بالرغم من الهدوء النسبي الذي شهدتها ليبيا خلال الأشهر التي أعقبت وقف المعارك بين الأطراف المتصارعة وانتخاب حكومة وحدة وطنية لإدارة الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة في 24 كانون الأول/ديسمبر،الا أن الأيام مازالت تحمل الكثير من التطورات والأحداث التي ترسم ضبابية متواصلة على المشهد الليبي المتأزم منذ سنوات طويلة.
في خطوة جديدة،أعلن مجلس النواب الليبي،سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية بأغلبية الأعضاء.وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس، في منشور على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، إنه تم "سحب الثقة من الحكومة بأغلبية 89 نائبًا من أصل 113 نائبا حاضرين ".وأوضح بليحق، في تصريح لاحق أن سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية لن يؤثر على إجراء الانتخابات المقبلة، وأنّ الحكومة الحالية ستستمر في تسيير الأعمال.
وعقد البرلمان الليبي،الاثنين الماضي، جلسة في أعقاب فشل سحب الثقة الذي تقدم به قرابة 45 نائبًا من أعضاء البرلمان.وأعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، إن المجلس قرر تشكيل لجنة للتحقيق مع الحكومة في الاتفاقيات والتكليفات والقرارات التي اتخذتها الحكومة في عدد من الملفات، على أن تُنجز أعمالها في غضون أسبوعين من تاريخه.
واستجوب مجلس النواب، في جلسة سابقة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة خلال جلسة مخصصة لمساءلة حكومته.ووجه عدة نواب انتقادات لحكومة الدبيبة بسبب أدائها واتهامات بإهدار المال العام، وأكد بعض النواب في جلسة المساءلة التي جرت الأسبوع الماضي، أنها أنفقت من بداية يناير/كانون الثاني الماضي وإلى غاية نهاية أغسطس / آب 2021 أكثر من 46 مليارا و582 مليون دينار.
وسارع المجلس الأعلى للدولة في ليبيا،لاعلان رفضه إجراءات سحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة، معتبرا أنّ الإجراءات باطلة ومخالفة للإعلان الدستوري.وقال المتحدث باسم المجلس إنه يرفض هذه الخطوة ويعتبرها باطلة لمخالفتها الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ويعتبر تبعا لذلك أنّ كل ما يترتب عنها باطلا.
من جهته،اعتبر عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ضو المنصوري أن سحب الثقة من الحكومة بمثابة رقصة المذبوح.وقال المنصوري في تدوينة له بموقع "فيسبوك" إن "سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية خطوة تهدف إلى عرقلة انتخابات نهاية ديسمبر لتضاف إلى عدم إقرار الموازنة المالية.
لكن المتحدث باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق،أكد أن "سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لن يؤثر على إجراء الانتخابات المقبلة"، المقرر عقدها في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.مشيرا في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية إلى "دعم المفوضية العامة للانتخابات بالأموال اللازمة لإجراء الانتخابات في موعدها وأن سحب الثقة لن يؤثر على عمل المفوضية".
وتصاعدت الخلافات السياسية خلال الفترة الماضية بين الأطراف الليبية حيث اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، في 27 أغسطس/آب الماضي، مجلس النواب الليبي بعرقلة عمل الحكومة بشكل مستمر ومتعمد.وفي كلمة وجهها للشعب الليبي بعد رفضه حضور جلسة مساءلة أمام البرلمان، قال الدبيبة إن "البرلمان عرقل عمل الحكومة لأسباب واهية وغير صحيحة".
وأكد الدبيبة أن الحكومة شكلت لجاناً للنظر في الميزانية وإعدادها "بناءً على الميزانيات السابقة"، متهماً البرلمان بـ"إضاعة الفرصة على الحكومة للبدء في العمل". وأضاف "الميزانية لم تزد على ما صرف خلال الخمس سنوات الماضية، لكن عندما قدمنا ميزانية موحدة لمعالجة المشاكل تم تعطيلنا".مشيرا الى أنه "دون دعم كامل من البرلمان لا يمكن الاستمرار في تنمية البلد وتطويره، وباب التنمية لم تخصص له أي مبالغ منذ سنوات".
وشهدت ليبيا، منذ مطلع يوليو الماضي، خلافًا مستمرًا بين حكومة الوحدة ومجلس النواب حول إقرار مشروع موازنة الدولة لعام 2021، وتم تأجيل العديد من الجلسات بسبب أسباب مختلفة.
وتخفي الخلافات حول الميزانية خلافات أكبر بين الأطراف الليبية حول صلاحيات الحكومة والبرلمان، وحول توحيد مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها القوات المسلحة، فضلاً عن المؤسسات السيادية الأخرى، وحول وجود القوات الأجنبية والمرتزقة، وحل الميليشيات، وصولاً إلى التنظيم الدستوري للدولة، والإمكانية الفعلية لإجراء الانتخابات في موعدها.
وكان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا طلب، الاثنين 20 سبتمبر الجاري، من البرلمان تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل لمدة عام على الأقل، في غياب توافق على القانون الانتخابي حاليا.
