تعيش تونس منذ أشهر على وقع أزمة سياسية منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 25 يوليو الماضي، عن قرار بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة حكومة هشام المشيشي، وهو ما أثار حفيضة معارضيه الذين اتجهوا الى التصعيد لتتسارع التطورات وسط تزايد أزمة اقتصادية خانقة عمقت المخاوف من انحدار البلاد نحو الأسوأ.
تصاعدت حدة الاحتقان الشعبي في ظل تدور الاوضاع الاقتصادية في البلاد وشهدت عدة مناطق تونسية احتجاجات تزامنا مع الذكرى 11 لقيام الثورة التونسية يوم 17 ديسمبر كانون الأول، حيث قام عدد من المحتجين في منطقة "عقارب" من مدينة صفاقس (جنوب العاصمة) بإحراق العجلات المطاطية وإغلاق الطرقات.
وقام عدد من المحتجين في "حي الانطلاقة" بالعاصمة تونس، بإشعال العجلات المطاطية وإغلاق الطرقات، فيما شهدت مدينة القصرين مواجهات بين العناصر الأمنية وعدد من المحتجين الذين قاموا برشق أعوان الأمن بالحجارة، وردّ رجال الأمن باستعمال قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، كما قاموا بملاحقتهم في عدد من الأحياء، وفق تقارير اعلامية.
واحتفلت تونس اليوم بذكرى الثورة يوم 17 كانون الأول/ديسمبر، بعد أن أقره الرئيس التونسي قيس سعيد، عيدا رسميا عوضا عن يوم 14 كانون الثاني/يناير، الذي كان التونسيون يحيونه تزامنا مع اليوم الذي أعلن فيه عن مغادرة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي البلاد، بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية الواسعة.
وجاء الاحتفال بعيد الثورة وسط انقسامات سياسية حادة وتصعيد متواصل تجلى في خروج تظاهرات لمؤيدي الرئيس التونسي وقراراته، وأخرى لمناهضي هذه القرارات. وشهد شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، الجمعة الماضي، تنفيذ التحركات الاحتجاجية ضد سعيّد ووقفة المساندة له، وسط حضور أمني مكثف حيث قامت العناصر الامنية بفصل الجانبين، بحواجز حديدية في محاولة لمنع أي صدام بينهم.
وطالب أنصار الرئيس التونسي "بحل البرلمان التونسي وتطبيق القانون على كل النواب" الذين تلقوا ما اسموها "تمويلات أجنبية"، ورفعوا شعارات تدعو الى محاكمة حركة النهضة الإسلامية، بسبب "الجرائم التي ارتكبتها" خلال السنوات العشر الماضية، فيما رفع معارضو الرئيس التونسي شعارات تطالب برحيله.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أعلن مساء الإثنين 13 ديسمبر الجاري عن إجراءات جديدة، منها الإبقاء على البرلمان التونسي مجمدا حتى إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر/كانون الأول 2022، والانطلاق في محاسبة "كل من أجرم في حق تونس". وأضاف سعيد في خطاب له أنه قرر تنظيم "استشارة إلكترونية" ثم انطلاق مسار عرض الإصلاحات القانونية والدستورية على الاستفتاء.
ولقيت اجراءات سعيد ترحيبا من عدة أطراف تونسية حيث أكد حزب التحالف من أجل تونس تأييده لتلك القرارات، معتبرا أنها تعبر عن تطلعات غالبية الشعب وتوضح معالم الطريق لسنة قادمة. واضاف الحزب في بيان له أن "الإجراءات المعلن عنها ستتوج بانتخابات ديمقراطية تعيد المؤسسة التشريعية لدورها في دعم أسس الدولة وسيادة قرارها وفق ما سيفرزه الاستفتاء الشعبي من تعديلات على الدستور وعلى النظام الانتخابي"، معتبرا أن خطاب سعيد "إعلان نهاية منظومة فاشلة وتهيئة أرضية قانونية وأخلاقية لجيل سياسي جديد"، وفق ما جاء في بيان الحزب.
بدوره، أعلن حزب البعث التونسي تأييده لقرارات سعيّد الجديدة، مؤكدا في بيان "مباركته لجملة هذه الإجراءات بما احتوته من تسقيف زمني، وما عبرت عنه من إرادة واضحة وصلبة للإصلاح". ونوّه البيان إلى تجنب رئيس الدولة اتخاذ قرارات مثل حل البرلمان أو المجلس الأعلى للقضاء أو إلغاء الدستور، وهي القرارات التي كانت ستزيد من توتر وتشنج المشهد السياسي.
وفي المقابل، أعلنت أطراف أخرى رفضها لقرارات الرئيس التونسي الجديدة حيث أعلن أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريح للإعلام المحلي "أن حزبه يرفض قرارات الرئيس"، معلنا اتخاذ جميع التحركات التصعيدية بما في ذلك الخروج إلى الشارع. فيما أعلنت أحزاب "التيار الديمقراطي" و"الجمهوي" و"التكتل من أجل العمل والحريات"، تنظيم احتجاجات في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.
