لم تكن قرارات رئيس الجمهورية التونسية الأخيرة "وليدة الصدفة" خاصة مع الاحتقان المتواصل وشرارات الاحتجاجات المتتالية التي يؤججها الغضب الشعبي منذ سنوات نتيجة تأزم الأوضاع على جميع المستويات بدءا بالسياسي والبرلماني، ما أثر على الوضع الاقتصادي حيث تشارف البلاد على الإفلاس وتعيش أسوأ وضع اجتماعي في تاريخها مع تراجع كل المؤشرات الحيوية أمام تدني الأوضاع المعيشية والمقدرة الشرائية لمواطن "نفذ صبره" وفقد ثقته في الطبقة السياسية التي تدير دفة الأمور بالبلاد.
مع مطلع هذا العام انفجرت احتجاجات اجتماعية عنيفة على إثر التدهور الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه تونس في أكثر من مدينة،ولم تكن الأولى من نوعها أو خاتمة الاحتجاجات المتّقدة بين الحين والآخر بالبلاد، رغم فرض السلطات حظر التجول على خلفية الأزمة الصحية التي تعيشها تونس. ووفق معطيات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بلغ عدد التحركات الاجتماعية والاحتجاجات خلال سنة 2020، نحو 8759 تحركا احتجاجيا. و9091 احتجاجا في 2019، و9365 في 2018، و10452 في 2017، و8713 احتجاجا في 2016.
وأكّد المنتدى أن عدد التحركات الاجتماعية المرصودة في تونس منذ مطلع العام الحالي بلغ 2675 تحركا. وقال المنتدى التونسي إن 40 % من التحركات الاحتجاجية المرصودة منذ بداية السنة الحالية ذات طابع اجتماعي و33 بالمئة منها كانت ذات طابع اقتصادي.
لذلك اعتبر الخبراء والمحللون أن تحركات 25 يوليو/ جويلية لم تكن سببا بقدر ما كانت نتيجة حتمية لتنامي الغضب والسخط الشعبي على تأزم الأوضاع التي عمقتها جائحة كورونا بارتفاع غير مسبوق للوفيات نتيجة "السياسة والإدارة الفاشلة" للأزمة الوبائية. بدأ الحشد لـ" حراك 25 يوليو" عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمبادرات شبابية لتفرز احتجاجات واسعة انطلقت بالفعل من العاصمة تونس من ساحة "باردو" بمحيط البرلمان التونسي لتشمل معظم الولايات التونسية وذلك بالتزامن مع ذكرى عيد الجمهورية التونسية الرابع والستين أين نادى المتظاهرون بحل البرلمان و. لتكون بذلك قرارات الرئيس التونسي التاريخية التي قضت بتجميد البرلمان التونسي ورفع الحصانة عن نوابه وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي "تتويجا لهذا الحراك واستجابة لتطلعات الشعب التونسي".
انهيار المشهد السياسي والبرلماني !
إن المتأمل في الأزمة السياسية في تونس يرى أن جذورها تتجاوز الأشهر الأخيرة والسنوات الأخيرة أيضا، وتمتد إلى 2011 منذ اندلاع الثورة وسقوط حكم زين العابدين بن علي لتدخل تونس مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي الذي ترجمته الحكومات الأربع عشر 14 المتعاقبة التي تداولت على تسيير شؤون البلاد خلال 10 سنوات. وقد عمقت حكومة المشيشي هذه الأزمة القديمة المتجددة فاغلب وزارته بالنيابة بعد إقالة فريق من وزرائه. رافقت حكومة المشيشي تداعيات حادة وسوء إدارة للأزمة الوبائية الطاحنة التي عصفت بحياة أكثر من 20 ألف تونسي.
دخل الإنقسام السياسي بين السلطات الثلاث منعرجا خطيرا واتسعت دائرة الخلافات وبدأت الشبهات تحوم حول رئيس الحكومة الجديدة وولاءاته. حيث لم يحظى التعديل الذي أجراه على 11 وزير من حكومته بموافقة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد الذي رفض تحديد موعد لأدائهم اليمين الدستورية أمامه رغم أنهم حصلوا على ثقة البرلمان، شبهات فساد تحوم حول أغلبهم. ففي حين دعمت حكومة النهضة الإسلامية المشيشي وحكومته فقد رفضت أحزاب اليسار هذه الحكومة واعتبرتها"منتهية الصلوحية".
