في إطار الزيارة التي يؤديها عضو لجنة الحوار عن البرلمان الليبي المعترف به دوليا، الدكتور أبو بكر بعيرة خلال هذه الأيام إلى تونس، كان ل"بوابة إفريقيا الإخبارية" لقاء خاصا مع هذه الشخصية السياسية و الأكاديمية الليبية التي جمعت بمدينة طبرق خلال شهر أغسطس 2014 البرلمان الليبي المنتخب في ظل وضع داخلي متأزم الأفق و معقد التفاصيل و التشابكات أمنيا و سياسيا و اجتماعيا شهدته الجارة الليبية و مازالت طيلة السنوات الأخيرة.
الدكتور أبو بكر بعيرة فتح صدره ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" و تحدث عن كل ردحات و تشكلات الأزمة الليبية الراهنة في ظل فوضى السلاح و العنف و في ظل فوضى الأوطان، مشددا في المقابل على أن المحنة التي تعيشها بلاده على قاب قوسين أو أدنى من الإنفراج مؤكدا أن الحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة سينجح قريبا جدا (في إشارة إلى حوار الثامن من يونيو المقبل بالصخيرات) في وقف تناحر الأشقاء في وطنه و في تفريج كربة الليبيين.
بعيرة عرج كذلك على عدة ملفات حارقة تهم العلاقات التونسية الليبية و ملف المختطفيين التونسيين، مواطنين و صحفيين، من قبل المجموعات المسلحة و الخارجة عن الشرعية في القطر الليبي و غيرها من القضايا الساخنة الأخرى التي تجدون كل الإجابات عنها في الحوار التالي.
بداية في أي إطار تتنزل زيارتكم إلى تونس؟
نحن في زيارة إلى تونس في إطار استمرار الحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة. الحوار في مراحله الأخيرة و نتوقع صدور الوثيقة النهائية له في غضون أيام. و لضمان صدور هذه الوثيقة في شكلها الصحيح حضرنا إلى هنا كلجنة حوار تمثل مجلس النواب الليبي و ذلك للحديث مع المندوب العام للأمم المتحدة حول بعض النقاط التي نرى أنها قد تثير إشكالية في الوثيقة النهائية.
تناقشنا مع المندوب العام للأمم المتحدة حول بعض النقاط في الوثيقة القادمة للحوار الليبي. علما و أنها لن تختلف كثيرا عن نظيرتها السابقة إلا من جانب إجراء بعض التعديلات عليها.
هل ستتضمن هذه الوثيقة حلولا عملية لإنهاء الأزمة الليبية؟
هذه الوثيقة هي حل للإشكال السياسي القائم في ليبيا المتمثل في انقسام الدولة الليبية و وجود حكومتين و هيئتين تشريعيتين متنافستين في ليبيا و الوثيقة النهائية للحوار تعمل على حل هذا الإشكال و على توحيد ليبيا.
و ماذا عن حضور الأطراف الليبية المتهمة بالإرهاب في هذا الحوار؟ بمعنى هل هذه الأطراف معنية بالمشاركة في الحوار الليبي؟
الحوار الليبي تكون من مجموعة من المسارات من أهمها المسار السياسي و نحن ندعمه. كما توجد مسارات أخرى لهذا الحوار من بينها المسارين العسكري و الأمني، حيث ستكون هناك لقاءات بل ربما يمكن القول إنها بدأت فعلا بين الأطراف العسكرية المتنازعة بما فيها "فجر ليبيا" بقصد تحييد السلاح و منح فرصة للسياسة و الحوار حتى يلعبان دورهما في حلحلة الإشكال القائم في ليبيا.
و لكن هل ستشارك هذه الجهات في صياغة المشهد السياسي المقبل في ليبيا؟
هناك شخصيات سياسية أفسدت الحياة السياسية في ليبيا. و بالتالي لا نتمنى أن تطل علينا هذه الشخصيات برؤوسها من جديد لأننا نريد خلق مجتمع جديد يسوده الوئام و التوافق كما تسوده مصلحة التوافق قبل أية اعتبارات أخرى. هناك شخصيات سياسية لا نريد منها ظهورا جديدا و قد وضعنا شروطا صارمة لتولي مناصب الحكومة الليبية الجديدة من أهمها ألا يكون المنتمون إليها ممن لهم علاقة بالميليشيات أو بالأحزاب السياسية السابقة خلال السنوات الأخيرة. و هذه الشروط هي أكثر صرامة حتى من الشروط التي وضعناها بالنسبة للذين كانوا ينتمون إلى نظام القذافي.
