غادر البروفيسور الحاج ملياني هذا العالم يوم الجمعة عن عمر ناهز السبعين عامًا بعدعمر حافل بالعطاءوالبحث في حقل المعرفة في المجالات الأدبية والموسيقية والسينماتوغرافية التي كان مولعًا بها بشكل خاص.
حصل على إجازة في الأدب (1978) وشهادة الماجستير في الأدب المغاربي (1989) من جامعة وهران. ولد وتوفي في وهران التي نشأ ودرس فيها منذ ميلاده بها في 21 مارس 1951.
على مدىنصف قرن، كرس الأكاديمي والباحث الجزائري حاج ملياني حياتهللبحث العلمي في التراث اللامادي. كان له حضور بارز في مختلف الأنشطة والاهتمامات الثقافية منذ السبعينيات.بالتوازي مع واجباته المهنية في رحاب الجامعة، لم يتوقف الحاج ملياني عن اشتغاله في الفنون والثقافة والمشاركة في جميع المبادرات التي كانت ترمي إلى الترويج الثقافي في وهران، ولاسيما الموسيقى ذات الصلة بالثقافة الشعبية وبالوسط الجماهيري.
وُلد حاج ملياني عام 1951 في حي سيدي الهواري بمدينة وهران. وتفيد المعطيات البيوغرافية أنه بدأ مشواره الدراسي بوهران؛ حيث التحق بعد دراسته في "ثانوية بن باديس" بـ"مدرسة تكوين الأساتذة" بين عامي 1972 و1976. وخلال ذلك عمل في مسرح وهران الجهوي بين سنتي 1973 و1975، وتولّى الأمانة العامّة لـ"اتحاد فرق مسرح وهران" بين 1972 و1975، كما أسّس ونشّط نادياً سينمائياً في المدينة باسم "سيني بوب" بين 1972 و1986، وعمل محرّراً في مجلّة "الصوت المتعدّد" بين 1980 و1986، وكان عضواً في "فرقة البحث حول المرأة الجزائرية"، وباحثاً مشاركاً في الكراسك "مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية".
عمل أستاذاً مساعداً في قسم اللغة الفرنسية بجامعة وهران بين 1982 و1992، ومسؤولاً لنشريةٍ بعنوان "التراث" عام 1992، ثمّ أستاذاً في جامعة مستغانم حتى رحيله. وفي العام 1997، حاز درجة الدكتوراه في الأدب العربي من "جامعة السوربون" بباريس.
ترك الحاج ملياني عدداً من المؤلفات باللسان الفرنسي، من ضمنها: "أدب مع وقف التنفيذ؟ الأدب المكتوب بالفرنسية في الجزائر" (2002)، "ألحان البور: مائة عام من أغاني المهاجرين المغاربيين في فرنسا" (2003)، "شركاء في الحالة الشعورية: دراسات عن موسيقى وأغاني الجزائر الأمس واليوم" (2005)، و"من المدّاحين إلى الهوم سينما: دراسات سوسيو- أنثروبولوجي ثقافية" (2010)، ومن كتبه المشتركة: "مغامرة الراي: موسيقى ومجتمع" (1996)، و"الجزائر – بيروت: عاصمتا الألم" (2010).
هذا الرجل الأسمر ذو القامة القصيرة، معروف بمرحه وبشاشة وجهه. تعرفت عليه منذ أكثر من عامين، وكنا نلتقي بشكل شبه منتظم في حي ميرامار مساء كل جمعة في خضم الحراك الشعبي، نأخذ قهوة رفقة الأصدقاء ونتبادل أطراف الحديث حول مستجدات الحراك أو حول مواضيع ثقافية. كان آخر لقائي به منذ شهربحي ميرامار بوهران، في نشاط ثقافي حول رواية صديقنا خالد بوداوي، كان متحمسا وهو يعرض عليّ مشروعا ثقافيا له صلة بعالم النشر وإصدار الكتاب تحت إشراف فريق عمل يتسم بالجدية والكفاءة.
عندما قرأت خبر وفاته عبر الشبكات الاجتماعية، شعرت أنني خسرت علاقة رائعة كانت قيد التشكل، واكتشفت ككل مرة أفقد فيها مثقفا من طراز الحاج ملياني ومسعود بابادجي ونورين جلواط، أكتشف أن النقاش الذي بدأناه لم يأخذ حقه من الوقت، وأن الوقت لم يكن سخيا بما فيه الكفاية، وأن علاقاتنا في الوسط الثقافي الوهراني يكبح ديناميتها كسل بنيوي أو تسويف يثق في الوقت ثقة عمياء، ولكن الوقت لا يمكن توقيفه ولا يمكن حتى تخزينه.