تعيش موريتانيا منذ أسابيع على وقع أحاديث عن حوار وشيك بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وعدد من الأحزاب المعارضة التي توصف بـ«الراديكالية»، والتي قاطعت الانتخابات الرئاسية العام الماضي ودعت الرئيس في أكثر من مناسبة إلى الاستقالة بسبب مزاعم عن وجود فساد.

الاتصالات بين بعض أعضاء الحكومة وقيادات في المعارضة تحاط بقدر كبير من السرية، في حين تشير بعض المصادر إلى أنه جرت خلال هذه الاتصالات مناقشة محاور الحوار المرتقب وآليات تنظيمه، في ظل مخاوف كبيرة من فشله على غرار محاولات كثيرة سابقة لم تتجاوز مرحلة الاتصالات التمهيدية، بسبب ما يرجعه مراقبون لأزمة ثقة حادة بين الحكومة والمعارضة بدأت منذ عام 2009.

المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، واحد من أكبر أقطاب المعارضة، يضم 11 حزبا سياسيا وعدة اتحادات عمالية وهيئات في المجتمع المدني، ومع أن المنتدى هو الطرف الرئيسي في الحوار إلى جانب الحكومة والأغلبية الرئاسية، إلا أنه يبدي مخاوف كبيرة من أهداف خفية للحوار في مقدمتها تغيير الدستور لتمكين الرئيس من مأمورية رئاسية ثالثة. وهذا ما رفضه أحمد ولد داداه، الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة ورئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، حين قال إن الدستور يجب أن يبقى بعيدا عن التجاذب السياسي بوصفه وثيقة مرجعية لجميع القوانين؛ وأضاف ولد داداه في حواره مع «الشرق الأوسط» أن موريتانيا تعيش «أزمة سياسية حادة لن تخرج منها إلا بالحوار»، محذرا في نفس الوقت من «الخداع الذي أصبح نوعا من السياسة». وفيما يلي نص الحوار.

> الحديث منذ فترة عن اتصالات بين بعض أطراف المعارضة وجهات في الحكومة من أجل إطلاق حوار سياسي جديد، ما موقفكم من الحوار المرتقب؟

- لا علم لي باتصالات مباشرة مع السلطة؛ وأنا كرئيس للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وكرئيس لحزب تكتل القوى الديمقراطية لست طرفا حتى الآن في هذه الاتصالات. ولكن، من جهة أخرى، فإنني أعتقد أن الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تعاني من اضطراب وتمزق منذ حين، ويتجلى هذا الوضع في قضايا كثيرة من بينها التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وإحراق متون الفقه، بالإضافة إلى تمزق النسيج الوطني؛ وهذا ربما يكون نتيجة لشبه اندثار مفهوم الدولة، فالدولة هي النظام الأعلى للمجتمع، ولتتماشى مع مفهومها التقليدي والمعنوي يجب أن تكون أولا دولة قانون وأن تتشبث بالعدل بين الناس، وانطلاقا من هذه المفاهيم يجب أن تجد كل شريحة ويجد كل مواطن نفسه وذاته في هذه الدولة، وأن يستند عليها فيما يخص حقوقه الأساسية من قضاء وتعليم وصحة.

إذن من الأساسي أن تكون الدولة للجميع وتعكس تطلعات جميع الشرائح، وأن تكون دولة قانون وتعدل بين الناس، وهذا ما نعاني اليوم من عدم توفره في موريتانيا، على الأقل في صورة كاملة، ومما نتج عن عدم توفر هذه المفاهيم أنه أصبحت كل جهة، إن لم نقل كل شخص، تحاول أن تؤدي دور الدولة فيما يخص مصالحها وحقوقها وتطلعاتها، وهذا خطير جدا، وإن لم يتدارك في الوقت المناسب فقد يكون بداية تمزق أشنع وفتنة أكبر؛ وهو أمر شاهدناه في الكثير من دول الجوار وفي الساحة العربية؛ فمعظم الدول العربية اليوم تعاني من هيمنة جهة أو مجموعة أو شخص، وهذا طبعا يتنافى مع الدولة التي تعني العدل ولمّ شمل الناس، كما يناقض الدولة التي تأخذ بعين الاعتبار ثقافاتها، ولا أقول ثقافتها، يناقض الدولة التي توفر احتياجاتها المادية والمعنوية من تعليم وصحة وبنية تحتية، وتهتم لمكانتها بين دول العالم.

