مازال حلم السفر للخارج سواء للعمل أو الدراسة هو البوابة الذهبية في عقول الشباب المغربي، لتحقيق طموحاتهم الكبرى اعتقاداً منهم بأنّ السفر يفتح أبواب النعيم لمن يسافر إلى الخارج، وفي سبيل تحقيق هذا الحلم الذهبي لا يتورع بعضهم عن ارتكاب أي أخطاء أو تجاوزات للقوانين واختراقات للحدود الدولية والمحاذير والممنوعات القانونية والسياسية، فيفاجأ الشاب بأنّ حلم عمره في تحقيق الذات بالسفر إلى الخارج قد تحوّل إلى كابوس فظيع، قد ينتهي بالسجن أو الاعتقال أو في أحسن الأحوال يضيع مستقبله ويهدّد بالطرد من عمله الأصلي أو دراسته الجامعية. وإذا كانت مشاكل السفر غير الشرعي للدول الأجنبية تختفي وتعود كل فترة مثلما يحدث في مشاكل السفر غير الشرعي لإيطاليا أو إسبانيا...، إلاّ أنّ الرغبة الجامحة عند الشباب المغربي لركوب المغامرة والسفر مهما كلّف الثمن، يطرح سؤالاً مثيراً حول معنى السفر إلى أوروبا وللدول الأجنبية عموماً في أذهان الشباب المغربي وإلى مدى يمكن أن يرتكب الشباب أخطاء تعرضهم إلى مشاكل قانونية دولية خطيرة لتحقيق هذا الحلم وما رأي الخبراء والمحللين في هذه الظاهرة وما تعكسه من تغيرات مذهلة في شرائح الشباب حالياً؟
أعشق المغامرة:
يقول '' خ.ك ''(22 سنة)، لقد أنهيت دراستي وفي ذهني حلم السفر يراودني باستمرار وكان هذا الحلم حافزاً لي لكي لا أعثر في الدراسة وأنتهى منها بسرعة ولا حديث بيني وبين أصدقائي إلا عن هذا الحلم لأنّني أدرك جيداً منذ كنت طالباً، أنّني سأتخرّج ولن أجد فرصة عمل وسأنضم إلى أزمة البطالة في البلد لذلك كانت عيني باستمرار على السفر ليفتح لي أبواب العمل والثراء بالإضافة إلى أنّني سأرى الدنيا وأعيش الحياة التي أراها على شاشة التلفزيون على الطبيعة... وبالنسبة للمشاكل أو الأزمات التي يمكن أن تواجهني فلا يهمني فالعسل لابد له من لسع النحل كما أنّني اعتبرها نوعاً من المغامرة اللذيذة.
الفلوس... واللغة:
يقول ''ع.س'' (طالب ماجستير) لا أعتقد أنّ أحداً يمكن أن تأتيه فرصة السفر ولا ينتهزها، وليكن ما يكون طالما أنّه يمتلك المال الذي يساعده على الإقامة والبحث عن عمل في الفترة الأولى، واللغة التي تساعده على التواصل مع أهل البلد الذي يسافر إليه، لأنّ الدنيا هنا مختنقة والزحام يجعلنا جميعاً نتخبط ونعثر في تحقيق الذات مهما بذلنا من جهد، كما أنّ العائد المادي قليل جدّاً سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، فأعتقد أنّ السفر وسيلة إنقاذ للشباب من الواقع المر الذي يعانيه بخاصة لو كان مثل حالتنا لا يستند إلا على ذراعه ولا يعتمد إلاّ على نفسه.
بريق أوروبا:
أمّا ''ط.ق'' (38 سنة) فيقول رغم سني الكبيرة إلاّ أنّني مازلت أعاني سوء الظروف الاقتصادية، وعدم إيجاد فرصة العمل التي تحقق طموحي وتتناسب مع قدراتي وإمكاناتي المهنية، ممّا يجعلني أضطر إلى العمل في وظائف لا تناسبني، ولكن للأسف المرتب ضعيف جدّاً، لأنّ أصحاب الأعمال والمقاولات في المغرب أصبحوا يدركون جيّداً حجم العرض الكبير من طالبي العمل، وبالتالي يضمنون أن يجدوا موظفين في أي وقت وبأي أجر، ولذلك أعتقد أنّ فرصة السفر للخارج مهما كانت محفوفة بالمخاطر ستكون أفضل، لأنّ التعب واحد ولكن العائد أفضل، وإن كنت في قرارة نفسي أكره الغربة ولا أستطيع أن أبتعد عن أهلي وأصدقائي، ولكني أعترف أنّ الفرصة لو جاءت للسفر إلى أوروبا سأعيد التفكير كثيراً مرات ومرات قبل أن أرفض، لأنّ أوروبا لها بريق خاص لا يمكن مقاومته ويكفي أنّ كل من يذهب إليها يعود غنياً أو مشهوراً، وأمامنا المصري ''أحمد زوبل'' صاحب نوبل الذي ما كان يمكن أن يحصل ويحقق ما حققه من إنجازات لو لم يسافر إلى أمريكا.
