تستعد الجبهة الشعبية اليسارية في تونس لعقد مؤتمرها الوطني قبل موفى الشهر الجاري في ظل وضع داخلي اتسم بالخلافات و الاختلافات في الرؤى و التصورات بين مكوناتها الحزبية، و كذلك و سط مشهد عام في البلاد يراه اليساريون بل يصرون على أنه متأزم حتى أنهم أعلنوا أنهم لن يتوانوا في سحب الثقة من حكومة الصيد إن توفرت اللحظة السياسية المناسبة.

عن هذه المحاور و غيرها، تحدث القيادي بالجبهة الشعبية، أحمد الصديق،  في حوار ل "بوابة افريقيا الإخبارية" عرج فيه تقر يبا على كل القضايا الحارقة التي تهم تكتل اليسار التونسي و المشهد السياسي العام في البلاد.

و في ما يلي نص الحوار.

قريبا تعقد الجبهة الشعبية ندوتها الوطنية، فماهي أهم المقررات السياسية و الهيكلية و التنظيمية المنتظر الإعلان عنها؟

تجري الاستعدادات على قدم و ساق لعقد الندوة الوطنية للجبهة الشعبية التي من المفترض أن لا يتجاوز تاريخ انعقادها شهر جوان الجاري. لقد أكملنا تقريبا الندوات الجهوية في ما عدا بعض الجهات المحدودة . الندوات التي عقدناها كانت مناسبة لتعميق النقاش في المسائل السياسية و التنظيمية الذي انتهى الى جملة من التوصيات التي ستعتمدها الندوة الوطنية لصياغة القرارات  الجديدة التي تهدف الى تطوير عمل الجبهة الشعبية من حيث صلاحيات التنسيقيات الجهوية و المحلية و آليات مشاركتها في القرار، الى جانب احداث هياكل مركزية فنية لإعداد القرار و تيسير العمل الجبهوي تنفيذيا و فنيا من حيث تمثيلية غير المنتمين للأحزاب داخل الجبهة الشعبية على المستويين الوطني و الجهوي.

هل صحيح أن مكون المستقلين أو غير المنتمين للأحزاب بالجبهة الشعبية مقصى من القرار داخل مجلس الأمناء؟

المسألة لا تتعلق بالإقصاء بل بإيجاد آلية لتمثيلية حقيقية لغير المنتمين للأحزاب دون أن يتحول هؤلاء الى حزب داخل الجبهة. إذا تمت هيكلة غير المنتمين للأحزاب سيفقدون ميزة عدم انتماءهم لحزب و بالتالي سيتحولون الى حزب غير معلن صلب الجبهة الشعبية، بينما ميزة غير المنتمين و خصوصيتهم تكمنان في أنهم يريدون العمل بشكل فردي ضمن الجبهة و في نفس الوقت يريدون تمثيلية مركزية وجهوية.  التمثيلة التصاعدية من الجهات الى المركز ستؤول الى اشكالية حزبية و هذا هو الاشكال. هناك أكثر من تصور نتفاعل حوله من أجل إيجاد الصيغة الأكثر تمثلية لغير المنتمين للأحزاب و شخصيا اعتقد ان الاضافة التي يقدمها هؤلاء هامة جدا خاصة في الجهات و لا بد من ايجاد طريقة تجعل صوتهم مسموعا في مجلس الأمناء و يكون لهم دورا في اتخاذ القرار. كذلك أنوه في هذا الإطار بأن التشكيل الجبهوي معقد بطبعه و هو ليس كالتشكيل الحزبي البسيط و العادي.

هل من توضيح حول الوثيقة المسربة التي تتبنى مخطط إسقاط الحكومة؟

زوبعة في فنجان انطلقت بغاية الإثارة عبر ترويج وثيقة داخلية لا تزال في طور النقاش الأولي حول تقييم الوضع السياسي في البلاد و كيفية التعاطي معه. اعتقد ان الحملة التي صاحبت هذه المسألة ارادت التسويق لفكرة معينة هي أن الحكومة مستهدفة و ذلك لتخفيف الضغط الواقع عليها على خلفية عدم نجاحها في التقدم و لو نسيبا بوضع البلاد.

تقصدون بأن الحكومة فاشلة؟

حتى مصطلح الفشل كبير عليها. التحسن النسبي الوحيد المحقق هو في الملف الأمني الذي كنا نعتقد أن تحسنه سينعكس ايجابا على الوضع الاقتصادي و هو ما لم يحصل. الحكومة ما تزال مترددة و تقف في مفترق طرق، مرتبكة و مترددة و لا تريد تحمل مسؤوليتها في اتباع طريق محددة حتى يمكننا الحكم لها أو عليها.

