في حوار لبوابة إفريقيا الإخبارية، قدم المحلّل السياسي التونسي بلحسن اليحياوي قراءة خاصة للدستور الجديد الذي سيعرض على الإستفتاء العام بتونس في الـ 25 من شهر يوليو الجاري، معرّجا على مميزات المرحلة السابقة له منذ 25 يوليو 2021 وما سيليه على ضوء المواقف والقرارات خاصة المتعلقة بالإستفتاء عليه. كما شرح الأستاذ بلحسن اليحياوي نقاط الجدل شكلا ومضمونا في الدستور التونسي الجديد .
وهذا نص الحوار:
كيف تقيم هذا المسار منذ 25 يوليو إلى غاية الحوار الوطني والمشاركات ثم الإعلان عن الدستور الجديد؟
أهم ما ميّز هذه الفترة الإنتقالية هو الانسجام التام للرئيس التونسي قيس سعيد ثم إصراره وصرامته فيما يتعلق بكل الخطوات أو القرارات التي أعلن عنها أو اتّخذها. الرئيس التونسي منسجم تماما مع نفسه لا يتزحزح ولا يتراجع قيد أنملة عن أي قرار اتّخذه مما يعكس طبيعة شخصيته والتجربة المهمة التي امتدت طيلة سنتين منذ 2019 إلى حدود 25 جويلية/ يوليو 2021 فيما يتعلق بعلاقته بالأحزاب السياسية خاصة وبقية مكوّنات الدولة التونسية من سلط مختلفة ومكونات المجتمع المدني. أولئك الذين يدّعون أن الرئيس التونسي قيس سعيد لا يتحاور أو لا يريد الحوار هو فقط أنهى مرحلة الحوار، هو تحاور في مناسبات عديدة مع الأحزاب السياسية لكنها لم تكن وفيّة لنتائج الحوار ومخرجاته، ثم تحاور مع القضاة وهياكل القضاء أكثر من مرّة. ثم بعد ذلك مرّ إلى الإجراءات التي اتخذها والتي لم يتراجع عنها. أعتقد أن هذا هو ما يميز المرحلة ما بعد 25 جويلية/ يوليو.
الجانب الثاني، الذي أعتبره الخطأ الأكبر للرئيس قيس سعيد هو غياب التواصل مع وسائل الإعلام والاقتصار على صفحة رئاسة الجمهورية التونسية أو الخطابات، هذا الفراغ التواصلي الذي تركه الرئيس التونسي على المستوى الإعلامي سمح للإشاعات والتأويلات بالتكاثر. كما سمح لمناويئيه بالتكدس وهو ما لاحظناه مع أكثر من طرف.
في تصوري كان بالإمكان التقليل من غلواء الإشاعات التي اجتاحت البلاد في كل مناسبة والأقاويل، من النظام القاعدي الذي يريد إقراره وصولا إلى نيته حل الأحزاب و تسلطه على القضاء وغير ذلك، في النهاية كل هذا لم يحدث منه شيء كما يعلم الجميع. حسب رأيي كان الرئيس التونسي قادر على تجنّب وتجنيب الشعب التونسي كل هذه الحالة من الاضطراب والارتباك التي ميزت هذه الفترة في بعض الأحيان.
