في الوقت الذي مازالت فيه قضية تسليم المواطن الليبي، أبوعجيلة مسعود المريمي،للولايات المتحدة والتي أثارت جدلا كبيرا في الاوساط الليبية،وتصاعد معها الغضب الرسمي والشعبي،تستمر حالة الإنفلات الامني مع إستمرار مسلسل الاقتتال في مدن ليبيا،نتيجة انتشار السلاح والمليشيات وسط غياب سلطة الدولة.
في مدينة صبراتة الساحلية،اندلعت اشتباكات عنيفة، بين قوات جهاز إنفاذ القانون التابع لحكومة الوحدة الوطنية، وكتيبة "البراعم" التابعة لأحمد الدباشي الملقب بـ"العمو "، المطلوب دوليا بتهم المتاجرة في البشر،ما أسفر عن سقوط قتيلين وإصابة العشرات، بالإضافة إلى تعذّر إقامة صلاة الجمعة في عدة مساجد، وإجلاء مئات العائلات من المدينة، وإغلاق الطريق الساحلي، وفق ما نشر جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي.
هذه الاشتباكات بالرغم من أنها توقفت نتيجة تحركات وجهود مجالس الحكماء والأعيان بمنطقة صبراتة والزاوية، والمجلس البلدي لبلدية صبراتة،والتي توجت بوقف الأعمال والمظاهر المسلحة بالمدينة،وفق ما أعلنه المجلس البلدي بصبراتة،فقد طرحت تساؤلات حول استمرار وجود المجموعات المسلحة في االمدينة وتأثيراتها الخطيرة.
وضع مقلق
رغم عودة الهدوء في مدينة صبراتة، (70 كم غرب العاصمة)،فإن الوضع يبقى مقلقا وخطيرا،فوجود الجماعات المسلحة التي تنتشر في المدينة،يعنى استمرار مسلسل صراع النفوذ الذي عاشت على وقعه المدينة خلال السنوات الماضية.وهو الصراع الذي يهدد بتحالفات قادمة قد تكون مع العناصر الارهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش.
هذا الأمر أكدته،المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا،التي حذرت من احتمالية عودة الجماعات الإرهابية إلى صبراتة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة.وأشارت المنظمة في بيان لها، إلى أن المصادر المطلعة تؤكد عودة الجماعات الإرهابية مؤخرا لمدينة صبراتة وضواحيها.
ونبهت المنظمة من اغتنام الجماعات الإرهابية، حالة التشظي وهشاشة النظام الأمني، بالمنطقة الممتدة من جنزور إلى معبر رأس أجدير، لتنفيذ أعمال إرهابية تربك المشهد وتعمق الأزمة الإنسانية.وأكدت أن التحشيد والتحركات العسكرية الواسعة لطرفي النزاع في المدينة وضواحيها ستؤدي إلى خسائر بشرية غير محدودة، وبخاصة مع انتشار السلاح على نحو واسع.
ومنذ مطلع العام الجاري،تصاعدت التحذيرات من خطر تنظيم "داعش" في مدينة صبراتة،خصوصا بعد رصد تحركات علنية لعدد من عناصره بالمدينة صبراتة،كما شهدت المدينة سلسلة من عمليات الاغتيال،أبرزها جرت نهاية شهر مايو 2022، حينما أطلق مجهولون النار على المغني الليبي أحمد بحور، لدى وجوده أمام منزله، ليردوه قتيلًا، قبل أن يلوذوا بالفرار.وأتهمت حينها عناصر "داعش" بارتكاب الجريمة، لمواقف أحمد بحور الداعمة لحرب الجيش الوطني الليبي ضد الإرهاب والتطرف.
تحالفات النفوذ
في مايو العام 2020،عادت الميليشيات والمجموعات المسلحة للسيطرة على مدينة صبراتة،حينها بدأت عناصر "داعش" في الظهور مجددا في المدينة،بعد طردها عدة مرات منذ عام 2014،وارتفعت معدلات الجريمة والسطو المسلح والاغتيالات بالمدينة،وتم رصد نشاط عناصر لـ"داعش" شديدي الخطورة في صبراتة، على رأسهم عبدالحكيم المشوط، الذي يعد زعيمًا للتنظيم في المدينة.
