتزقتها السوريين
وأكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيتش، أمس الخميس ، أهمية سحب المرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية من البلاد، ودعم الاستحقاقات القادمة للوصول إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية نهاية العام الجاري.
وتسعى بعثة الأمم المتحدة الى أن ينعقد مؤتمر برلين 2 ، وقد انتهى ملتقى الحوار السياسي من التوافق النهائي على القاعدة الدستورية التي تعتمد في تتظيم الانتخابات ، في ظل خلافات حادة حول طبيعة هذه القاعدة ،
وأكد السفير البريطاني لدى ليبيا، نيكولاس هوبتون، أن الضمانات الكافية لإجراء الانتخابات في ليبيا المقررة في 24 ديسمبر المقبل، تكمن في إرادة الشعب الليبي، بالإضافة إلى المجتمع الدولي الذي يلعب دوره أيضًا، مرجحا أن تتجاوز العملية الموعد المحدد نهاية العام ، وأضافت في تصريحات صحفية أن بلاده كانت صاحبة دور رئيسي في صياغة قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2570 الذي يُمثل توقعاتهم الجماعية بأن انتخابات آمنة وشاملة وذات مصداقية ستجرى في 24 ديسمبر المقبل.
وفيما يخص التوافق الدولي حول أسبقية إجراء الانتخابات التشريعية أولا ثم الرئاسية، قال: “هذا يحدده الشعب الليبي، فرغم أن خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي، نصت على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ولكن للمفوضية العليا للانتخابات دورا أساسيا في تحديد التسلسل المنطقي لهذه الانتخابات من الناحية اللوجستية”.
وحول القاعدة الدستورية للانتخابات والتي لم يتم الاستقرار عليها حتى الآن، أوضح: “أعتقد أن المجتمع الدولي في نهاية المطاف سيلتف حول أي طريق يريد الشعب الليبي أن يسلكه، فنحن بالفعل شركاء داعمون لكن ليس علينا اتخاذ هذه القرارات”.
ويشير المراقبون الى أن مؤتمر برلين 2 سيكون حاسما في مسألتين مهمتين وهما إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة عن الأراضي الليبي وتحديد القاعدة الدستورية لتنظيم الانتخابات في موعدها
وأوضح وزير الصحة الليبي الأسبق ناجي بركات أن لغة المجتمع الدولي الآن تغيرت نحو وجوب إجراء هذا الاستحقاق في موعده ،مستشهدا بقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة والتي تضمنت فقرة “أن المعرقلين سوف يلاحقون”، واصفا ذلك بـالتفاعل الجيد جدًا في هذه المرحلة.
واعتبر بركات أن وصول الشعب الليبي لانتخابات برلمانية ورئاسية عبر الاقتراع المباشر، أمر مهم جدا؛ حيث الشعب حُرم لعقود من انتخاب رئيسه، على حد قوله، مضيفا: “وهذا حقه لأن انتخاب الرئيس من شعبه يعطيه هيبة وللدولة أيضًا” ، ومراهنًا على أن المبعوث الأممي يان كوبيش في مؤتمر برلين 2 المزمع عقده أواخر الشهر الجاري، سيعلن عن أن القاعدة الدستورية جاهزة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر المقبل.
يأتي ذلك ، فيما تتواصل التحركات الإقليمية والدولية لتجاوز كل العراقيل التي قد تواجه مخطط السلام وخارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي بغطاء أممي ،حيث طالبت الرئاسة المشتركة للجنة المتابعة الدولية حول ليبيا الأطراف المحلية والدولية باتخاذ خطوات عملية للتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في البلاد.
وشدد المشاركون في الاجتماع الذي انعقد ،أول أمس الأربعاء ، على البدء في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، من خلال سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب من ليبيا من دون تأخير، وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570 ، وأكدوا في بيان «إن هذا الأمر يأتي لإثبات الالتزام بحظر التسليح، وغير ذلك من الإجراءات ذات الصلة، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2571 لعام 2021 » داعين جميع الأطراف المحلية إلى الامتناع عن أية أعمال من شأنها عرقلة عمل حكومة الوحدة الوطنية في جميع أنحاء البلاد وتعطيل العملية السياسية.