وقال رئيس المجلس خالد المشري، خلال مؤتمر صحافي في طرابلس:"لا نعترف بأن مجلس النواب صادق على قانون انتخابات الرئيس، الذي تم دون تصويت قانوني أو توافق، ويشاطرنا في ذلك عدد من النواب".وأضاف: "أعددنا قاعدة دستورية واقترحنا تضمينها في الإعلان الدستوري، واقتراح انتخابات برلمانية لإنشاء مجلس أمة من غرفتين (الشيوخ والنواب) في 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل".
وأعلن المشري رفضه القاطع لقانون انتخاب الرئيس، متوعدًا باستخدام خيارات أخرى في تعامله مع البرلمان الليبي،وتحدثت تقارير اعلامية عن مطالبة المشري بانعقاد الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا للنظر في الطعن على قانون انتخاب الرئيس الصادر عن البرلمان وهو ما نفاه المجلس الأعلى للقضاء في بيان مقتضب، مؤكدا أن طلب استئناف عمل الدائرة الدستورية المقدم من عدة أطراف، سيعرض على الجمعية العمومية للمحكمة العليا صاحبة القرار.
وعبرت لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي عن رفضها لعقد هذه الدائرة القضائية، التي ظلت مغلقة لمدة 6 سنوات.وقالت اللجنة في كتاب وجهته إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار محمد الحافي، إن تفعيل الدائرة الدستورية يأتي بناء على مطالبات أثارها قادة تنظيم الإخوان وعلى رأسهم رئيس المجلس الأعلى خالد المشري والمصنفان على لائحة اللجنة للكيانات والشخصيات الإرهابية علي الصلابي وعبد الرازق العرادي.
وعبرت اللجنة عن خشيتها من "أن تكون تصريحات الإخوان المسلمين ليست إلا محاولة لجر القضاء في أتون صراع سياسي، ما سيؤدي إلى فقدان الثقة فيه واعتباره طرفاً في النزاع، مهما كان نوع الحكم الذي سيصدره وما سيكون لذلك من تداعيات أمنية لا سيما مع قرب موعد الانتخابات وحاجتنا فيها للقضاء".
من جهة أخرى،مازالت التدخلات التركية في ليبيا متواصلة حيث وكشف موقع "فلايت رادار" المتخصص في رصد حركة الطيران، الإثنين، عن إقلاع طائرتين عسكريتين تركيتين من مطار إسبرطة جنوبي تركيا، في طريقهما إلى الغرب الليبي، وسط ترجيحات بهبوطهما في إحدى القاعدتين اللتين تسيطر عليهما أنقرة؛ مصراتة الجوية، أو الوطية.
يأتي ذلك بعد أسبوع من وصول طائرتين سابقتين الى قاعدة الوطية، بالإضافة إلى إعلان وزارة الدفاع التركية، استمرارها في تدريب من أسمتهم بالقوات البحرية الليبية بقاعدة الخمس غربي البلاد، في انتهاك واضح لقرار وقف إطلاق النار الموقع في جنيف، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.ونشرت وزارة الدفاع التركية، حينها صورا لعملية التدريب على متن فرقاطتين تركيتين.
ونقلت تركيا أكثر من 20 ألف مرتزق سوري إلى ليبيا إضافة إلى نحو 10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.وكشف مدير المرصد رامي عبدالرحمن،عن تظاهر عناصر من المرتزقة السوريين التابعين لفرقة الحمزة في قاعدة عسكرية تركية غربي ليبيا، أوائل الشهر الجاري، احتجاجًا على أوضاعهم وتخفيض مرتباتهم إلى ما يعادل 300 دولار أمريكي، إضافة إلى مطالب قادتهم بدفع 1000 دولار أمريكي مقابل عودتهم إلى سوريا.
وتأتي هذه التطورات بعد أشهر من تشكيل الحكومة، ففي مطلع فبراير الماضي نجح ملتقى الحوار السياسي الليبي خلال اجتماع في جنيف برعاية الأمم المتحدة في اختيار سلطة تنفيذية جديدة شملت حكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومجلسا رئاسيا بقيادة محمد المنفي لتولي أمور البلاد حتى إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم.وفي 25 فبراير الماضي، أعلن الدبيبة تقديم الهيكلية الوزارية، وتصور وبرنامج عمل الحكومة إلى مجلس النواب، قبل أن يمنحها الأخير الثقة في العاشر من مارس.
ولا زال الوضع السياسي الليبي يشهد ارتباكًا غير طبيعي،وسط استمرار مسلسل الخلافات بين الفرقاء. وبالرغم من اقتراب موعد الانتخابات فان الأوضاع في البلاد مازالت صعبة. ويرى مراقبون أن أي استحقاقات انتخابية قد تلقى نفس مصير الجهود الماضية نظرا لاختلاف وجهات النظر واستمرار الصراعات والتدخلات الخارجية التي يصعب معها تحقيق السلام في البلاد.