كيف وجدت أستاذ الدستور الجديد بنية وتفصيلا بأبوابه العشر وفصوله ال142، وهل استجاب لتطلعات الشعب أم كان "دستور الرئيس" كما وصفه البعض؟
فيما يتعلق بالدستور الجديد، وعلى المستوى الشخصي كنت أمني النفس بأن أتمكن من تقييمه دون أن اضطرّ إلى المقارنة مع دستور 2014 كما كنت أنتظر لحظة الإنبهار بالدستور الجديد المزمع التصويت عليه، لكن للأسف لم يرتقي عموما وشكلا إلى المستوى الذي أنتظره. في تصوّري التوطئة كانت مجانبة للصواب، الرئيس قيس سعيد أراد وضع بصمته في هذا الدستور فتلطخ الدستور بأنامله، بصماته كانت أكثر من واضحة. كان بالإمكان الاكتفاء باللمسات التي من الواضح أنه أضافها. وأخص بالذكر ما يتعلق بالبرلمان وما يتعلق بالقضاء إذا من الممكن أن يكون محلها النظام الداخلي للبرلمان وكذلك النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء أو لمختلف هياكل القضاء، وكذلك ما يتعلق بالسياحة الحزبية والنقل وغير ذلك لم يكن ضروريا أن تتناول فصول الدستور هذه المواضيع، هي مجرد ملاحظة شكلية لكنها كانت تجيب وترتقي لتطلعات الكثير التونسيين. فمقت التونسيين للبرلمان كان يتعلق أساسا بالسياحة الحزبية وسلوكيات بعض النواب في البرلمان، هنا يمكن أن ألاحظ أن الدستور استجاب بانفعالية لهذه التطلعات وهي نفس المسألة فيما يتعلق بالقضاء.
أما الدستور عموما، ميزته الأساسية التي يمتلكها أنه دستور مفتوح أي يمكن تهذيبه وتعديله ورتق خروقاته، على عكس دستور 2014 الذي كان مغلقا تماما ومن المستحيل تعديل أي من بنوده خاصة مع غياب المحكمة الدستورية. هذا الدستور مرن قابل للتعديل والتهذيب والجميع يستطيع المشاركة في ذلك، مجلس النواب ورئيس الجمهورية ومجلس الأقاليم والمحكمة الدستورية أيضا موجودة للنظر في التعديلات المقدمة وبالتالي هذا الدستور قابل للتطوير وهو أمر إيجابي ومرضي للغاية.
ففرنسا مثلا دستورها استقر في الجمهورية الخامسة، نحن في تونس أمام الدستور الثالث أو الرابع إذا اعتبر دستور 2009 دستورا جديدا لكنه ليس كذلك بل تعديل للبنود. هذه المحاولة الثالثة وبالتالي لنتحدث عن تعديل بنود هذا الدستور كتعزيز السلطة الرقابية على أعمال رئيس الجمهورية بصورة أو بأخرى، لأنه المطعن الأكبر في هذا الدستور، ما يمكن تلافيه. إضافة إلى ذلك تنزيل الدستور للتطبيق في المستقبل القريب أو على المدى المتوسط أو سيبقى حبرا على ورق كدستور 2014، ذلك ما سيمنح الدستور قيمته بتنزيله وتطبيقه وتفعيله من خلال القوانين والممارسات السياسية.
تطلب الأمر صراحة أكثر من قراءة شخصية والاستماع لمختلف الآراء خاصة منها آراء المعارضين لمسار 25 جويلية/ يوليو للانتباه ربما لبعض الهنات التي وردت في هذا الدستور. وفي النهاية الفكرة الأساسية بالنسبة لي هو مرونة هذا الدستور و إمكانية تطويره وتعديله وتهذيبه وهي ميزة مهمة جدا في تصوري.
هل لنا بقراءة خاصة للفصول المثيرة للجدل؟
لعل أحد أكثر الفصول التي أثارت الجدل في تونس هو الفصل الخامس، الذي يتعلق بمقاصد الإسلام التي لم يتم يسميها مقاصد الشريعة لأنها العبارة المتعارفة، ولكن مالا يدركه الكثيرون أننا نتحدث عن أرقى ما توصلت إليه الفلسفة الإسلامية أو الفكر الإصلاحي في الإسلام، نتحدّث عن مقاصد الشريعة ومقاصد الإسلام فنحن نتحدث عن ابن رشد وعن الشاطبي في مرحلة لاحقة وعن الطاهر ابن عاشور وعن الكثيرين الذين يمكن أن نسبغ عليهم صفة تنويرية دون أدنى تردّد فمقاصد الإسلام ترتقي وتبتعد كل البعد عن بعض المحاذير التي يلقي بها المعارضون جزافا من نوع الحدود أو غير ذلك. طبعا مقاصد الإسلام تختلف تماما مع الحدود لأنه يذهب إلى ما يريد الإسلام تحقيقه، هل يريد الإسلام تحقيق شيئ مخالف للإنسانية؟، بالتالي القيم الإنسانية والقيم الكونية موجودة في صلب هذا النص.