أحلام ... وأوهام:
ويقول ''ح. ط'' (إجازة حقوق)، لم يعد للحلم مكان في ظل الحياة الصعبة التي نعانيها كشباب... كل ما يهمّه أن يدبر نفقاته يوما بيوم ولا يوجد لديه أي طموح للغد، فأنّا أحسد الناس التي مازالت لديها الحلم أو الطموح الذي تسعى إليه سواء بالسفر أو بالهجرة، وليت عندي هذه الفرصة أو أستطيع أن أهاجر إلى أوروبا أو أستراليا أو أي مكان في الخارج، لأنّ مستوى المعيشة هناك مرتفع ويشعر الإنسان بآدميته، ونحن نرى في الأفلام أنّ المتسول شكله ''رجل غني'' والعاطل يحصل على إعانة بطالة تكفيه ذلّ السؤال وهي مسائل تحترم آدمية البشر... ولكني في الوقت نفسه أخشى أن يتحوّل الحلم إلى أوهام إذا ما تعرضت لمشكلة أمنية بخاصة بالإرهاب وخلافه في ظل اضطهادهم للعرب والمسلمين في الخارج، فأنا أرى أنّ من يريد السفر فليسافر بشرط أن يكون تخصصه مطلوباً يضمن له إيجاد عمل بسرعة لأنّه طبعاً لن يتسول أو يحصل على الإعانة التي يأخذها ابن البلد الأصلي.
ماذا جرى للشباب المغربي...؟
وللأسف صدقنا إجابات الشباب التي تعكس حالة عامة يعيشها الشباب المغربي، في التقليد الأعمى للغرب وانتهاز أي فرصة للهرب بلا عودة والاستقرار في الخارج، فماذا جرى للشباب وهل هو مؤشر خطير على ضعف الولاء للوطن وتراجع الشعور بالانتماء؟
الشباب ''جيدون ولكن الظروف صعبة ''هكذا بادرتنا الدكتورة ''س. ش'' أستاذة علم الاجتماع، وتقول: إنّنا لا يجب أن نندفع في توجيه اللوم أو الاتهام للشباب لأنّ كل جيل وله حلمه، وحلم السفر للخارج كان باستمرار من سنوات طويلة هو الحلم الغالي لتحقيق الطموحات، ولدينا عشرات النماذج والأسماء التي حققت ذاتها ونجحت في الخارج ومن حق الشباب الآن أن يعتبروا هذه الأسماء قدوة لهم ومن حقهم أن يجربوا وأن يبحثوا عن ذاتهم في أي مكان بخاصة مع الظروف الأكثر تعقيداً الآن عن العصر السابق.
وتضيف أنّه يجب أن نعترف بالحراك الاجتماعي والسياسي وتأثير العولمة على الشباب المغربي، في جعلهم ينظرون إلى السفر وكأنّه شيء عادي وكأنّه يسافر في داخل البلد بخاصة وأنّ شبابنا الآن يجيد اللغات الأجنبية، كما يتحدث لغة العصر وهي الكمبيوتر ذلك الجهاز السحري الذي أسقط كل الحدود والفواصل المكانية والزمانية، وكلها عوامل مشجعة للشباب للإطلاع على عوالم أخرى يسمع عنها أو يتابعها بالإنترنت، كما أنّ فكرة السياحة لم تكن موجودة في الماضي بنفس الصورة التي هي عليها الآن.. وبالتالي أصبحت فكرة السفر والهجرة أكثر قرباً للشباب وتفكيرهم ولا يجدون فيها غرابة أو غضاضة ـ على عكس الأهل ـ كما يجب أن نعترف أيضاً أنّ حالات السفر والهجرة بأساليب شرعية للغرب ولأمريكا بالذات أتت ثمارها لكثير من المغامرين الذين حققوا نجاحات كبيرة وبدأوا بغسيل الصحون ثم أصبحوا ملاكاً للمحلات والمتاجر وخلافها، كما حصل بعضهم على الجنسية وكلها أمور لها بريق يضعف أمامه هؤلاء الشباب خاصة لو لم يكن قادراً على أخد فرصته المناسبة في الداخل. ولكني أعتب على شبابنا اليوم أو أحذرهم من أن المسألة لم تعد سهلة كالماضي والهجرة غير الشرعية أو السفر والتحايل على القانون، لم تعد مجرد مخالفة لقوانين الهجرة فقط وإنّما أصبحت جناية يمكن أن تصل إلى تهمة خطيرة بسبب تسمم المناخ الدولي الآن بما يزعمون من الإرهاب الإسلامي وإلصاق تهمة الإرهاب بكل عربي ومسلم وتفسير أي خطأ بسيط على أنّه محاولة إرهابية. اليوم وبعد التغيرات التي شهدتها دول أوروبا، فقد اختلفت الصورة ولم تعد وردية كما كانت، وهو ما يجب أن ننبه إليه هؤلاء الشباب حتى لا يقعوا في المحظور، كما أنّهم يجب أن يعرفوا أنّ أوروبا ومثيلاتها لم تعد متاحة لأي شخص يسافر إليها، بل لابد أن يكون فذاً في مجال معين، بحيث يضمن أن يتميز ويتفوق، فهذا العالم لا يعطي النجاح للعاديين، أو لمن لا يستحق وليكن أمامنا دائماً نموذج العالم المصري الكبير الدكتور ''أحمد زويل'' الذي فرض نفسه هناك بعلمه واجتهاده وتفوقه، ولو كان شخصاً عادياً مثل غيره من الملايين الحالمة بالسفر فالأمر كان سيختلف كثيراً.