و هل أن حظوظ إنهاء أزمة بلدكم عبر الحل السلمي تبقى قائمة بنظركم؟ و هل توجد بوادر مشجعة في هذا الخصوص؟
نحن نريد حلا سياسيا و تحييد الأطراف العسكرية حتى لا تؤثر في الحوار الليبي. نتائج الحوار مشجعة و المواقف تغيرت و العنوان الرئيسي للمرحلة المقبلة في ليبيا هو وجوب إجراء تنازلات من أجل مصلحة الوطن و من أجل المواطنة.
هل هذا يعني أن الأزمة الليبية على وشك الحل فعليا خلال الفترة القريبة القادمة؟
الأزمة الليبية على وشك الحل خلال أسابيع. هناك حلا مرضيا قريبا من شأنه إيقاف الاقتتال و التوصل إلى تشكيل حكومة وفاق وطني مقرها طرابلس و كذلك تشكيل جيش و شرطة وطنيين و الاعتراف بالبرلمان الليبي المنتخب كسلطة تشريعية وحيدة في البلاد و خلق جسم جديد يسمى مجلس الدولة تنضوي تحت رايته بعض الأطراف السياسية التي لا تزال تريد أن تلعب دورا سياسيا في الساحة الليبية.
و ماذا عن حجم توفر الدعم المقدم من طرف المجتمع الدولي لإنهاء التقاتل في ليبيا؟
هم يقفون معنا بشكل كبير و كلهم داعمون لعملية الحوار. هناك خطوات مهمة سيتخذها المجتمع الدولي في شأن الوضع الليبي قريبا.
هل من أسماء معينة تم الاتفاق عليها لتشكيل حكومة الوفاق الوطني؟
هناك مقترحات و لكن هذه الأسماء لم تطرح بشكل رسمي على طاولة الحوار. و بالتالي، فكل ما يتم تسريبه الآن يدخل في خانة الإشاعات.
و هل من الوارد أن تضم حكومة الوفاق الوطني شخصيات ليبية عملت مع نظام معمر القذافي؟
حتى الآن لم يتم تقديم أسماء. سنتناقش في هذا الأمر خلال جلسة الصخيرات التي سيتم عقدها يوم 8 جوان المقبل.
يعني عودة رموز النظام السابق للمشاركة في المشهد السياسي الليبي المقبل تبقى ممكنة؟
الحظر سيشمل فقط كل من تورط في ارتكاب جرائم ضد الدولة و الشعب الليبيين. من لم يجرم في حق الشعب الليبي يعتبر مواطنا ليبيا و من حقه الالتحاق بالخارطة السياسية الليبية المقبلة.
هل من تفاصيل تقدمونها حول ملف المواطنين التونسيين المختطفين في بلدكم؟ و هل من جديد في هذا الغرض؟
العملية تمت في غرب ليبيا الذي تسيطر عليه المليشيات الخارجة عن السلطة الشرعية في البلاد. و بالتالي، فمن الصعب جدا توفر أية معلومات لدينا من خلالهم. نحن نعتبر أن كل ما يقومون به غير شرعي و غير جائز لأنه حتى في حالة وجود خلاف مع دولة أخرى لا يمكن أن يتم اختطاف مواطن من مواطنيها جاء إلى ليبيا بغاية طلب الرزق. نحن نعتقد أن عملية الاختطاف وسيلة ضغط على الدولة التونسية، لا سيما و أنهم مارسوا مثل هذه الممارسات على الأردن.
تقصدون أن عملية اختطاف المواطنين التونسيين كانت غايتها الضغط على تونس لإطلاق سراح أحد قيادات تنظيم "فجر ليبيا" المتواجد حاليا بالسجون التونسية؟
أجل هي محاولة ضغط من "فجر ليبيا" لتحقيق مطالب معينة و هذا الأمر غير مقبول لأن الأهم في السياسة هو العلاقات بين الدول.