أما البرلمان التونسي فيشهد منذ أشهر حالة توتر كبيرة وفوضى بين كتلة عبير موسي وكتلة النهضة وعدد من الموالين لها مما تسبب في تعطل العديد من جلساته، وما خلف غضبا كبيرا في الشارع التونسي، الذي اعتبر أن البرلمان يلعب الدور الرئيسي في الآزمات التي تعيشها البلاد. فمشاهد الجدالات العنيفة تحت قبة البرلمان، سلطة التشريع العليا في البلاد التونسية، بلغت حد الإعتداء المادي. لتهز صور و فيديوهات "اعتداءات وتعنيف" وثلب وتبادل الاتهامات والشتائم وسائل التواصل الاجتماعي والشارع التونسي وحتى العربي والعالمي.
وقد هزت، حادثة أخيرة، تمثلت في اعتداء نائب بالبرلمان التونسي على زميلته باللكم والشتم خلال أشغال جلسة عامة، الرأي العام التونسي والعربي وأثارت تساؤلات كثيرة حول مآلات المشهد البرلماني بالبلاد التونسية خاصة أن الحادثة ليست الأولى من نوعها بل هي تواصل لوتيرة عنف لفظي ومادي وتشنج وتبادل اتهامات تحت قبة السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب لخدمة مصالحه وإنقاذه من براثن الأزمات الخانقة التي يعيشها" لكن هيهات".
تمثلت حادثة العنف التي جدّت تحت قبة البرلمان التونسي وفق الفيديو الذي تناقلته وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي توجّه النائب الصحبي سمارة نحو المكان المخصص لكتلة الدستوري الحر وقيامه بلكم وركل النائبة عبير موسي التي كانت ترتدي واقيا صدريا وخوذة منذ وقت طويل "خوفا من العنف داخل البرلمان"منذ فترة طويلة وقام عدد من النواب وأعوان المجلس بتهدئة الوضع الذي كان يتجه نحو الأسوأ. هي صورة مصغرة وحادثة تنضاف إلى حوادث كثيرة سبقتها خاصة حادثة إعتداء النائب سيف الدين مخلوف على النائبة عبير موسي في محافل عدة.
هذه الممارسات التي ما فتئت تتكرر تحت قبة البرلمان التونسي زعزعت صورة وأهمية هذه السلطة التشريعية وباتت ترسم صورة"سيئة" عن بلد الديمقراطية واحترام الحريات واحترام المرأة وحمايتها من العنف وتكريس"مبدأ الديموقراطية والحوار والتشارك" كقيمة ثابتة أرستها "ثورة الياسمين".
الوباء يفتك بالتونسيين !
وصفت اللجنة العلمية التونسية الوضع الوبائي بتونس بـ"الدرامي" ووصفها البعض بـ"تسونامي"، حيث تسارعت وتيرة الإصابات وتضاعفت معدلات الوفيات المسجلة لتبلغ 4% من إجمالي الإصابات بينما تبلغ نسبة الإصابات 5% من عدد السكان ما جعل تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا وإفريقيا من حيث نسبة الإصابات والوفيات والأولى عالميا في نسبة التحاليل الإيجابية لتقصي فيروس كوفيد 19. وامتلأت أسرة الأوكسجين وأقسام الانعاش وفاقت طاقة استيعاب عديد المستشفيات العمومية 100% ، فضلا عن ارتفاع نسبة الاختبارات الايجابية اليومية إلى 36.12 بالمئة. وضع وبائي كارثي وقفت الدولة والحكومة أمامه عاجزة ما دفع الشعب التونسي لإطلاق نداءات استغاثة إلى العالم لإنقاذ البلاد من كارثة وشيكة وتعالت صيحات الفزع وانتشرت فيديوهات الموت والعجز على وسائل التواصل الاجتماعي.
ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد لإجراء عديد الاتصالات مع الدول الشقيقة والصديقة ليتهاطل المد التضامني من كل حدب وصوب بدءا بالجارة الجزائرية التي ما انفكت تزود تونس بالأكسجين وصولا إلى كل الدول المغاربية، ليبيا والمغرب وموريتانيا التي أرسلت مع المساعدات والفريق الطبي 15 طن من الأسماك الموريتانية الرفيعة"جاد الكريم بما عنده". وشمل هذا المد التضامني الدول العربية والأوروبية وأمريكا والصين وغيرهم في هبة تضامنية غير مسبوقة جعلت البلاد تخرج من عنق الأزمة خاصة مع الإنفراجة التي تلوح في أفق الوضع الوبائي.
تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية..البلاد على حافة الإفلاس
شهدت تونس منذ 2011 تراجعا حادا في كل مؤشراتها الحيوية خاصة الاقتصادية والاجتماعية في ظل الوضع الكارثي الذي تعيشه ما خلف دولة "على حافة الإفلاس" حيث تنامي العجز التجاري من 8279.7- في 2010 إلى 12002.6- في 2015 إلى 12757.8- في 2020. و تداعت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي من نسبة نمو بلغت 3.5 % في 2010 إلى 8.8- في 2020.
كما تضاعفت الديون قرابة 3 مرات من 2010 إلى 2020 من 37% إلى 87 % ومن المتوقع أن تبلغ 114% خلال هذا العام ذلك إضافة إلى تنامي معدلات الفقر %15.2 في 2015 إلى 20.2 % في 2020 وتدهور المقدرة الشرائية وتهاوي الدينار مقابل العملات الأجنبية إضافة من ارتفاع معدلات البطالة من 15.4 % في 2015 إلى 17.4 % في 2020، حسب الإحصائيات الرسمية.
تواجه بذلك تونس أزمة إقتصادية حادة تهدّدها بالإفلاس في ظل تفاقم الديون الخارجية التي تجاوزت مائة في المائة وحُدّدت قيمتها بــ80.9 مليار دينار (30.3 مليار دولار) مع نهاية سنة 2020 حسب تقديرات مروان العباسي محافظ البنك المركزي. كما أظهرت بيانات المعهد التونسي للإحصاء، تسجيل اقتصاد البلاد تراجعا قياسيا لمعدل النمو بنسبة 8.8% في العام الماضي، وارتفاع نسبة البطالة إلى 17.4%،.كما تتوقع الحكومة تسجيل عجز في موازنة 2021 بمقدار 5.5 مليار دولار.
وقد سعت الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي المقال، لتوفير برنامج تمويلي لإنعاش الاقتصاد التونسي بأضخم قرض في تاريخ تونس حيث توجّه وفد رفيع المستوى بقيادة وزير المالية التونسي علي الكعلي، إلى واشنطن للنقاش مع صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويلي لتونس التي تعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي بلغ 11.5% لأول مرة بنهاية 2020 بينما انكمش الاقتصاد بنسبة 8.8% بسبب تداعيات أزمة كورونا.
وقد أثارت التزامات الحكومة التونسية بالرفع التدريجي للدعم، وخفض الأجور، مقابل الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي، جدلا واسعا وتحذيرات كثيرة من حدوث اضطرابات اجتماعية وغضب شعبي كبير. وكانت وثيقة حكومية مسرّبة قد أظهرت أن تونس تخطط لخفض كتلة الأجور إلى 15 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المقبل، من خلال فرض برنامج للمغادرة الطوعية للموظفين، إضافة إلى رفع الدعم نهائيا عن المواد الغذائية ثم المحروقات والكهرباء والغاز مع موفى 2024، وذلك بهدف إقناع صندوق النقد الدولي بإقراض تونس 4 مليارات دولار.
كما حذر رئيس الحكومة التونسية المقال هشام المشيشي في محطات عدة من تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيش على وقعها بلاده وقال المشيشي في ندوة صحفية "يكفي من الدمار الذي لحق بالبلاد" وذلك في إشارة إلى الاحتجاجات المتواصلة وتعطل الإنتاج. لكنه لم يكن يعلم أن الأزمة قد استفحلت وأن الدمار قد أحاط بالفعل بالبلاد من كل جانب وأن شررات الإحتجاجات المتتالية كانت تهيّء لـ"حراك 25 يوليو" الذي أطاح به وتجمد على إثره نشاطه ونشاط البرلمان التونسي وفقا للفصل 80 من الدستور التونسي.
وانطلقت على خلفيته قرارات متتالية متتابعة للرئيس التونسي قيس سعيد واعتقالات واسعة لعدد من النواب والشخصيات وقد تعهّد الرئيس التونسي "بالقضاء على الفساد" و"إعادة أموال الشعب التونسي" و"تحسين وضعيته الإجتماعية" مع "الحفاظ على الحقوق والحريات وعدم المساس بها".
حركة النهضة التونسية..'جزء من الأزمة' يتفكك
ندّدت حركة النهضة الأكثر تمثيلا في البرلمان التونسي المجمد بالتدابير والقرارات المعلنة واعتبرتها "انقلاب على الثورة والدستور"، ودعت أنصارها وعموم التونسيين إلى "الدفاع عن الثورة" في محطات كثيرة منذ تاريخ 25 يوليو 2021 وكان التجاوب محتشما منذ البداية حتى في الإحتجاجات الأخيرة الأسبوع الماضي على خلفية التمديد في التدابير الإستثنائية والقرارت الجديدة التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد.
