مع استمرار القتال على تخوم العاصمة الليبية طرابلس والذي دخل شهره الثامن،وسط تقدم ملحوظ للجيش الوطني الليبي في عدة محاور وتصاعد مؤشرات اقتراب حسمه للمعارك،تواصل المجموعات المسلحة تحركاتها في الجنوب الليبي في محاولة لتشتيت القوات المسلحة وتخفيف الضغط على القوات الموالية لحكومة الوفاق.

إلى ذلك،عادت الاضطرابات مجدّدا إلى حقل الفيل النفطي ثاني أكبر الحقول النفطية جنوب غربي البلاد،حيث اقتحمت مجموعة مسلحة، اليوم الأربعاء،الحقل معلنة السيطرة عليه لصالح حكومة الوفاق الليبية، وذلك في تحدٍّ لقوات الجيش الوطني الليبي التي تقوم بتأمين المنشآت النفطية منذ طردها للمليشيات المسلحة.

وأعلنت وحدات عسكرية من جهاز حرس المنشآت النفطية التابعة لمنطقة سبها العسكرية بحكومة الوفاق، السيطرة على حقل الفيل النفطي قرب مدينة أوباري.وقال المكتب الإعلامي منطقة سبها العسكرية، في تدوينة نشرها عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "قامت وحدات عسكرية من جهاز حرس المنشآت النفطية التابعة لمنطقة سبها العسكرية بحكومة الوفاق الوطني صباح اليوم الأربعاء الموافق 27-11-2019، بالسيطرة على (حقل الفيل النفطي) ونطمئن جميع أبناء الشعب الليبي بأن مصدر قوت الليبيين في أمن وأمان".

ويعتبر حقل الفيل،من أكبر حقول "حوض مرزق" بجنوب غرب ليبيا ويبعد نحو 750 كيلومتراً، جنوب طرابلس، ويحتوي على أكثر من 1.2 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية. وجرى اكتشاف الحقل عام 1997 بواسطة ائتلاف تجاري تقوده شركة لاسمو البريطانية وشركة إيني الإيطالية و5 شركات كورية أخرى.

ولم يتأخر رد الجيش الوطني على هذه التحركات التي تأتي في اطار محاولات لفت أنظاره الى الجنوب وتخفيف الضغط على قوات الوفاق في العاصمة طرابلس.حيث شنّت مقاتلات السلاح الجوي غارات جوية على مواقع بمحيط حقل الفيل النفطي استهدفت تمركزات المجموعات المُسلحة التي قامت بالهجوم على الحقل.

وأعلنت "شعبة الإعلام الحربي الليبي" التابعة للجيش الوطني الليبي في منشور على صفحتها في "فيسبوك" أن "مقاتلات سلاح الجو تشن غارات جوية على مواقع بمحيط حقل الفيل النفطي"، مضيفةً أنها "استهدفت تمركزات المجموعات المسلحة التي قامت بالهجوم على الحقل صباح اليوم".واستهدف قصف جوي سيارات مسلحة تابعة لقوة سيطرت اليوم على حقل الفيل.

وأكد الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي ،اللواء أحمد المسماري ،أن المجموعات المسلحة التابعة لقوات الوفاق ،انسحبت من حقل الفيل النفطي باتجاه منطقة "تساوه" الزراعي بعد ضربة جوية قوية. و أضاف المسماري ،" بعد اقتحام عصابة ارهابية مسلحة تابعة لمليشيات الوفاق لحقل الفيل النفطي توجهت مقاتلات السلاح الجوي للمنطقة وشنت غارات على المجموعة المارقة وتمكنت من تدمير عدد خمس آليات مسلحة وسيارة تحمل ذخيرة وتجمع عناصر ارهابية تخريبة، ولازالت التعزيزات العسكرية تصل تباعا لطرد ما تبقى من مخربين من الحقل"

وقبل ذلك توعد آمر المناطق العسكرية الجنوبية بالجيش الليبي، بالقاسم الأبعج، بالقضاء على من وصفها بـ "المجموعة الإجرامية المسلحة" التي اقتحمت صباح اليوم الأربعاء، حقل الفيل النفطي.وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "المهاجمين لحقل الفيل مجموعة إجرامية مسلحة سيتم القضاء عليها ونحذر أي كان العبث بأمن الجنوب وثروات الشعب الليبي"، بحسب تعبيرهم.

و رفعت قوات الجيش الليبي التي تسيطر على حقل الشرارة، أكبر حقل نفطي في ليبيا، حالة التأهب الأمني وبدأت في نشر دوريات ثابتة ومتحركة حول الحقل،فيما أعلنت شعبة الإعلام الحربي ،عن عن تحرّك الوحدات العسكرية المُعزّزة إلى عدد من المواقع في جنوب ليبيا.وقالت الشعبة في بيان،أن القيادة العامة ستكون سداً منيعاً لردع ورد كل من تُسوّل له نفسه نهب قوت ومُقدّرات الليبيين. 

وجاء الهجوم الأخير أيام قليلة بعد دعوة آمر المنطقة الجنوبية التابعة للوفاق علي كنة،التي وجهها الى أفراد الجيش من سبها وباقي مناطق الجنوب، بالانسحاب من مواقعهم والانضمام إلى قوات الوفاق.وقال كنه، في كلمة مرئية بثتها فضائية "ليبيا الأحرار"،"يا إخوتي من منتسبي القوات المسلحة، من قوى مساندة ووحدات عسكرية إنه لعار عليكم أن تساهموا في الهجوم على عاصمتكم طرابلس، رئتكم ومنطقة حياتكم واحتياجاتكم وهي عاصمتكم وبيتكم، فأطلب منكم وبشكل فوري الانسحاب من القوات التي تهاجم طرابلس، وأنتم جزء كبير منكم مُهجر في طرابلس، واحتياجاتكم اليومية في طرابلس، وإنه لعار كبير".على حد تعبيره.