بدورها، انتقدت حركة النهضة قرارات الرئيس التونسي، وعبر الحزب النهضة في بيان له عن استعداده للتصعيد "من أجل استئناف الحياة الديمقراطية" والمحافظة على "الشرعية والدستور"، وفق تعبيره فيما اعتبر زعيم الحركة راشد الغنوشي، في بيان قرار الرئيس قيس سعيّد القاضي بإجراء انتخابات نيابية مبكرة واستفتاء شعبي "غير دستورية".
وتسعى حركة النهضة منذ أشهر للتصعيد بشتى الطرق بغية انهاء اجراءات الرئيس التونسي التي أفقدتها سلطتها ونفوذها المتمدد منذ سنوات، ومثلت محاولات تأجيج الشارع احدى أبرز وسائلها للضغط لكن محاولاتها فشلت في ظل تآكل شعبيتها بعد سنوات من الفشل على جميع الاصعدة وفق العديد من المراقبين.
وفي الاثناء يبدو أن محاولات النهضة وحلفائها لتأليب القوى الدولية ودفعها للضغط على الرئيس التونسي لن تجدي نفعا خاصة بعد الترحيب الذي قوبلت به خارطة الطريق التي أعلنها قيس سعيد مؤخرا، حيث عبرت الولايات المتحدة عن ترحيبها بالإجراءات السياسية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد بخصوص الدستور وتنظيم انتخابات جديدة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان: "نأمل بأن تكون عملية الإصلاح شفافة"، موضحا أن بلاده "تدعم تطلعات الشعب التونسي إلى حكومة فعالة وديمقراطية وشفافة تحمي الحقوق والحريات".
وبدوره، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، يوم 13 ديسمبر الجاري الخاص بمواعيد سياسية مهمة في البلاد، ومنها إجراء انتخابات تشريعية، يعد مرحلة مهمة نحو استعادة الاستقرار والتوازن المؤسساتي. وجاء في البيان الصادر باسم الاتحاد الأوروبي أن نجاح هذا المسار يبقى مرتبطا بالطرق الملموسة لتطبيقها وخاصة رسوخها في القيم والمبادئ الديمقراطية وأيضا لشموليتها وشفافيتها.
وتأتي هذه المواقف الدولية الداعمة لقرارات قيس سعيد بشأن "تسقيف" المرحلة الانتقالية، لتنهي ورقة الضغوط الخارجية بيد حركة النهضة وحلفائها، والتي تزايدت بعد بيان سفراء الدول الأعضاء في مجموعة السبع المعتمدون في تونس، وسفير الاتّحاد الأوروبي، الذين دعوا في بيان مشترك في وقت سابق إلى "عودة سريعة" لعمل المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
وفي غضون ذلك، تتسارع الجهود لدعم تونس للخروج من أزمتها الاقتصادية حيث أكد البنك الدولي التزامه بدعم برنامج الإنعاش الاقتصادي في تونس من أجل تحقيق نمو شامل ومستدام، ولضمان تمويل برنامج التغطية الاجتماعية، وفق ما أفاد به نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، في تدوينة نشرها الاثنين على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك.
وورد بالتدوينة، أن البنك الدولي قد عقد اجتماعا هاما مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن وفريقها الاقتصادي ومحافظ البنك المركزي. وذكر بلحاج في تدوينته، بأن عقد هذا الاجتماع يأتي في وقت تشهد فيه تونس أزمة اقتصادية واجتماعية "حادة" حسب توصيفه.
وتواجه الحكومة التونسية تحديات اقتصادية كبيرة، يعد أن وصلت الديون الخارجية لتونس لأكثر من 35.7 مليار دولار، كما أن البلاد مطالبة بسداد نحو 5.4 مليار دولار منها في العام الجاري، أي ما يزيد على 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها بحاجة لحوالي 6 مليارات دولار لسد العجز في ميزانية 2021، وفق تقارير اعلامية.
وقالت المستشارة لدى رئيسة الحكومة، سامية الشرفي قدور، إن "حل الأزمة المالية التي تعيشها تونس لا يقف عند غلق ميزانية 2021 أو إعداد ميزانية 2022، بل يتطلب ابتكار وإرساء سبل فعلية لإيقاف النزيف". وأضافت قدور، في كلمة ألقتها نيابة عن رئيسة الحكومة نجلاء بودن، في افتتاح الملتقى السنوي لمراقبي المصاريف العمومية 2021، أن الحل لا يكمن أيضا في اللجوء إلى مصادر اقتراض داخلية أو خارجية مباشرة من البنك المركزي أو من السوق المالية، بل في الحد من الاقتراض، وإيجاد التوازن بين موارد الدولة ونفقاتها.
ومن جانبه، كشف نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل، عن طلب الحكومة التونسية من قيادات الاتحاد الموافقة على برنامج اقتصادي يشمل تخفيضا بنسبة 10 في المئة بأجور الوظيفة العمومية، في محاولة من الحكومة للضغط على النفقات العمومية للحد من أزمتها المالية الخانقة.
بين الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية تبدو الأوضاع في تونس شديدة التعقيد ما يفسر حالة الاحتقان الشعبي المتزايد والذي يمكن أن يخرج عن السيطرة، ويرى كثيرون أن المواطن يدفع ثمن الحسابات الضيقة للسياسيين. ويبقى التساؤلات قائمة حول ملامح المشهد السياسي في قادم الايام وهل تنجح خطط الحكومة التونسية في تجاوز الازمة الاقتصادية الخانقة.