شهدت الحركة عاصفة غير مسبوقة من الاستقالات والاتهامات الصريحة الموجهة لرئيسها راشد الغنوشي حيث وصفه القيادي السابق بالحركة عماد الجمامي، الذي أقاله الغنوشي على خلفية مساندته لقرارات قيس سعيد، بـ"الدكتاتور كامل الأوصاف" كما اتهمه العديد من القيادات المستقيلة على غرار سمير ديلو وعبد اللطيف المكي بالإنفراد بالرأي داخل الحركة محملين إياه مسؤولية "الخيارات الخاطئة" التي أدت إلى انهيار الحركة و مسؤولية "ما آلت إليه البلاد من وضعيّة معقّدة باعتبارها الحزب الحاكم".
في موجة أولى من الإستقالات أعلن 113 قيادي وعضو بالمكاتب الجهوية والمحلية بحركة النهضة، عن استقالة جماعية من الحزب بسبب "الإخفاق في معركة الإصلاح الداخلي"مفيدين في بيان مشترك أنهم "خيروا تغليب التزامهم الوطني بالدفاع عن الديمقراطية والتحرر من الاكراهات المكبلة التي أصبح يمثلها الانتماء لحزب حركة النهضة".
وامضى على بيان هذه الاستقالة عدد من نواب البرلمان المعلقة أعماله ومن نواب المجلس الوطني التأسيسي، وأعضاء مجلس شورى الحركة الى جانب عدد من مسؤولين وأعضاء في الحزب مركزيا وجهويا ومحليا ، من بينهم سمير ديلو ونسيبة بن علي و معز بالحاج رحومة وجميلة الكسيكسي وتوفيق الزائري ورباب بن لطيف والتومي الحمروني ( نواب بالبرلمان) وعبد اللطيف المكي ومحمد بن سالم ومنية بن إبراهيم (نواب سابقين بالمجلس الوطني التأسيسي) و زبير الشهودي (عضو مجلس شورى).
وحمل المستقيلون المسؤولية الى قيادة الحركة فيما انتهى إليه الوضع العام بالبلاد من "ترد وفسح المجال للانقلاب على الدستور والمؤسسات المنبثقة عنه" ، والى النخب السياسية في عدم تركيز المؤسسات الدستورية والهيئات المستقلة نتيجة الحسابات الخاطئة وعدم تغليب معيار الكفاءة عند الاختيار والقرار.
واعتبروا أن تعطل الديمقراطية داخل الحركة والمركزية المفرطة وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار خاصة في السنوات الأخيرة أفرزت قرارات خاطئة أدت إلى تحالفات سياسية غير منطقية تناقضت مع التعهدات المقدمة للناخبين مضيفين أن تقييم تجربة الحركة في الحكم لا يعفي بعض منتسبي الحركة من مسؤولية المساهمة في القرار الحزبي والحكومي في فترات محددة.
كما جاء في بيان الاستقالة ،أن قرارات 25يوليو جويلية "غير الدستورية" التي تحولت في 22 سبتمبر الجاري إلى "انقلاب" علق العمل بالدستور وأدى للانفراد بالسلطات،حسب تعبيرهم، لم يكن ليجد ترحيب فئات واسعة من المجتمع لولا الصورة التي وصل إليها البرلمان بسبب شعبوية بعض النواب وفشل رئيسه في إدارة المجلس ولولا الأداء الكارثي لحكومة المشيشي في مواجهة الجائحتين الصحية والاقتصادية.
وقد تواصل نزيف الاستقالات وتتالى ليعلن عضو المكتب التنفيذي ورئيس لجنة إدارة الأزمة في حركة النهضة محمد القوماني، استقالته من رئاسة اللجنة أيضا. كما نشر القيادي السابق بالحركة عبد اللطيف المكي قائمة محينة ضمّت استقالات جديدة.
التدابير الإستثنائية الجديدة..رؤية في الجدل القائم حولها
بعد القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية التونسية في 25 يوليو 2021 بمقتضى الفصل 80 من الدستور التونسي والتي قضت بتجميد البرلمان وتعليق نشاطه لمدة 30 يوما ورفع الحصانة عن نوابه إضافة إلى إقالة رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، ضج الشارع التونسي في "ليلة تاريخية" باحتفالات عفوية بهذه القارات التي اعتبروها تتويجا لحراكهم العفوي، حراك 25 يوليو/جويلية، الذي لم يكن "مكفولا" من أي طرف حزبي أو منظمات أو مجتمع مدني بل كان شعبيا بدأ بحملات تحشيد على مواقع التواصل الاجتماعي التي أثبتت مواقع رصد مختصة أنها لم تكن صفحات مشبوهة أو أجندات معينة بل هي مجرد بوادر شعبية شبابية.
