أيام بعدد الساعات أصبحت تفصل الشعب الليبي على حدث سيكون لو تم الوصول إليها، تاريخيا في العشرية الأخيرة. حدث كان قبل أشهر حلما بعيد المنال بسبب عمق الأزمات وحالة الانفلات على كامل خارطة البلاد، لكن الغضب الداخلي والضغط الخارجي غيرا المشهد بالكامل عبر اتفاق سياسي شاركت فيه أطراف كثيرة ليبية وأجنبية، انتهى بتشكيل حكومة وحدة أنهت حالة الانقسام السياسي وفتحت الباب أمام أمل التحول بالبلاد من حالة الفوضى إلى وضع الاستقرار المرحلي على الأقل عبر إجراء انتخابات يحدد فيها الشعب خياراته المستقبلية ويتحمل حتى جزءا من مسؤولية الاختيارات التي سيختارها يوم 24 ديسمبر المقبل.
في الـ23 من نوفمبر 2020، أعلنت البعثة الأممية للدعم في ليبيا أن الفرقاء الليبيين المجتمعين في تونس تحت إشراف الرئيس التونسي قيس سعيّد توصلوا الى اتفاق على إجراء انتخابات عامة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، في تاريخ اعتبر وقتها مناسبا وكافيا لإعدادها في ظروف جيدة إذا تجاوزت كل الأطراف خلافاتها، وهو ما سعت له الأخيرة بالفعل في ظل الحاجة للاستقرار وإنهاء مظاهر الانفلات والانقسام، لكن واقع البلاد، رغم تحسنه مع انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة بحكومتها ومجلسها الرساسي، أبقى على بعض التعثرات أولها الاختلاف على تزامنها وتخيير إجراء الرئاسية منها أولا وتأجيل التشريعية بشهر لكي تكون بالتزامن مع الدور الثاني من الرئاسية في يناير 2022.
وقال الناطق باسم مجلس النواب الليبي عبد الله بليحق، في تصريحات إعلامية بداية شهر أكتوبر الجاري، إن التعديل الذي وافقت عليه أغلبية النواب، يقضي بإجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهر من انتهاء الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، وبالتزامن مع الجولة الثانية لها، وهدفه إنهاء الانتخابات برمّتها في مرحلة واحدة، مشيرا إلى أن انتخاب برلمان جديد من دون انتخاب رئيس قد يدخل البلاد في دوامة جديدة وانقسام جديد.
هذا التأجيل ورغم ما ذهب إليه بليحق ومن خلاله مجلس النواب، قد يكون أمام إشكال آخر وهو حسم الانتخابات الرئاسية من دورها الأول، وقتها سيجد الذاهبون في هذا الإجراء أمام تأجيل بلا فائدة أو ربما قد يساهم في منح أفضلية القائمات التي تحظى بدعم الرئيس الفائز، خاصة أن بعض الشخصيات التي يتم تداولها قد تكون قادرة بالفعل على حسم المنافسة منذ الدور الأول دون انتظار نتائج الدور الثاني منها.
وحول التأجيل خرجت بعض الأطراف الرافضة، أهمها المجلس الأعلى للدولة الذي قال عبر الناطق باسمه محمد عبد الناصر ما اعتبرها "خروقات" مجلس النواب المستمرة للاتفاق السياسي الوارد في الإعلان الدستوري، وآخرها إصداره قانون انتخاب البرلمان، وهنا الحديث عن اتفاق الصخيرات السياسي الذي يطالب مجلس النواب بالاتفاق مع المجلس الأعلى للدولة بشأن هذا القانون، لكن في هذه الحالة الاتفاق الموقع بشكل شبه أحادي في المغرب، في حكم المنتهي والمتجاوز بناء على الاتفاقات اللاحقة.
حزب العدالة والبناء الإخواني والأطراف المتحركة في فلكه ومن بينها مجموعات مسلحة، بدورها رفضت قانون الانتخابات البرلمانية الذي أصدره مجلس النواب، بحجة عدم استناده إلى الأساس القانوني الذي أشار إليه الأعلى للدولة في علاقة باتفاق الصخيرات، لكن حسابات العدالة والبناء لا تهتم بما هو سياسي بل بتخوفات من فوز شخصية ترفضها، خاصة أن مجموعات بركان الغضب الذراع المسلحة لإخوان ليبيا أعلنت رفضها لمشاركة أي خصم سياسي قادر على تغيير المعادلة الانتخابية في غير صالحها، وهنا القصد أساسا قائد الجيش الذي يجمد صلاحياته مؤقتا خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي المتوقع ترشحهما للرئاسيات القادمة.
المواقف المذكورة والقلق الذي يسود الشارع الليبي جعلا البعض يتخوف من إفشال الانتخابات في ظل الخلافات التي برزت حول قانونه وبعض المواد، خاصة المتعلقة بالموجودين على رأس المؤسسات الرسمية النافذة في البلاد، والذين قد تساهم مواقعهم في منحهم أفضلية على غيرهم، وعلى هذا الأساس فتح نقاش عن المادة 12 من القانون.
وفي تحليل له حول إمكانية إجراء الانتخابات أو قدرتها على إنهاء الأزمة الليبية، قال نائب رئيس التحرير في بوابة إفريقيا الإخبارية حسين مفتاح في تصريحات لموقع تلفزيون الحرة، إن حالة الاستقطاب في ليبيا ولدت مجموعة من الأطراف والقيادات السياسية التي لا يمكن أن تتوافق على أي حل بسهولة، وظهر ذلك من خلال كل مبادرات الأمم المتحدة السابقة التي انتهت بالفشل، مشيرا إلى أن الانتخابات لن تكون الحل النموذجي لما تعاني منه ليبيا من مشاكل متفاقمة.
إشكال آخر يطرح حول الاستحقاق الانتخابي الليبي، وهو الدور الخارجي فيه، حيث يوجد إجماع أن الضغط الدولي هو الذي ذهب نحو إجرائه، بمعنى أن الموقف الداخلي يعتبر ضعيفا وقد يكون خضوعا مرحلية لا ينهي المشاكل العالقة، بل قد يفتح المجال أمام رفض نتائجه من الذين سيجدون أنفسهم خارج اللعبة، خاصة من الأطراف التي تمتلك السلاح والتي قد تكون بالفعل بعيدة على المنافسة.
وفي هذا الإطار حذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يان كوبيش بداية أكتوبر، من أن الإخفاق في عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر قد يجدد الانقسام والصراع، ويحبط الجهود المبذولة لتوحيد مؤسسات الدولة. وقال كوبيش إن "إجهاض حملة الانتخابات سيكون بالنسبة للكثيرين إشارة إلى أن العنف هو السبيل الوحيد للوصول إلى السلطة في البلاد".
شهران على إجراء الانتخابات في ليبيا والخلافات حول قانونها وتاريخها وتزامنها من عدمه مازالت قائمة، وأطراف كثيرة لا يبدو أنها متحمسة لإجرائها لأسباب مختلفة، لكن من يتابع المواقف الدولية خاصة المتداخلة في الأزمة الليبية يفهم أن الخيار سائر نحو إجرائها مهما كانت العراقيل، لكن يبقى السؤال حول مدى قدرتها على الصمود أمام التحديات التي ستكون بعدها وهي كثيرة وصعبة بالتأكيد.