الحكومة الحالية لم تفعل سوى الإنشاء و تشخيص الوضعية دون التقدم الى الامام بمعنى السير او المشي في احدى الطرقات او احدى الخيارات، إذ تراها تخطو خطوات ثم تعود الى مفترق الطريق لتعلن أنها ستعود الى طريق آخر و تكرر نفس الفعل في هذا الخصوص. نراها تفتح ملفا ضخما كملف الحوض المنجمي و تتركه مفتوحا فتعبث الرياح باوراقه، و نراها تعد لحل ملف المفروزين امنيا ثم تتراجع عما وعدت به. أيضا نرى إحدى وزاراتها تبادر بتفعيل برنامج اصلاحي ضخم ثم لا يحضر ممثلها في اشغال الجلسة الاولى لافتتاح اصلاح المنظومة التربوية. في وضع كهذا و مع سلوك كهذا حتى المعارضة لا تجد المجال لتقييم موضوعي للأداء الحكومي لأنه لا يوجد أداء أصلا.

و لكن الحكومة طالبت بهدنة اجتماعية و بعض الوقت لحلحلة الإشكاليات القائمة قبل محاسبتها، ما تعليقكم؟

من يستعمل لفظة الهدنة و يطالب بها عليه ان بعرف ان الهدنة محدوة في الزمن و هي مقابل شيء معين. هل اعلنت حكومة الصيد عن سياسة  واضحة في أي قطاع من القطاعات؟ و هل وعدت بتحقيق شيء معين مقابل الهدنة؟

الحكومة لم تعد بأي شيء و لا تتبع سياسة واضحة يمكن ان نتأمل باتباعها حلولا و لو مؤجلة للإشكاليات المطروحة. الحكومة لا تفعل سوى تكرار القول بأن امكانيات الدولة لا تسمح بالزيادة في الأجور او تحسين الأوضاع الاجتماعية و هذا الأمر يمكن قبوله شرط ان يكون مقرونا و لو على أمد متوسط ببرنامج واضح على ضوء الهدنة الاجتماعية . الهدنة الاجتماعية لها ثمنا لا تريد هذه الحكومة أن تدفعه.

هل تسعى أو ستسعى الجبهة الشعبية لإسقاط حكومة الصيد؟

ليس من مخططاتنا اسقاط حكومة تشكلت على إثر انتخابات و وفق استحقاق حكم واضح. ما نطلبه من الحكومة هو أن تتحمل مسؤوليتها و أن تنتهج سياسة واضحة و أن تحسم خياراتها ثم نحاسبها على ضوء ذلك. أما اليوم، فجرد الحساب لها أو عليها لا يوجد فيه سوى انها لم تفعل شيئا و على الحزب المتحمل لمسؤولية تشكيل الحكومة ان يتحمل مسؤوليته التاريخية في ايجاد مخرج للأزمة التي تعيشها البلاد و التي أدت الى الاختناق و تنذر بالانفجار.

من جديد ترفع الجبهة الشعبية لاءاتها ضد الحكومة حتى أنه أصبح من البديهي القول إن اليسار دائما ضد كل من يتولى الحكم و لايعجبه العجب مثلما أكد البعض؟ بماذا تجيبون؟

هذه الحكومة لا تنتقد من طرف الجبهة الشعبية فقط بل من أطراف أخرى كذلك. انتقادنا للحكومة ليس لانها اتبعت سياسة خاطئة بل لأنها لم تفعل شيئا اصلا. الموقف من هذه الحكومة لا تنفرد به الجبهة الشعبية فقط، بل هذه المرة لاحظنا استنتاجا عاما تشترك فيه قطاعات واسعة بل ان اصواتا مؤثرة و عالية من داخل أحزاب الائتلاف الحاكم سبقنا مرات عديدة في تشخيص عجز و ارتباك حكومة الصيد.

تريدون القول إن الائتلاف الحاكم ذاته غير متآلف بين مكونيه و انه يوجد تململ من الأداء الحكومي من طرف الأحزاب الحاكمة ذاتها؟

حالة التجاذب و الصراع الخفي و المعلن في بعض تفاصيله داخل الائتلاف الحاكم تعد من الأسباب التي جعلت حكومة الصيد غير قادرة على الحسم او اتباع سياسات محددة  و هذا الامر من اكبر اسباب ارتباكها و عجزها.

المسألة لا تتعلق بأننا نعارض دائما و لا يعجبنا شيئا بل المسألة تتلخص في أن هذه الحكومة هي المتفرج الأول على حالة الانهيار التي تعيشها البلاد دون أن تفعل شيئا. الجبهة الشعبية و في اللحظة التي تراها مناسبة سياسيا لن تخجل و لن تتردد في الدعوة الى سحب الثقة من الحكومة و هي الآلية الدستورية التي تسمح بتغيير أية حكومة لم تتوفق في قيادة البلاد.