> ولكن هل ترون أن الحوار ممكن بينكم وبين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في ظل ما يقول البعض إنه «أزمة ثقة»؟

- حتى نفهم الأزمة التي تعيشها موريتانيا لا بد أن نعود لجذورها، فموريتانيا منذ أول انقلاب عسكري عام 1978. وهي مثل الكرة التي يلعب بها العسكريون ويتداولونها فيما بينهم؛ يأتي عسكري ويستعمل الدولة كآلة وكوسيلة لنفوذه الشخصي ولمحيطه وذويه، ثم يجلس ما شاء الله له أن يجلس؛ قبل أن يأتي عسكري آخر بانقلاب مماثل ليقضي فترة من الهيمنة واضطهاد الناس وقمعهم ونهب خيراتهم؛ لقد حان الوقت لتحصل موريتانيا على حقها في الاستقرار، وأن تكون دولة قانون تلبي احتياجات مواطنيها الاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية.

> الحكومة لمحت في أكثر من مرة إلى أنكم أنتم من يرفض الحوار؟

- لم يسبق أن رفضنا الحوار، بل إننا نحن من ظل يدعو لذلك طيلة السنوات الماضية، غير أن النظام هو من يرفض أي حوار جدي وشامل تسبقه ضمانات حقيقية، هو يسعى لحوارات عبثية تطيل أمده في الحكم، وذلك ما لن نقبل به أبدا.

> في الرسائل التي تبادلتها أطراف في المعارضة مع الحكومة، طرحت فكرة أن تلتقوا شخصيا بالرئيس محمد ولد عبد العزيز من أجل إعادة بناء الثقة، هل أنتم على استعداد لذلك؟

- القضايا هنا ليست شخصية، لا شك أن موريتانيا اليوم تعيش أزمة خانقة تهدد وحدتها الوطنية وكيانها كدولة مستقلة؛ في هذا السياق يجب على جميع المعنيين من سياسيي البلد، سواء كانوا في المعارضة أو في الموالاة، أن يحاولوا بكل صدق وجدية إخراج البلد من هذه الأزمة بصورة نهائية؛ وهو ما لن يتأتى إلا من خلال الوطنية والحرص على البلاد وتحقيق مستقبل أفضل للعباد، فإذا كانت هذه الروح موجودة لدى الجميع سيكون حل المشاكل أسهل.

من جهة أخرى، أعتقد أن الناس في موريتانيا مصابون بملل كبير من المناورات ومن الكلام الفارغ والخديعة التي أصبحت نوعا من السياسة؛ أما المحاولات الجارية الآن فلم تتجاوز التفكير والكلام، في حين يبقى الأمر أكثر إلحاحا وأهم من أن يؤخذ بهذه السهولة وبهذا القدر من عدم الجدية. ما أتمناه هو أن يعطي كل المسؤولين للموضوع ما يستحق من أهمية لأنه مرتبط بمصير شعب ومستقبل بلد برمته.

> لقد أبدت أطراف في المعارضة شكوكا حول نوايا النظام ورغبته في الحوار، وأبدوا مخاوف من تغيير بعض مواد الدستور المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية، هل تعتقدون أن التغيير أمر مطروح ؟

- دائما الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية والأحادية تجعل كل ديكتاتوري وكل مهيمن وكل استبدادي يميل بشكل طبيعي إلى أن يخضع له القانون وليس أن يخضع هو للقانون؛ وهي قاعدة لن يكون الدستور بمنأى عنها مع أنه يمثل القانون الأعلى في النظام الجمهوري.

أنا شخصيا أعتقد أن الدستور يمثل المرجع لجميع القوانين، لذا يجب أن يبقى بمنأى عن مثل هذا النوع من التجاذب؛ يجب ألا يكون عرضة لما تتعرض له بقية القوانين يوميا من تجاوز وازدراء ودوس عليها؛ لا ينبغي وليس من المقبول أن يصبح الدستور لعبة للاستبداد والهيمنة، وإلا فسيفقد صفته المرجعية. أنا لا أعارض بشكل مطلق تعديل الدستور إذا كانت هنالك حاجة ماسة لذلك، ولكن تعديل الدستور يجب أن يجري في ظروف معروفة تكون خالية من التجاذب السياسي وبعيدة عن أي أجواء انتخابية، لأن تعديل الدساتير في مثل هذه الأجواء قد يقود لما لا يمكن التكهن به، فإذا جرى تعديل الدستور في ظروف انتخابية وكان ذلك التغيير لصالح جهة معينة ولأسباب خاصة وليست عامة، فسيتم تغييره من جديد إذا حكمت جهة أخرى وذلك وفق ما يخدمها، ومن هنا يصبح الدستور لعبة، وهذا ليس في صالح استقرار البلد الذي يحتاج لهذه الوثيقة كمرجع يحكم الجميع.