وأضاف البيان: «إن المجلس والحكومة مكلفان بقيادة البلاد حتى موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الوطنية في الـ24 من ديسمبر المقبل، وفقًا لخارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي على النحو الذي دعا إليه القرار 2570 لعام 2021. داعيًا مجلس النواب لإيضاح القاعدة الدستورية للانتخابات وسن التشريع اللازم» كما أهاب بمجلس النواب اعتماد الميزانية الموحدة وتوحيد مؤسسات الدولة وقيامها بعملها على الوجه الأمثل بما في ذلك الجيش والمؤسسات الأمنية والاقتصادية والتعليمية. فيما رحب المبعوث الأممي يان كوبيتش والرئيس المشارك السفير سيمون جيسبولر أشد الترحيب بالمشاركين في الاجتماع.
وذكر الاجتماع الذي انعقد بمشاركة وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، بالتزام السلطة التنفيذية المؤقتة بتعيين 30 بالمائة على الأقل من النساء في مناصب عليا وحثوا على تنفيذ ذلك.
بينما شدد وزير الخارجية السويسري إغناسيو كاسيس على أهمية الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في ليبيا في الـ24 من ديسمبر المقبل ، معتبرا «إن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ديسمبر من هذا العام ستكون الخطوة الحاسمة التالية؛ لأن الحكومة المنتخبة ديموقراطيًا من قبل الشعب الليبي هي الوحيدة القادرة على التمكن من إجراء إصلاحات حقيقية وإعادة توحيد المؤسسات بشكل مستدام»
وتراهن بعثة الأمم المتحدة على أن يحسم ملتقى الحوار الليبي خلال الأسبوعين القادمين في ملف القاعدة الدستورية ، وأعرب رئيسها يان موبيتش عن أمله في أن يتم ذلك قبل العشرين من يونيو
وفي رسالة وجهها الى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة الإستشاري خالد المشري ، قال كوبيتش إن أغلبية المشاركين في الاجتماع الافتراضي لملتقى الحوار السياسي الليبي الذي عقد يومي 26 و27 مايو الماضي ، حثوا على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر، استجابة لتطلعات الأغلبية الساحقة من الليبيين بإعطاء الشعب الفرصة للتعبير عن إرادته الديمقراطية وتجديد شرعية المؤسسات الوطنية من خلال الاقتراع.
وأضاف كوبيتش، إن المداولات بشأن مسودة القاعدة الدستورية، تمحورت حول ثلاث مجالات عامة وهي “إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر 2021، والحاجة إلى وضع مقاربة شاملة لإطار دستوري دائم، بما في ذلك كشرط مسبق لأية انتخابات رئاسية مباشرة، ومعايير الترشح المقبولة خاصة لمنصب رئيس الدولة” ، مشيرا الى أن تنظيم الانتخابات الرئاسية المباشرة على أساس القاعدة الدستورية، حظي بدعم العديد من الأعضاء ولكن بشروط معينة؛ حيث دعا البعض إلى تنظيم الانتخابات التشريعية أولاً بناءً على القاعدة الدستورية، يليها استكمال عملية وضع الدستور، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، فيما أصر آخرون على ضرورة إجراء انتخابات مباشرة على أساس دستور دائم ، فيما أكد أن البعض الآخر، أن الانتخابات الرئاسية المباشرة هذا العام سيشوبها استقطاب عال،
ووفق رسالة المبعوث الأممي “أكد البعض أن مسودة الدستور لعام 2017، تحتاج إلى معالجة من قبل البرلمان الذي سيتم انتخابه، وأن إجراء استفتاء على مسودة الدستور أولا سيلقي بظلال من الشك على إمكانية إجراء انتخابات في أي وقت قريب” كما أن البعض حث على إجراء استفتاء على مسودة الدستور أولا، وأن يتم اعتمادها على أساس مؤقت، لولاية تشريعية واحدة، كقاعدة للانتخابات المقبلة.