يرى البعض أن نداء تونس حزب حاكم لا يحكم و ان الغنوشي هو من يدير اللعبة السياسية في تونس، فأية  واقعية لهذا الرأي؟

لست معنيا و لا مطالبا بالحكم او تقييم مدى التأثر و التأثير الحاصل بين الحزبين الكبيرين في الإئتلاف الحاكم، لكن ما أود قوله ان الحزب الحاكم يتحمل مسؤوليته تجاه منظوريه و تجاه ناخبيه و تجاه الوطن و الشعب. و ما يمكن قوله ايضا انه و بغض النظر عن المؤثر و صاحب القرار الفعلي و الذي لا اريد الخوض فيه إن المسؤولية السياسية فشلا او نجاحا يتحملها الحزب الاكثر تمثلية في مجلس الشعب و يتحملها الحزب المكلف دستوريا بتشكيل الحكومة وهو نداء تونس.

بماذا تردون على دعوتكم من طرف حركة النهضة للدخول في حوار ثنائي لحلحلة الإشكاليات العالقة؟

لسنا ضد الحوار في المطلق، فقك كان الحوار سبيلنا و انعقد بدعوة منا في السابق حتى وصلنا الى الانتخابات الفارطة. و أذكر أنه عندما كنا ندافع و ندعو الى حوار الوطني كان الذين يدعون اليه اليوم يرفضونه و يعتبرونه شكلا من اشكال الانقلاب. اما في الوقت الراهن، فعلى الاطراف التي تدعو الى الحوار، و كما قلنا في السابق، توضيح موقفها في علاقة باستحقاقات كبرى لا تزال معلقة كالمحاسبة و المكاشفة و الاعتراف العلني بالاخطاء و التجاوزات التي قامت بها و التي تركت للارهاب مرتعا في البلاد مما ادى الى الاغتيالات السياسية، إضافة الى اجهاض مسار العدالة الانتقالية و ارباك الأداء الاداري للدولة. عندما تتم المصارحة و الاعتراف وقتها يتوفر المناخ الملائم لحوار حقيقي حول الملفات الحارقة، وفي ما عدا ذلك لا نرى في دعوات الحوار الا رغبة في خنق الملفات الحارقة و طمس الحقائق  التي لا بد من المكاشفة فيها.

تحدثت قيادات جبهوية عن وجود نوايا أو محاولات لتغييب اليسار من المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة، ما تعليقكم؟

ما تستعد له البلاد في المرحلة المقبلة من تمرير تشريعات أو ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية كمجلة الاستثمارات الجديدة و اصلاح الجباية و كذلك قانون الشراكة بين القطاعين العام و الخاص تجعل من التوجه السائد خنق حضور الجبهة الشعبية اعلاميا خاصة في الاعلام المرئي و المسموع و اثارة المشاكل داخلها عبر تشجيع النزعات الانشقاقية و تغذية الخلافات صلبها.

أنباء  عن التحاق حزب التيار الشعبي بدائرة الخلافات الداخلية للجبهة الشعبية الدائرة منذ حوالي السنة بين العمال و الوطد، هل من توضيح في هذا الخصوص؟

نحن نستعد لمرحلة صعبة و نتوقع اياما عصيبة و لكننا سنخوضها بدرجة عالية من الصبر و الايمان و الوحدة و التحصن بالأرضية السياسية للجبهة الشعبية معتمدين في ذلك عملتنا الصعبة التي هي الوضوح و المصارحة و مكاشفة الشعب بالحقائق.

و بالنسبة للخلافات داخل الجبهة الشعبية، أذكر انه إذا قارنا ما عاشته الاحزاب الكبرى من خلافات قبل الانتخابات و بعدها و كذلك قبل تشكيل الحكومة و بعده بالاختلاف في وجهات النظر بين مكونات الجبهة نجد أنه مقارنة تذكر بينهما رغم ان هذه الاحزاب موحدة ، في حين اننا جبهة.

في الجبهة الشعبية، لا يخيفنا في شيء ان نكون مختلفين و لولا ذلك ما كنا جبهة، لكن أريد ان أطمئن أنصار الجبهة و من يرى فيها صمام أمان من انصارها و غيرهم ضد الاستبداد و التفريط في مقدرات البلاد بأنها موحدة، و مهما كان حجم التباينات في وجهات النظر  داخلها فهي تتوفق دائما في الاهتداء الى مواقف موحدة و الحفاظ على قاطرة المشروع الوطني الكبير الذي لن يتوقف في مسيرة البلاد من اجل وطن حر و شعب كريم.