التحالف بين المليشيات وعناصر داعش ليس بجديد،فميليشيا "العمو" أكبر ميلشيا رئيسية في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين إلى أوروبا،التي يتزعمها احمد الدباشي المعروف بلقب "العمو"،دخلت في تحالف مع العناصر الارهابية في العام 2017،ضد غرفة عمليات مكافحة ومحاربة تنظيم داعش المنطقة الغربية التابعة لحكومة الوفاق حينها.
ويُمثل استمرار وجود المجموعات المسلحة، وتكرر الاشتباكات مزيدًا من التعقيد على المشهد في صبراتة، خاصةً وأن العناصر الارهابية،تتعامل مع هذه الصراعات المسلحة، على أنها فرصة حقيقة للحفاظ على وجودها.ويسعى عناصر "داعش" لفرض تحالفات مع هذه الجماعات المسلحة ودعمها،ما سيساهم في تقوية شوكتها وعودتها الى المشهد.
"داعش" في صبراتة
ومثلت مصراتة هدفا رئيسيا لتنظيم داعش الذى سعى منذ تواجده في ليبيا الى السيطرة على المدينة في اطار خطط انتشاره وتمدده في البلاد.ففي 10 ديسمبر 2015،أعلن التنظيم أن صبراتة إمارة إسلامية وعاصمة له في ليبيا.وكانت المدينة شهدت قبل ذلك بساعات استعراض أرتال عسكرية قوامها 30 آلية مسلحة، ورفع خلالها المسلحون الرايات السوداء.وفي 19 ديسمبر 2015،قام عناصر من تنظيم داعش، بتفجير مبنى الاستخبارات في مدينة صبراتة ما أدى إلى إصابة شخصين.
وفي مساء 23 فبراير 2016، قام 200 مقاتل من عناصر "داعش" بالسيطرة على وسط مدينة صبراتة لساعات، حيث احتلوا مركز الشرطة الرئيسي في المدينة، وقتلوا 12 شرطيا وقاموا بمراقبة هويات المواطنين في الشوارع، بحثا عن شرطيين وعسكريين لقتلهم، حسبما تؤكده الشهادات.
انحسر وجود "داعش" في صبراتة منذ،أكتوبر 2017،حين أعلنت غرفة عمليات محاربة تنظيم "داعش"، التابعة لحكومة الوفاق، عن طردها لقوات أحمد الدباشي، على خلفية اشتباكات بدأت في سبتمبر 2017،وتسبب تراجع نفوذ المليشيات حينها في تراجع وجود عناصر "داعش" المتحالفة معها.
لكن في العام 2020،عاد الحديث عن عودة داعش للظهور في مدينة صبراتة غربي ليبيا تحت غطاء ميليشيات طرابلس،التي سيطرت على مدن الغرب الليبي،بعد انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي.وقامت المليشيات باقتحام السجون واطلاق سراح الكثير من العناصر الإرهابية قيادات التنظيم ممن كانوا محتجزين.
لماذا صبراتة؟
تمتلك مدينة صبراتة موقعا استرتيجيا، كما أنها تُعتبر عصب المنطقة الغربية في الأراضي الليبية. وتتضمن المدينة الساحلية منطقة مليتة الغنية بالغاز ومركز إنتاج الغاز الذي يُصدّر لأوروبا.وتأتي الأهمية العسكرية والاستراتيجية والجغرافية للمدينة لموقعها على الخط الساحلي الرابط ما بين الحدود التونسية وطرابلس، بالإضافة لوجود ميناء مهم على البحر الأبيض المتوسط.
وتعد مدينة صبراتة، التابعة، في تقسيمات تنظيم "داعش" للبلاد، إلى "ولاية طرابلس"، مركزا للتجمع والتدريب لدى قادة الدواعش، والانطلاق منها إلى مدن أخرى أهمها العاصمة نفسها.فالمدينة الواقعة بمنتصف الطريق بين طرابلس والحدود التونسية، كانت بمثابة قاعدة إستراتيجية لتنظيم "داعش" في ليبيا،عقب سقوط مواقعه في سوريا.
سيطرة "داعش" على صبراتة، تعني سيطرته على الغاز، بينما توسعه أكثر يعني وصوله إلى تونس وتنفيذ عمليات كبرى،ونستذكر هنا الغارة الأميركية التي قتلت 40 شخصا، معظمهم تونسيون وكانوا يخططون لإقامة إمارة في بنقردان.كما سيسعى التنظيم لاستغلال الخلافات بين الفرقاء للقيام بعمليات إرهابية للسيطرة على المنطقة بكاملها لاحقا.