في 22 سبتمبر 2021، أصدر رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد، 2021، أمرا رئاسيا يتعلق بـتدابير استثنائية جديدة تمثلت في مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه. وتضمنت كذلك التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية إضافة إلى مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
كما سيتولي رئيس الجمهورية،وفق هذه التدابير الإستثنائية، إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
اعتبر الكثيرون وعلى رأسهم حركة النهضة وبعض الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية هذه التدابير" استفراد بالسلطة وخرقا للدستور التونسي" ودعوا التونسيين" للنضال السلمي"، من جهة. ومن جهة أخرى لاقت القارات استحسانا من بعض الأحزاب،منها من دعى لتكوين حزام سياسي داعم للرئيس التونسي، وكذلك الكثير من الشخصيات السياسية والفاعلة في الساحة التونسية حيث اعتبروا أن "شجاعة" من الرئيس التونسي و"تصحيحا لمسار الثورة الذي حاد عن طريقة خلال العشرية السوداء الأخيرة" ، حسب تعبيرهم.
في هذا السياق قال القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي، إن تونس تعيش اليوم وضعا تاريخيا بعد 10 سنوات من الفساد والإرهاب والفقر من النهضة وحلفائها الذين حكموا البلاد.مضيفا "لقد كنا في برلمان يباع فيه النواب وفي وضع متردي على جميع الجوانب وكان لا بد من إحداث تغيير جذري في تونس وهو ما حدث في 25يوليو/جويلية"وأكد القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أن "سعيد اتخذ خطوة نحو الإصلاح والتغيير الحقيقي للأوضاع العامة بالبلاد ويجب مساندته ودعمه في هذا القرار".
وفي توضيح لدستورية هذه القوانين قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، تعليقا على الأوامر الرئاسية الأخيرة، أن رئيس الجمهوريةالتونسية تعهد بموجب هذا الأمر بإرساء دولة القانون والمؤسسات وهو الأمر الذي فشل في تحقيقه تجار الدين والانتهازيين من تجار الديمقراطية .
وأكد أمين محفوظ في تدوينة أخرى أن التساؤل مشروع، بعد صدور الأمر عدد 117 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021 يتعلق بتدابير استثنائية، ولكن لا خوف على الحقوق، وخاصة منها حقوق المرأة، والحريات، وأوضح الأستاذ أمين محفوظ في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فايسبوك بعض النقاط حول التدابير الاستثنائية الجديدة التي صدرت بالرائد الرسمي التونسي:
الفصل 4 "لا يجوز عند سن المراسيم النيل من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة بالمنظومة القانونية الوطنية والدولية".
الفصل 20 "يتواصل العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه،وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع أحكام هذا الأمر الرئاسي.".
المشروع الحقيقي هو إرساء دولة القانون والمؤسسات. وهو ما تضمنه الفصل 22 من الأمر المذكور.
الفصل 22. يتولى رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
ويجب أن تهدف مشاريع هذه التعديلات إلى التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء ويقوم على أساس الفصل بين السلط والتوازن الفعلي بينها ويكرس دولة القانون ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف ثورة 17 ديسمبر 2010 في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ويعرضها رئيس الجمهورية على الاستفتاء للمصادقة عليها.
وقال محفوظ في ختام تدوينته "إنها في تقديري، كمواطن، فرصة مناسبة.لنسعى معا، بعيدا عن التشنج، لتحقيق هذا الهدف الذي عجزت الطبقة السياسية وخلال العشرية الماضية عن تحقيقه."
وحسب المواكبات والإحصائيات واستطلاعات الرأي فإن أغلبية ساحقة من الشعب التونسي تساند قرارات الرئيس التونسي الإستثنائية التي أكد قيس سعيدعلى أنها" مؤقتة ولن تمس بالحقوق والحريات وأنها ستستجيب لتطلعات الشعب التونسي وتكرّس إرادته وسيادته ولا شي غير سيادة الشعب". ووسط ترقب محلي ودولي لتطورات الوضع في تونس وخاصة الحكومة الجديدة ومآلات التعديلات الدستورية والتساؤولات الكثيرة حول "استفتاء أو انتخابات مبكرة" تبقى كل الإحتمالات قائمة في ظل مخاوف من الفوضى والانقسامات داخل الشعب التونسي.