هل من الممكن أن تتم لا قدر الله تصفية بقية المحتجزين التونسيين في طرابلس من قبل تنظيم "فجر ليبيا" حسب ما يخشاه عدد من التونسيين في رأيكم؟
لا أعتقد ذلك. الأمر ليس سوى مناورة سياسية لتحقيق مطالب معينة بالضغط على السلطات التونسية.
هل تمثل حكومة غرب ليبيا تهديدا للأمن القومي التونسي في تقديركم؟
علاقة ليبيا بتونس هي علاقة تاريخية و أزلية متجذرة و لا يمكن لأحد تهديد هذه العلاقة. قد يكون هناك تشويشا على العلاقات الليبية التونسية لكنها تبقى قائمة لأنها علاقات تاريخية بين الشعبين و يجب إبعادها عن التأجيج الإعلامي لأنه يضر بمصلحة الشعبين.
هل يمكنكم تقديم معطيات حول مصير الصحفيين التونسيين المختطفيين في ليبيا منذ أشهر؟
علمت بهذه القضية خلال شهر سيبتمر 2014 من طرف وزير خارجيتكم وقتها و كان ذلك خلال اجتماع للأمم المتحدة في نيويورك. و عندما عدت إلى ليبيا تقصيت حول هذا الأمر و فهمت أنه تم إيقاف الصحفيين في منطقة الهلال النفطي للتثبت من هوياتهما و بعد ذلك تم إطلاق سراحهما فواصلا الرحلة لزيارة البرلمان في شرق ليبيا. و خلال مرورهما بالقرب من مدينة درنة الخاضعة لسيطرة المتطرفين منذ سنتين تم اختطافهما هناك. أقول أيضا إنه لا يوجد أي دليل مادي على مقتلهما رغم التصريحات الأخيرة الصادرة حول هذا الأمر. الحكومة قبضت على بعض الإرهابيين الذين أدلوا بهذه الاعترافات و لكن قد تكون هذه الاعترافات تهدف لخلط الأوراق، لأنه ما لم نجد دليلا ماديا في شكل جثة يثبت مقتلهما، فإن هذا الأمر يبقى مجرد تكهنات و آمل أن تتمكن أسرتاهما من اللقاء بهما أحيانا في يوم ما.
تقصدون أن احتمال الحياة يظل قائما في ملف الصحفيين؟
هما في دائرة المفقودين حاليا و ليس في دائرة الأموات. قد يكون خبر مقتلهما نوعا من التخويف لتونس لإعادة ترتيب الأوراق. أنا كنت في تونس منذ شهرين و التقيت بوالد أحد الصحفيين المختطفين و قمت بطمأنته و قلت له إن هذا الوضع يخرج عن سيطرة الدولة الليبية لأن المواطنين الليبيين بدورهم يتعرضون للخطف. نحن نأمل أن يكون الصحفيان أحياء.
محامي البغدادي المحمودي بتونس أكد تعرض منوبه إلى التعذيب بالسجون الليبية في حكومة الغرب، ما تعليقكم؟
السجن الذي يوجد فيه البغدادي المحمودي يقع تحت سيطرة مليشيات خارجة عن سلطة الدولة و نحن كبرلمان و حكومة شرعيان لا نعرف أي شيء عن هذه المسألة. نتمنى ألا تكون هناك ممارسات خاطئة ضد من يجري حجزهم أو حبسهم و يجب أن تتم معاملة هؤلاء وفقا لصحيح القانون.
و ماذا بشأن ملف سيف الإسلام القذافي في ظل رواج أخبار عن تهريبه منذ فترة من سجون الزنتان إلى دولة إفريقية مجاورة وفق ما أعلنته بعض الجهات؟
هو موجود بالزنتان و يحاكم عن طريق المليشيات الخارجة عن الشرعية. أستبعد أن يكون تم تهريبه و يوجد صراع بين بعض الأطراف الليبية و أطراف من الجنائية الدولية بخصوص تحديد مكان محاكمته و لم يتم إلى حد الآن التوافق بخصوص ذلك.
