شهدت ظاهرة الإرهاب خلال الفترة الماضية، تحولات جعلتها أكثر تعقيدًا، سواء من حيث الهيكل التنظيمي والقيادي للجماعات الإرهابية، أو فيما يتعلق باستراتيجيات مكافحتها، أو ما يرتبط بمركز الثقل Center of Gravityالخاص بهذه الجماعات، حيث تزايدت مؤخرًا في عدد من دول إقليم الشرق الأوسط، حالات الكشف عن جماعات إرهابية لا ترتبط تنظيميًا أو فكريًا بتنظيم القاعدة، أي أنها "غير قاعدية"، وتتبنى استراتيجيات إرهابية لأسباب سياسية أو دينية أو إثنية. كما تتسم هذه الجماعات بأنها بدون قيادةLeaderlessفكرية أو عملياتية يمكن تتبعها، أو ترقبها، ولا يزال عدد الضحايا البشرية من هذا النوع من الإرهاب محدودًا مقارنة بالموجات السابقة من الإرهاب.

 
خصائص متعددة
 
يلاحظ أن التحول في ظاهرة الإرهاب، صاحب تحولات تشهدها دول الإقليم، فمن ناحية، بدا ملفتًا ارتباطه بارتفاع معدلات التنمية، والاستخدام المكثف للإنترنت والهواتف الذكية، والذي يعد أحد المُحفزات الرئيسية على انتشار هذا النوع من الإرهاب، لا سيما في دول الخليج التي تعد من أكثر الدول تقدمًا في هذا المجال، فضلا عن احتفاظها بمعدلات تنمية مرتفعة، وهو ما يمكن أن يجعلها، مستقبلا، بيئة ملائمة لهذا النوع من الإرهاب. ومن ناحية ثانية، ينتشر هذا النوع  في الدول التي تمر بمراحل انتقالية معقدة، مثل مصر، وفي الدول التي تمر بأزمات سياسية حادة، علي غرار البحرين.
 

ويمكن القول، إن هناك مجموعة من الخصائص التي تميز هذا النمط من الإرهاب مقارنة بالجيل الأول من الإرهاب والذي  يعبر عنه نموذج القاعدة الأم، وبالجيل الثاني الذي تمثله نماذج جماعات القاعدة المحلية، والتي احتفظت جميعها بهيكل تنظيمي عنقودي واضح، وقيادة واحدة تصدر الأوامر، ومجلس شورى، ولجان متعددة، ومجموعة من القيادات العملياتية المسئولة عن المناطق والخلايا، وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:
 
1- 
شبكة تفاعلات مسطحة Flat Network، تتألف من عدد محدود من الأشخاص تربطهم صلات عائلية أو صداقة، ولا يوجد هناك قائد عملياتي واحد أو قائدأيديولوجي واحد، وتتسم عملية صنع القرار داخلها بأنها ذات طابع جماعي وفيها قدر من المساواة بين الأعضاء، وعادة تتشكل هذه الشبكة من خلال مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي، وتخلق شبكات يصعب تتبعها.
 
2- 
محلي النشأة Homegrown،فالأفراد المنخرطون في هذا النمط من الإرهاب ليسوا "أجانب" أو "مهاجرين"، وإنما مواطنين طبيعيين نشأوا في الدولة، ولسبب ما قرروا أن يصبحوا أكثر راديكالية تجاه هذه الدولة التي نشأوا فيها وينتمون إليها.
 
3-  
لم يتم تجنيدهم بطريقة نظامية Structured،كما لم يتخرجوا من المدارس الدينية، أو مخيمات التدريب، حيث حدث تحول في فكر هذه العناصر من خلال المدونات الجهادية، والمواقع الإرهابية، وعبر الدورات التدريبية المتاحة على الإنترنت حول كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية محدودة النطاق، أي أنهم اعتمدوا على "التعلم الذاتي". ولذا أحيانًا لا تتمتع هذه العناصر بمهارة كافية لتنظيم أو تخطيط أي تفجيرات أو عمليات.
 
4- 
مرفهون اجتماعيًا،حيث ينتمي معظم هؤلاء إلي الطبقة الوسطى، فهم غير فقراء، ولا يوجد قانون محدد فيما يتعلق بالعمر، أو الجنس، ومعظمهم لم يتخرجوا من جامعات دينية، بل تخرجوا من جامعات ذات طبيعة مهنية.
 
5- 
غير منعزلين عن مجتمعاتهم،فعلى خلاف الطبيعة الانعزالية التي ميزت جماعات الإرهاب التقليدية، خاصة إرهابيي القاعدة، وكونهم منعزلين في مكان ما جغرافيًا عن الإعلام وعن المراكز الحضرية في الدولة، وعن أسرهم وعائلاتهم، فإن العناصر المعبرة عن هذا النوع الجديد من الإرهاب، تتفاعل بصورة مستمرة مع المجتمع المحيط بها، وهذا التفاعل هو الذي يزيدها راديكالية، ويخلق نوعًا من العزلة بينها وبين المجتمع ويجعلها أكثر عداء له، خاصة مع تعرضها المستمر لأيديولوجية الإرهاب، التي تخلق مع مرور الوقت تسامحًا مع الفعل الارهابي حتى ضد الدولة التي نشأوا فيها، وهذا ما سهلته وسائل الاتصال الحديثة.
 

