هزت حادثة إعتداء نائب بالبرلمان التونسي على زميلته خلال أشغال جلسة عامة، الرأي العام التونسي والعربي وأثارت تساؤلات كثيرة حول مآلات المشهد البرلماني بالبلاد التونسية خاصة أن الحادثة ليست الأولى من نوعها بل هي تواصل لوتيرة عنف لفظي ومادي وتشنج وتبادل اتهامات تحت قبة السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب لخدمة مصالحه وإنقاذه من براثن الأزمات الخانقة التي يعيشها" لكن هيهات".
تمثلت حادثة العنف التي جدّت تحت قبة البرلمان التونسي اليوم وفقالفيديو الذي تناقلته وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي توجّه النائب الصحبي سمارة نحو المكان المخصص لكتلة الدستوري الحر وقيامه بلكم وركل النائبة عبير موسي التي كانت ترتدي واقيا صدريا وخوذة منذ وقت طويل "خوفا من العنف داخل البرلمان"منذ فترة طويلة وقام عدد من النواب وأعوان المجلس بتهدئة الوضع الذي كان يتجه نحو الأسوأ.
ويشهد البرلمان التونسي منذ أشهر حالة توتر كبيرة وفوضى بين كتلة عبير موسي وكتلة النهضة وعدد من الموالين لها مما تسبب في تعطل العديد من جلساته، وما خلف غضبا كبيرا في الشارع التونسي، الذي اعتبر أن البرلمان يلعب الدور الرئيسي في الآزمات التي تعيشها البلاد.
"صورة بشعة" للجدالات العنيفة تحت قبة البرلمان، سلطة التشريع العليا في البلاد التونسية، والتي بلغت حد الإعتداء المادي. فهذه الصورة متكررة وليست "بالجديدة" فقبل فترة وجيزة قام النائب عن إئتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بالإعتداء على النائبة ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في مشهد هز هو الآخر وسائل التواصل الاجتماعي والشارع التونسي وحتى العربي والعالمي حيث انتشر فيديو الإعتداء في جل وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية.
ويتمثل الفيديو في قيام النّائب عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بالاعتداء على زميلته بالمجلس عبير موسي، و قام بافتكاك الهاتف الجوّال الخاصبها بالقوّة ومنعها من التصويركما توجّه مخلوف بعبارات نابية وألفاظ سيئة "بش نربيك بش معاش تصور" و "المرة الجاية نكسرو تالفونك" "يا سافهة، يا مسخة، يا مجرمة، يا حقيرة..."، في أسوأ صورة قدمها نائب الشعب في البرلمان عن تونس "بلد الديموقراطية والحريات". وتجددت الاعتداءات اللفظية والمعنوية من النائب عن إئتلاف الكرامة في محطات عدة وثقتها العديد من الفيديوهات المتداولة.
و منتصف الشهر الحالي تعرضت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي ووزير الشؤون الاجتماعية إلى الإعتداء من قبل نواب كتلة الدستوري الحر، ما دفع رئاسة الحكومة التونسية إلى التوجّه إلى القضاء ورفع قضية ضدّ النّائب عبير موسي وبقية نواب الحزب و أكدت رئاسة الحكومة على "رفضها لهذه الممارسات المخلّة بالنّظام الديمقراطي والتي تمس من الدولة ومن آليات عمل مؤسّساتها، وتعطّل السّير العادي للمرفق العمومي".
عيّنات صغيرة من مشاهد العنف والتشويش والإختلالات التي تسود البرلمان التونسي الذي عانى كثيرا من تعطيل جلساته ورفعها وتأجيلها أحيانا في مشاهد"تتعدى على ديموقراطية رسمها الشعب التونسي بعد سنين طويلة من الديكتاتورية" ليجد نفسه في "جب" الفوضى والعنف في أعلى سلطة اختارها "بديمقراطية الإنتخابات".
تنديد واسع "لا للعنف..لا للإرهاب"
يمثل العنف اللفظي والمادي نواة أولى لمظاهر التطرف ورسالة واضحة لا تخفى على المواطن البسيط كما المثقف تداعياته على المشهد العام التونسي وهو ما لمسه الشعب التونسي جليا فيما سببته الأزمة السياسية بالبلاد من تدهور وتداعي لكل القطاعات والمجالات في فترة صحية حرجة تحتاج لتكاتف الجهود واحترام حق المواطن" المسحوق" في مشهد سياسي وبرلماني سليم، يخفف معاناته.
في بيان تنديدي للمكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل تحت عنوان"لا للعنف..لا للإرهاب" أدان الإتحاد العام التونسي للشغل اعتداء النائب الصحبي سمارة على النائبة عبير موسي تحت قبة البرلمان التونسي.
وعبّر الاتحاد العام التونسي للشغل تضامنه مع رئيسة كتلة الدستوري الحرّ واعتبر تعنيفها هو عنف موجّه ضدّ المرأة. وقال الإتحاد أنه "يدين بشدة هذا الاعتداء الجبان ويندّد بكتلة الإرهاب التي تعوّدت على ممارسة العنف ضدّ كلّ من يخالفها الرأي ويحمّل رئاسة مجلس نواب الشعب المسؤولية في تكرار هذه الممارسات المسيئة للعمل السياسي ولسمعة البلاد".
واعتبر هذا الاعتداء جريمة تستوجب التتبّع القضائيّ ويطالب النيابة العمومية بالتعهّد التلقائي والصرامة في تطبيق القانون وعدم الإفلات من العقاب ، مطالبا بوقف المهازل التي تجري تحت قبّة البرلمان باعتبارها مثالا سيّئا يحرّض على تفشّي العنف في البلاد.