ما تعليقكم على تصريحات عمر القويري التي هدد فيها رئيس الجمهورية التونسية و قبلها حين هدد بقصف معبر راس جدير و تحدث عن إمارة إسلامية بالشعانبي؟
تصريحات القويري أتت ردا على تصريحات من الجانب التونسي. نحن لا نريد أن يتصيد المسؤولون في كل من ليبيا و تونس المواقف لبعضهم البعض بل نريد منحهم فرصة في سبيل مصلحة الشعبين الليبي و التونسي. نحن يجب أن نتغاضى عن الأخطاء.
يوجد الآلاف من الليبيين في تونس و بلادكم مشكورة لأنها فتحت أبوابها لهم. و لذلك لا بد من النأي بالعلاقات الليبية التونسية عن الخلاف الإعلامي بغض النظر عمن بدأ بالخطأ أولا. المهم أن نطفئ هذا الحريق الذي يظهر من حين إلى آخر و أنا شخصيا أوصلت الرسالة إلى رئيس الوزراء الليبي و هو تفهم الموضوع، كما أنه مع تهدئة الأوضاع و عدم توسيع الخلاف.
العلاقات الليبية التونسية تاريخية و أزلية كما قلت لك و لن تؤثر فيها الخلافات العارضة و كل ما أتمناه من المسؤولين في البلدين وضع مصلحة شعبيهما فوق كل اعتبار و الابتعاد عن التأجيج الإعلامي و صب الزيت على النار و على الإعلام أن لا ينخرط في هذه المعركة.
تعتبر بعض الأطراف أن حكومة طبرق حكومة شرعية و منتخبة و لكنها لا تحكم ميدانيا أي على الأرض وفق كلامهم، ما رأيكم؟
حدث انقسام في ليبيا. ما قامت به مليشيات "فجر ليبيا" هو انقلاب مسلح ضد الشرعية التي تمثلت في الانتخابات الصحيحة للبرلمان. الأطراف الليبية ذات التوجه السياسي الإسلامي لم تحصل على مقاعد مرضية في الانتخابات بسبب تجربتها السابقة في المؤتمر الوطني و عدم رضى المواطنين عن أدائها. و بالتالي قامت هذه الأطراف بانقلاب على الشرعية و كان أول تصريح لهم وقتئذ هو أنهم لن يعودوا عن أعمالهم العسكرية إلا إذا تم حل مجلس النواب و هذا الأمر غير مقبول و هو ما أدى إلى انقسام البلاد حتى الآن.
هل ستلتقون بممثلي السلطات الونسية الرسمية و على رأسهم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي خلال هذه الزيارة؟
هذه زيارة خاصة بالحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة و نحن نعتبر أنفسنا في ضيافة الدولة التونسية، و لكن ليس في مخططي إجراءمقابلات مع جهات رسمية تونسية. كذلك نحن نشكر السلطات التونسية على مواقفها الداعمة لليبيا و مساعدتها على تجاوز المحنة. العلاقات التونسية الليبية ستظل شامخة إلى الأبد رغم كيد الأعداء و الحاقدين.
و ما موقفكم من المبادرة التونسية لحلحلة الأزمة في بلدكم؟
حكومة تونس في موقف حرج لأنها تحاول مسك العصا من الوسط بين الحكومتين الليبيتين و سيكون من حقها اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا في حق الشعب الليبي و لو أننا في البرلمان الليبي نتمنى أن تنضم تونس إلى المجتمع الدولي في اعترافه بشرعية الحكومة المنبثقة عن البرلمان. و لكننا نترك حرية اتخاذ القرار للمسؤولين التونسيين بما يرونه مناسبا لوطنهم. كذلك نحن نثمن مرة أخرى دعم تونس و احتضانها للنازحين الليبيين، فتونس كما أراها أصبحت تمثل الرئة التي يتنفس منها الشعب الليبي حاليا.
كيف تقيمون موقف الجزائر من الأزمة الليبية؟
أرى أن موقف الجزائر غير واضح في كثير من الأحيان. الجزائر وقفت ضد قرارات الجامعة العربية التي كانت لصالح ليبيا و تحفظت عليها و هذا الأمر غير واضح إلى حد الآن.