نمطان رئيسيان:
 
إن ما يميز هذا النمط من الإرهاب أنه ذو طبيعة عملياتية Operationalوليس ذا طبيعة أيديولوجية، ويمكن التمييز بين نوعين رئيسيين على النحو التالي:
 
1- 
الذئب الوحيد lone wolf، وهو يتصرف بصورة فردية من الناحية العملياتية، حيث يمكن أن يخطط الهجوم بمفرده بعد أن يطور أيديولوجية خاصة به تجمع بين مشاعر عدم الرضا والإحباط وأهداف دينية وسياسية واجتماعية، ويستند إلى مجتمعات ذات معتقدات توفر شرعية ما لأفكاره، وعادة ما تتألف هذه المجتمعات من حركات متطرفة.
 
2- 
الخلايا الصغيرة Micro Cells،وتتألف من عدد محدود من الأشخاص تربطهم علاقات ثقة، وتجمعهم أيديولوجية خاصة بهم تستند لأساس ديني أو إثني، أو أيديولوجية محددة، أو الإيمان بقضية ما، وتكون عملية صنع القرار فيها عملية جماعية.
 
    
ويلجأ هذا النوع من الإرهاب إلى تكتيكات غير تقليدية، خاصة في حالة "الذئب الوحيد"، ولا يوجد حد أقصى لمستوى العنف الذي يمكن أن يعتمده عناصره، خاصة وأنهم لا يهتمون بتكوين أتباع أو متعاطفين معهم، بخلاف تنظيم القاعدة، كما أن هذا النمط لا يلجأ لاستخدام الإعلام من أجل الانتشار، أو كسب التعاطف، كما كانت تفعل القاعدة.
 

إشكاليات المواجهة:
 
 
يعد الإرهاب بدون قائد، من الظواهر التي يصعب مواجهتها، وهي أكثر قدرة على البقاء والاستمرار، ويعتبر مركز  الثقل  Center Of Gravityلبقاء هذا النوع من الإرهاب هو الأيديولوجية التي يتم تبنيها, والتي تجمع بين البعد الديني، ومشاعر عدم الرضا، لأسباب إثنية أو طائفية. كما عادة ما يصعب تتبع هذا النوع من الإرهاب، حيث تكون شبكة التفاعلات في حالات "الخلايا الصغيرة" خفية، وتزداد هذه الصعوبة في حالة "الذئب الوحيد"، حيث لا توجد جماعة يمكن تتبعها، أو وسيلة للكشف عن العمليات قبل تنفيذها.
 
    
إلى جانب ذلك، يصعب عادة التنبؤ بظهور هذا النوع من الإرهاب في الدولة، أو توقع انتشاره فيها على نطاق واسع، خاصة في حالة "الذئب الوحيد"، الذي لازال ظاهرة مرتبطة بالمجتمعات الأوروبية والأمريكية بالدرجة الأولى، في حين تعد "الخلايا الصغيرة" أكثر احتمالية، خاصة وأن مصر قد رصدت في الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013، تشكل العديد من هذه الخلايا، كما أن البحرين والكويت شهدتا تشكل خلايا قريبة من هذا النوع من الإرهاب من قبل أفراد ينتمون للطائفة الشيعية، ويتبنون أهدافًا سياسية محددة.
 

ورغم وجود توجه إقليمي مؤخرًا لتطوير آليات لمكافحة الإرهاب، بدعم روسي ما، إلا أن الإشكالية ستظل مرتبطة بصعوبة التعامل مع الإرهاب بدون قيادة، وهو ما يتطلب تطوير عدد من الاستراتيجيات "غير الأمنية" الخاصة بمكافحة هذا النوع من الإرهاب، والتي يمكن تقييمها في إطار التحولات التي تشهدها دول الإقليم، ومنها الاهتمام بالبعد الفكري في محاربة الإرهاب Over-Intellectualizing، واستراتيجية السيطرة الاجتماعية على الإرهاب Social Control، من خلال الاهتمام بالسياق المشجع على نمو الإرهاب، فـ"الأمننة" الزائدة Over-Securitization في التعامل مع الإرهاب، والتسييس الزائد Over-Politicization  يغفل البعد المجتمعي الذي يساعد على انتشار هذه الظاهرة، والمرتبط بصورة رئيسية بالتعليم، وبقدرة الفرد على التعليل المنطقي Logical Reasoning لمواقفه الدينية.

 

(*) باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية  إيمان رجب