وفيما يخص معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، “تكررت إثارة ثلاث نقاط على وجه الخصوص، وهي أهلية العسكريين للترشح للانتخابات وأهلية حاملي الجنسية المزدوجة للترشح للانتخابات والشمولية للجميع وتمتع الجميع وبشكل كامل بالحقوق المدنية والسياسية”، وفق رسالة كوبيتش
وبشأن الجداول الزمنية والمؤسسات، فقد اقترح بعض الأعضاء أن فترة الأربع سنوات للبرلمان القادم هي فترة مؤقتة طويلة جدًا، و؛ وأن بناء الثقة يقتضي إنشاء غرفة ثانية للبرلمان؛ وأن صلاحيات السلطة التنفيذية، وخاصة الرئيس، تستحق دراسة أكثر دقة بناء على ما إذا كان سيتم انتخابها عن طريق الاقتراع المباشر أو غير المباشر، بما في ذلك الصلاحية الرئاسية المحتملة لحل البرلمان.
وفيما يتعلق بتمثيل المكونات الثقافية في السلطة التشريعية، فإنه على الرغم من أن مبدأ التمثيل العادل للمكونات الثقافية قد حظي بالقبول بالإجماع، إلا أن الصيغة واللغة الدقيقتين لم يتفق عليهما بعد، وقد تم التوصل إلى بوادر حل وسط بشأن اليمين.
وحول تهيئة الظروف المواتية لإجراء انتخابات شاملة وآمنة وحرة ونزيهة وذات مصداقية، فقد أبرزت المداولات، الجوانب الأمنية، بما في ذلك وجود المرتزقة والقوات الأجنبية وكذلك المجموعات المسلحة ، و توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية وضمان سلامة المترشحين والناخبين في جميع أنحاء ليبيا، والسعي إلى التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب والأطراف السياسية لقبول نتيجة الانتخابات قبل دخول السباق الانتخابي، إضافة إلى ضرورة وجود مراقبين دوليين للانتخابات لتعزيز الشفافية، فضلاً عن الحاجة إلى عمليات مصالحة وطنية ملموسة وفورية تحضيرًا للانتخابات، ومرافقة تنظيمها، وضمان قبول نتائجها، بالإضافة إلى الحاجة إلى تدابير لبناء الثقة بين المؤسسات والجماعات الليبية.
وأردف المبعوث الأممي في ختام رسالته ، أن أعضاء ملتقى الحوار السياسي، أعربوا عن أملهم في أن ترقى المؤسسات والسلطات في ليبيا إلى مستوى مسؤوليتها الدستورية والتاريخية، كما وافقوا على الاجتماع مرة أخرى في غضون الأسابيع القليلة المقبلة للتداول بشأن التقدم المحرز واتخاذ الإجراءات اللازمة لتيسير إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر تمشيا مع ولاية ملتقى الحوار السياسي وخارطة الطريق وقرار مجلس الأمن 2570 لسنة 2021
ويرى مهتمون بالشأن الليبي أن المجتمع الليبي سيكشر عن أنيابه ضد معرقلي الحل السياسي خلال مؤتمر برلين 2 ، بعد أن تبين له أن هناك أطرافا تحاول الدفع بعصي الى دواليب الحل الاممي . وأن هناك من يسعى الى العبث بموعد الانتخابات وبقرار إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وببنود الإتفاق العسكري المبرم في أكتوبر الماضي ، وهو ما قد يطيح بخارطة الطريق والزج بالبلاد من جديد في أتون المواجهات العسكرية والفوضى الأمنية
ويشير المحللون الى أن المجتمع الدولي قد يتجه الى فرض عقوبات فعلية على المعرقلين وفق ما نص عليه مجلس الأمن الدولي رقم 2571 لعام 2021 ، والذي صدر في منتصف أبريل الماضي تحت البند السابع الذي لا تزال ليبيا تخضع له منذ العام 2011