يزداد الوضع السياسي في تونس غموضا في ظل التجاذبات السياسية القائمة وغياب الحسم في الأمور الكثيرة العالقة منذ 25 يوليو وإجراءات الرئيس التونسي قيس سعيّد الإستثنائية التي قضت بتجميد البرلمان التونسي ثم حله فيما بعد. قرار واجه مساندة من داعمي الرئيس وبعض الأحزاب والشخصيات السياسية والفاعلة في مقابل معارضة أيضا من بعض الأحزاب على رأسهم حزب حركة النهضة وكذلك بعض الشخصيات السياسية البارزة.
في ظل هذا المد والجزر بين الأطراف السياسية الذي تجسد مرار في الشارع التونسي بمظاهرات ومسيرات للطرفين وتصريحات واتهامات متتالية، يترقب الشارع التونسي إجراءات فعلية وعملية تنهي الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد والتي تنذر بكارثة اقتصادية واجتماعية إن لم يتم السيطرة على الوضع و"المجازفة بقرارات وبرامج جريئة وشجاعة" لإنقاذ الموقف وفق ما أكده الخبراء والمحللون.
فبعد استشارة شعبية إلكترونية، كان الإقبال عليها محتشما وضعيفا إلى حد ما لأسباب كثيرة، رغم ما ضمته من رؤية للعديد من المجالات والنقاط اجتمع عليها الكثيرون واختلف عليها آخرون، ينتظر التونسيون حوارا وطنيا وقع الحديث عنه في محافل عدة دون التطرق لآلياتها والأطراف المشاركة فيها تفصيليا.
أعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد، في كلمة ألقاها بمناسبة عيد الفطرعن تشكيل لجنة تكلّف بإدارة حوار وطني، وقال بهذه المناسبة "ستتشكل لجنة بهدف الإعداد لتأسيس جمهورية جديدة تنهي أعمالها في ظرف وجيز"، موضحا أنه "ستتشكل هيئتان داخل هذه اللجنة العليا إحداهما للحوار". وأكد أن "المنظمات الأربع الوطنية" وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والرابطة التونسية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين، ستشارك في الحوار وسيستثنى منه "من باعوا أنفسهم ولا وطنية لهم إطلاقا ومن خربوا ومن جوعوا ومن نكلوا بالشعب".
وكان الرئيس التونسي قد أكد، خلال زيارة للوفد البرلماني الأوروبي لتونس في شهر أبريل الماضي، أن "الحوار الوطني قد انطلق فعلا وسيكون على قاعدة نتائج الاستشارة الإلكترونية، وذلك من أجل الإعداد لتنظيم الاستفتاء وإجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات". كما قام الرئيس التونسي بعدة لقاءات مع المنظمات الوطنية وعديد الشخصيات السياسية والوطنية.
وفي سياق متصل أعلن عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربالة، بداية هذا الأسبوع أن الحوار الوطني المرتقب سينطلق خلال الساعات القليلة القادمة ولن يتجاوز شهر ماي الجاري مفيدا ان الحوار لن يكون شكليّ وعمادة المحامين ستبدي رأيها وتُعبّر عن وجهة نظر أغلبية المحامين. قائلا"بالنسبة لي ما أتمسك به هو المصلحة العليا للوطن" ،مؤكدا أن الحوار الوطني المرتقب سينطلق خلال الساعات القليلة القادمة، وأضاف عميد المحامين التونسيين في تصريحات متواصلة، أن ترتيبات تنظيم الحوار الوطني قد بلغت أشواطا متقدمة، بعد انطلاقها إثر اللقاء الذي جمع مؤخرا رئيس الدولة بالعميد الصادق بلعيد.
واعتبر إبراهيم بودربالة،أن هذا الحوار "ترك المجال مفتوحا لمشاركة مختلف الأحزاب ومكونات المجتمع المدني الداعمة لمسار 25 جويلية/يوليو والتي لا تعتبره انقلابا، مع استبعاد الأطراف والأحزاب الرافضة لهذا المسار".
ودعا القيادي في حركة الشعب المساندة لقرارات 25 يوليو هيكل المكي، إلى ضرورة الحوار، مؤكدا أنّه لا يمكن إلغاء الأحزاب، قائلا في هذا السياق في تصريحات إعلامية " نحن من صنّاع 25 جويلية/ يوليو، ونحن في قلب هذا التاريخ، ونحن الطرف الذي دافع بشدة عنه، وانتقد المسار أيضًا وحذّر سعيّد من الأخطاء والمطبات التي يقع فيها المسار".
ومن جهة أخرى قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على أنّ "الاتحاد لن لا يقبل أن يكون مجرّد صورة في الحوار الوطني الذي يطرحه رئيس الجمهورية". موضحا أن "المنظمة الشغيلة لا تريد للحوار أن يكون صورة إعلامية تسوق للرأي العام وأنّ الاتحاد إذا وجد الإطار المناسب للحوار سيكون قوة خير واقتراح". كما انتقد إقرار رئيس الجمهورية التونسية أن يكون الحوار في أيام معدودة، مذكّرا بوجود عدّة هنات في النظام السياسي والقانون الانتخابي ومسائل اخرى تتطلب متسعا من الوقت، مشدّدا على أنّ الاتحاد منفتح على الإصلاح.
من جانبها أكدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، أنها ستشارك في كل ما قد يساعد على الخروج من الحالة الراهنة، في اشارة للحوار الوطني، لكنها ترفض المشاركة الصورية. وأوضح رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، في تصريحات إعلامية أن المنظمة الوطنية ستطرح تصورات بخصوص الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مفيدا أن الرابطة ستشارك في مبادرة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد شريطة أن يكون ذلك ضمن رؤية تشاركية ملزمة لكل الأطراف، ودون ضوابط معدة مسبقا، ويكون هدفها الأول الاستجابة لمطالب الشعب في دولة مدنية تضمن الفصل بين السلطات وتصون مختلف الحقوق.
ودعت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي المنظمات الوطنية لعدم المشاركة في الحوار الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية مؤخرا. وقالت في تصريحات إعلامية أن "هذا الحوار صوريا فقط، والاستفتاء هو تدليس واعتداء على الإرادة،"وفق تعبيرها. كما اكّدت أن "إجراءات الإستفتاء لم يتم الإعلان عنها بعد، ثم سيتمّ الكشف عنها في وقت قصير ليُطرح سؤال توافق او لا."
يؤكد الخبراء والمحللون أن الحوار الوطني رغم كونه لا يجمع كافة الأطياف السياسية بالبلاد إلا أنه ربما يكون خطوة إيجابية نحو انفراجة قريبة للوضع بتونس خاصة إذا ما تم الاتفاق على مخرجات واضحة بين الأطراف المشاركة مفيدين أن حضور المنظمات الوطنية يعدّ ضمانا مطمئنا للمسار الديمقراطي بالبلاد.
ومن جهة أخرى يؤكدون أن الغموض الذي يلف الحوار قبيل ساعات من انطلاقه وغياب تام لملامحه وأسماء المشاركين فيه وخارطة طريق واضحة له ونقاط أساسية لبدايته، يثير شكوكا كثيرة حول إمكانية نجاحه ومخاوف من "قرارات فردية" بعيدة عن الحوار والتشاور من شأنها أن تؤجج الوضع أكثر في البلاد الغارقة في الأزمات.