هل تخلت الجبهة الشعبية عن ملفي شهيديها،  مثلما يعتبر البعض؟

من المستحيل أن تتخلى الجبهة عن ملف الاغتيالات. الجبهة لم و لن تتخلى عن المطالبة بكشف الحقيقة في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي. هناك لجنة دفاع تعمل على الملف من الناحية القانونية ، كما أن الوقفة الاحتجاجية الدورية متواصلة ميدانيا.
 
أما على المستوى السياسي، فنحمل الحكومة  مسؤولية كشف الحقيقة و الجبهة تختار التوقيت المناسب للضغط و المطالبة بالمحاسبة بما يخدم كشف الحقيقة في ملف الاغتيال.

هل تلمسون تقدما في تفعيل الوعود الانتخابية في هذا الملف؟

لا نلاحظ اي تقدم في إنجاز تلك الوعود التي كنا نعلم مسبقا بأنها مجرد وعود.

ما تعليقكم على حادثة اختطاف ديبلوماسيينا بطرابلس الليبية؟

ما وقع خطير و مرفوض بل مدان. عملية الاختطاف لم تقع لأول مرة بل هي تكررت في حق موظفي القنصلية التونسية بليبيا.

أما ما يمكن قوله بخصوص تعاطي وزارة الخارجية مع عمليات الاختطاف فيكمن في الآتي، و هو أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار حجم المخاطر الموجودة في ليبيا مهما كان حجم الإجراءات التي تم اعتمادها لأن تكرر عمليات الخطف و نجاحها ضد موظفي بعثتنا الديبلوماسية في ليبيا يؤدي بنا الى استنتاج واحد بأنه لم يتم اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لتفادي حدوث مثل هذه الكارثة.

نحن نفهم أن الوضع في ليبيا معقد و أن ثمن  النشاط و الحركية بالنسبة لحجم الاستحقاقات القنصلية و الديبلوماسية لتونس داخل التراب الليبي يجعل من الصعب جدا التوقي من الأعمال العدائية ضد بعثتنا هناك و لكن كل ذلك و في منطق السياسة و الأمن و الديبلوماسية لا يبرر بالمرة نجاح الأطراف المعادية في ما حصل يوم الجمعة الفارط.

هل أن غلق قنصليتنا بطرابلس أصبح ضرورة ملحة وفق ما اعتبرته بعض الجهات؟

لسنا مع قرار الغلق. كان من المفروض اتخاذ إجراءات إضافية ربما تكون مكلفة جدا للدولة من أجل تأمين البعثة الديبلوماسية في ليبيا. لا يمكن التعلل بغلاء الخدمات الأمنية و ضعف الإمكانيات.
هل تونس تدفع ثمن إحداث تمثيل ديبلوماسي مزدوج لها في الجارة الليبية؟

التمثيل المزدوج هو لخفض حدة الاحتقان في علاقة بتونس و لكن على ما يبدو أن حادثة الاختطاف التي طالت موظفي القنصلية التونسية بطرابلس مؤخرا يؤكد أن ذلك القرار لا يحل الإشكال و لا يحسننا في شيء.

متابعون يرون أنه ليس من المعقول أن تتفاوض دولة ذات سيادة مع مليشيات مسلحة مثلما حدث الأمر في عملية اختطاف موظفي القنصلية، ما تقييمكم؟

كل الدول حتى العظمى منها تضطر إلى إيجاد خيط اتصال مع الجماعات المسلحة عندما يكون أمن و سلامة مواطنيها أو موظفي بعثتها الديبلوماسية على المحك. و توجد هياكل و أدوات و كذلك تقنيات للتفاوض يمكن ان تؤدي الى نتيجة دون الاعتراف الرسمي بالجماعات المسلحة.

حتى و إن كانت هذه المفاوضات تتعلق بإطلاق سراح متهم بقضايا إرهابية و المقصود، قيادي "فجر ليبيا" وليد القليب؟

أهم شيء هو فتح قنوات التفاوض، أما ما يتم التوصل إليه عبرها فلا يجب أن يكون على حساب المستلزمات السيادية بما في ذلك المادة القضائية.
  
وضعنا و وضع خارجيتنا و الدولة التونسية لا نحسد عليه لأنه عندما يكون لديك أفراد من رعاياك لدى أطراف معادية، فمن أبجديات الأمور أن تحدث مفاوضات، ولكن نتائج هذه المفاوضات و كيفية إدارتها شأن آخر تدخل فيه المهارة و موازين القوى و الوساطات التي يمكن أن تلعب دورا في الوصول إلى نتيجة تضمن إطلاق سراح الرهائن دون الخضوع إلى طلبات تمس السيادة الوطنية.