> انتخابات كثيرة تنتظرها القارة الأفريقية، وكلها تعد محورية بالنسبة للبلدان التي ستقام فيها خاصة في الكونغو، في ظل رفض شعبي كبير لتغيير الدساتير في هذه الدول، هل يمكننا القول إن الشعوب الأفريقية استيقظت لتحكم نفسها بنفسها؟

- لا شك أن الوعي السياسي تبلور أكثر وعبرت عنه شعوب عدة في القارة بأساليب مختلفة وبتحركات كانت حاسمة في بعض الأحيان، يبدو واضحا أن الشعوب الأفريقية ملت من الأحادية ومن الاستعباد والاستبداد، وهذا ما عبر عنه شعب بوركينا فاسو، وعبرت عنه أيضا شعوب دول كثيرة أخرى بأساليبها وطرقها الخاصة.

منذ 50 سنة والأحكام العسكرية والانقلابات تتلاعب بمصالح الشعوب الأفريقية ومصالح بلدان القارة، وهذا واحد من العوامل الجوهرية التي جعلت القارة في تخلف عن الركب العالمي في الديمقراطية والنمو الاقتصادي والوحدة الوطنية؛ فما دامت فئة من الشعب لا تشعر بأنها تحت دولة القانون يخضع له الجميع؛ وما دامت الشعوب تشعر بأنه كلما «صاح فوق غصن ديك» وسيطر على الحكم بالقوة، فيبدأ محيطه في النهب والبطش والقمع كما يشاء؛ ما دامت الحالة هذه فلن تثق الشعوب في قادتها ولن تتحقق الوحدة الوطنية التي تعد مصيرية للقارة.

القارة الأفريقية تحتاج لمراجعة نفسها وأن تحبذ الحكم الرشيد، لأنه هو الذي يجمع شمل الناس وبإمكانه توفير الأمن والعدالة، ومن خلال الحكم الرشيد يمكننا توفير الاستقرار الذي من دونه لن يكون هنالك نمو اقتصادي ولا اجتماعي ولا ثقافي، ومن دونه لن يطمئن الجميع على مصالحهم الآنية والمستقبلية.

> قدتم في الأيام الماضية وساطة بين الأطراف المتصارعة في الحزب الاشتراكي بكوت ديفوار، وهو حزب الرئيس السابق لوران غباغبو، هل يكشف ذلك جانبا من شخصية أحمد ولد داداه التي لا يعرفها الموريتانيون؟

- ما قمت به لم يكن عملا فرديا ولا مبادرة شخصية، وإنما قمت به بصفتي نائبا لرئيس منظمة الأممية الاشتراكية، فقد دعيت من قبل رئيس اللجنة الأفريقية للأممية الاشتراكية لأقود وفدا يضم رئيس حزب كبير في السنغال، وذلك لنجري لقاءات مع أطراف الحزب الإيفواري الكبير، والذي سبق أن وصل إلى الحكم، ونجحنا في تحقيق نوع من الهدوء بين الأطراف وترك التجاذب والكتابة في الصحف والظهور في الإعلام لنقاش خلافاتهم الداخلية.

دولة كوت ديفوار تحتاج للاستقرار السياسي لأنها دولة كبيرة وأساسية في غرب أفريقيا، وهي دولة مركزية ذات اقتصاد قوي، ولذلك نرجو أن يكون حل الأزمة داخل واحد من أكبر أحزابها السياسية له انعكاسات كبيرة ليس فحسب بالنسبة لكوت ديفوار ولكن بالنسبة لغرب أفريقيا كله، فكوت ديفوار تمثل 40 في المائة من القوة الإنتاجية في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تضم 15 دولة.

*نقلا عن الشرق الأوسط