أعتقد أن هذا الفصل مهم جدا وليس مدخل كما يقول البعض أنه مدخل للدوعشة أو للإسلام السياسي والتشدد الديني والتطرف. فمن المعلوم أن الحركات الإسلامية السياسية تعادي أيضا مقاصد الشريعة بل هي تتمسك بالحرفية أو بالأصولية أساسا لأنها حركات أصولية وليست حركات تحرّرية تملك فلسفة وفكرا وإصلاحا وبالتالي تتعارض تماما مع مقاصد الإسلام ، أعتقد أنه أكثر فصل أثير حوله الجدل وهذه قراءة له.
ما رأيك في الجدل الواسع الذي أثارته كلمة طغراء رغم استعمالها سابقا في دستور الرئيس التونسي الحبيب بورڨيبة؟
بالنسبة لمسألة تمسية الطغراء، التي لديها عدّة تسميات، هي تسمية استعملت أيضا في دستور 1959. طبعا بعض التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي تداولوها للدعابة وهي عادة التونسيين وطبيعة الشعب التونسي. وأعتقد أنها مسألة لا يجب الوقوف عليها ويمكن تجاوزها لأنها تفصيل واتّخذت كطرفة وهي عبارة مستعملة وتعني شعار الجمهورية يتم استعمالها وكما قلنا استعملت أيضا في دستور تونس عام 1959 فلا أعتقد أنها تحتاج أن نطيل الكلام أو الشرح حولها.
ماهي تطلعاتكم ورأيكم في المرحلة القادمة المتمثلة أساسا في الاستفتاء على الدستور خاصة مع إعلان موقف اتحاد الشغل والعديد من الأحزاب والشخصيات السياسية؟
في تصوري، حول الموقف من الإستفتاء، يوجد موقفين لا ثالث لهما. موقف يدعو للمشاركة في الإستفتاء وبالتالي وطبيعيا بل وغالبا فهو ضمنيا يدعو للتصويت بنعم لهذا الدستور. وثمة من يدعو للمقاطعة ومن قام بالدعوة للمشاركة والتصويت بلا مثل حزب آفاق والقطب وهؤلاء لا يملكون قاعدة شعبية يمكن الإعتداد بها.
بالنسبة لموقف اتحاد الشغل هو موقف ذكي أولا على مستوى الشكل. وثانيا هو يمدّ يدا بيضاء مرة أخرى نحو رئيس الجمهورية التونسية وكما أسلفت فالدعوة للمشاركة في الاستفتاء هي ضمنيا دعوة للتصويت لصالح الدستور وليس العكس. اتحاد الشغل التونسي، هو أحد الضمانات بالنسبة للتونسيين فيما يتعلق أساسا بالحريات السياسية وهي المكسب الأكبر وربما الوحيد بالنسبة للشعب التونسي منذ ثورة 17/14 ولا يمكن لأي كان سواء الرئيس التونسي قيس سعيد أو غيره من افتكاك هذا الحق من التونسيين وفي تصوري لا يوجد أبدا خطر للاستبداد أو الدكتاتورية فالتونسيون هم الذين أحدثوا مسار 25 جويلية/يوليو ولم يكن بإمكان رئيس الجمهورية أن يقوم بهذا الأمر لوحده هو فقط شخص مفوّض استجاب للتونسيين فهم بل وجزء كبير منهم أحدث هذا المسار 25 جويلية/يوليو.
حسب تصوري لا يمكن لرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أو سواه أن ينحى نحو الديكتاتورية أو الاستبداد، سيقوم له الشعب التونسي بالنعال كما يقال، فالبنظر إلى السيرورة التاريخية التي نعيشها في تونس ليس هناك إمكانية للعودة للاستبداد فالديمقراطية هي السّمة الغالبة في تونس وهي أكثر من كونها قرار وطني سيادي، رغبة دولية أيضا من عديد الأطراف ولا يمكن السماح بأن ترتدّ الحالة الديمقراطية في تونس إلى الوراء.