من جانبها عبّرت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن، عن استنكارها الشديد للعنف الحاصل داخل قبّة مجلس نواب الشعب مهيبة بممثلي الشعب إلى النأي عن مثل هذه الممارسات التي ما فتئت تتفاقم يوما بعد يوم.
وقالت الوزارة، إنها تستنكر ''ما اقترفه النائب الصحبي سمارة من عنف سافر تجاه زميلته النائبة عبير موسي وذلك تحت قبة مجلس نواب الشعب وأمام أنظار وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن ومرافقيها أثناء جلسة التصويت على قانون العمل المنزلي فصلا فصلا".
كما أعربت الوزارة عن الأمل في أن يتخذ مكتب مجلس نواب الشعب الإجراءات والتدابير الضرورية لتأمين سلامة سير الجلسات العامة ومنع كل السلوكيات العنيفة التي لا تحترم الكرامة الإنسانية والتي تستهدف خاصة إهانة المرأة والحط من قدرها.
من جهة أخرى خاطب النائب بالبرلمان التونسي ياسين عياري في تدوينة على صفحته الرسمية زملاءه بالبرلمان قائلا بالدارجة التونسية" ''أتضامن فقط مع هذا الشعب الطيب، الي وصّلكم نواب، باش ترعاوه و تشوفوا مشاكله، اليوم الكورونا تقتل فيه و إنتوما مرة معتدين على وزيرة، مرة على بعضكم، مرة على الجميع في شو(استعراض) مقرف سخيف ووضيع و لاقين شكون يصفقلكم''.
وتابع: ''أدين إذا العنف إدانة صريحة واضحة دون تبرير مهما كان مأتاه ومهما كان ضحيته''.
و وتعليقا عمّا اقترفه "النائب الإخواني" في حق زميلته، قالت أستاذة القانون إكرام الدريدي في تصريح خاص لبوابة إفريقيا الإخبارية اليوم الأربعاء، أن "الإخوان المسلمون في تونس مرض عضال لم ولن يندمجوا في المجتمع والدولة ولن يتغيروا هم فقط يريدون السيطرة والتمكن و تسخير وسائل الدولة للمصالح الضيقة والخلود على سدة الحكم."
وأضافت أستاذة القانون أن " الخناق ضاق عليهم إقليميا ودوليا فصاروا يبحثون عن ضمانات للمستقبل من خلال اتفاقيات مشبوهة"، حسب تعبيرها.
و أكدت إكرام الدريدي أن "العنف ضد المرأة من ادبياتهم والنهب (الاحتطاب) من ادبياتهم والكذب من ادبياتهم!" مضيفة أن ما حصل هو "محاولة لتحويل وجهة الرأي العام عن هذا الموضوع وعن الندوة الصحفية التي اماطت اللثام عن القضاء المتواطىء مع الإرهاب فيلجؤون مرة أخرى إلى وضاعتهم التاريخية!، حسب تصريحها.
بينما دعت الرئيسة السابقة لجمعية القضاة، كلثوم كنو، إلى إيقاف النائب المستقل في البرلمان الصحبي صمارة، بعد اعتدائه بالعنف المادي خلال الجلسة العامة،على رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي والنائب بالحزب وسام الشعري.
وقالت كنو، في تدوينة على حسابها الرسمي بموقع فيسبوك إن صمارة يمكن أن يكون مكلفا "بالإعتداء على موسي لتحويل وجهة اهتمام الإعلام بما جاء في الندوة الصحفية التي عقدتها هيئة الدفاع عن ملفي الشهيدين بلعيد والبراهمي والتي وجه فيها أصابع الاتهام الى أشخاص من حركة النهضة".
يذكر أن هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجهت اليوم خلال ندوة صحفية اتهامها لرئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، بمنح الغطاء السياسي للإرهابيين في تونس.
أما رئاسة الحكومة التونسية فقد أصدرت بلاغ أدانت فيه هذا السلوك الذي يعتبر تعديا على المرأة وعلى مكتسباتها التي تحققت بفضل نضالات نساء تونس. مؤكدة رفضها المطلق لكل الممارسات المخلّة بالنّظام الديمقراطي والتي تمس من استقرار الدولة ومن السير العادي لعمل مؤسّساتها، أيّا كان مأتاها.
وقالت رئاسة الحكومة التونسية في بلاغها أنها كانت قد أدانت الإعتداء الذي لحق وزيرة التعليم العالي، و تدين اليوم الإعتداء الذي تعرضت له وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن، وتؤكد بأن العنف اللفظي والمادي مرفوض مهما كانت أسبابه و مهما كان مصدره.
ودعت الحكومة التونسية إلى الإبتعاد عن مثل هذه الممارسات التي ما فتئت تتفاقم يوما بعد يوم وإلى ضرورة الاحتكام إلى الرصانة والتعقّل في التفاعل مع اختلاف الرؤى ووجهات النظر.
وقد تتالت بيانات التنديد من منظمات وأحزاب عدة إضافة إلى شخصيات وطنية وناشطون مدنيون وحتى أطباء خاصة أن الوضع الراهن يوجه بوصلة الدولة بكل هياكلها إلى "كارثة" صحية تهدّد البلاد.
هذه الممارسات التي ما فتئت تتكرر تحت قبة البرلمان التونسي زعزعت صورة وأهمية هذه السلطة التشريعية وباتت ترسم صورة"سيئة" عن بلد الديمقراطية واحترام الحريات واحترام المرأة وحمايتها من العنف وتكريس"مبدأ الديموقراطية والحوار والتشارك" كقيمة ثابتة أرستها "ثورة الياسمين".