وقوبلت دعوة كنة بالاستنكار من طرف منتسبي منطقة سبها العسكرية التابعة للجيش،الذين وصفوا في بيان لهم،مواقف كنة بـ "الجبانة" و"المتخاذلة".وتعهد منتسبو منطقة سبها العسكرية باستمرار العمل من أجل القضاء على الإرهاب ورموزالفساد تحت راية الجيش الليبي، حتى تحرير كافة التراب الليبي، بحسب البيان المنشور عبر الصفحة الرسمية لـ "الناطق الرسمي باسم القيادة العامة" على موقع "فيس بوك".

وبدورها،أعلنت 10 كتائب تابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية رفضها لتصريحات آمر المنطقة العسكرية سبها التابعة للمجلس الرئاسي علي كنة بشأن سحب القوات التابعة للجنوب من طرابلس.وأكد آمري كتائب الجنوب في بيان لهم "دعمهم للجهود التي تبذلها القوات المسلحة العربية الليبية في سبيل تحرير كامل أرض الوطن واسترجاع كرامة المواطن التي سلبتها المليشيات والتشكيلات العشوائية الغير منظمة والتي أدخلت الوطن في دوامة الحروب التي لا تكاد تنتهي إلا بتوحيد الصفوف تحت راية واحدة وهي راية الجيش والشرطة الذين يمثلان أساسا لبناء أي دولة".

ويبدو أن محاولة كنة الفاشلة لضرب صفوف الجيش الليبي دفعته للتحرك من خلال الهجوم الأخير،الذي اعتبره الناطق باسم الحكومة المؤقتة حاتم العريبي ،سياسيا.و قال العربيبي في تصرحيات صحفية ،إن الهجوم جاء للضغط على الحكومة الإيطالية من خلال شركة إيني لمساندة حكومة الوفاق وميليشياتها المنهارة بطرابلس في حربهم ضد القوات المسلحة العربية الليبية ،محذّرا في المقابل كل الأطراف الدولية من التعامل مع صنع الله "فهو عبارة عن قرصان للنفط وليس له أي صفة قانونية" ،حسب قوله.

وعين علي كنة آمراً لمنطقة سبها العسكرية،من قبل رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فائز السراج، في فبراير الماضي،في خطوة تهدف الى خلط الأوراق في جنوب البلاد.وجاءت الخطوة حينها بضغط من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" التي تسيطر على المجلس الرئاسي.وقال مراقبون انها تسعي لتحقيق هدفين، الأول هو عرقلة سيطرة الجيش الليبي على كامل الجنوب، والثاني الايهام بوجود قوة نظامية موازية للجيش.

وكان الجنوب الليبي قد شهد فترة من الاستقرار بعد أن أطلق الجيش الليبي في يناير/كانون الثاني الماضي عملية فرض القانون لضرب التشكيلات المسلحة والخارجين عن القانون.إلا أن حكومة الوفاق شنت عبر مجموعات مسلحة أبرزها "قوات حماية الجنوب"، وهي مليشيا قوامها الرئيسي مقاتلين من قبائل التبو الليبية ومرتزقة من تشاد ودول أفريقية أخرى مثل نيجيريا، تقاتل تحت إمرة حسن موسى التباوي.

وارتكبت "مليشيات حماية الجنوب" عددا من الجرائم المسلحة في مدينة "مرزق" و"سبها" و"غدوة" وغيرها من المدن منذ إعلان الجيش الليبي إطلاق عملية "طوفان الكرامة" لتحرير العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي من المليشيات كنوع من تخفيف الضغط على المليشيات المتحالفة معها بعد اشتداد ضربات الجيش الليبي.

ويرى مراقبون أن تعويل حكومة الوفاق على "علي كنة" في محاولة التأثير على الجنوب الليبي كونه الحلقة الأمنية الأضعف في جغرافية ليبيا المطلة على 6 حدود دولية،يأتي في سياق مواصلتها لمساعيها الرامية لتشتيت الجيش الليبي وادخاله في مواجهات بعيدا عن طرابلس لتخفيف الضغط على المليشيات خاصة بعد أن كثف الجيش الليبي ضرباته مؤخرا.

ونجح الجيش الليبي في تحقيق تقدم ميداني جديد حيث تمكنت الوحدات العسكرية التابعة له، من فرض سيطرتها على نقاط جديدة في منطقة مشروع الهضبة جنوب العاصمة طرابلس.وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة العربية الليبية، خالد المحجوب، في تصريح لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، إن قوات الجيش حققت تقدمات في محيط معسكر حمزة بعد أن قامت وحداته بعملية عسكرية محكمة على الأرض بدعم من سلاح الجو، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

ويصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية لتحرير العاصمة الليبية والتي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على مؤسسات الدولة، وضعف حكومة الوفاق وتعويلها على هذه الميليشيات.ويأمل االليبيون في انتهاء نفوذ المجموعات المسلحة وارساء سلطة موحدة في البلاد قادرة على مواجهة التحديات القائمة أمنيا واقتصاديا.

وفشلت محاولات حكومة الوفاق في التأثير على المجتمع الدولي واناعه بضرورة الضغط على الجيش الليبي لانهاء المعارك في العاصمة.ومثلت الزيارة الأخيرة للوفد الأمريكي الى مقر القيادة العامة للجيش الليبي ضربة موجعة لهذه المحاولات،حيث ربطت واشنطن بين التوصل إلى وقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس، والتصدي للميليشيات وسطوتها،وهو ما اعتبره مراقبون مقدمة نحو المزيد من التنسيق مع قيادة الجيش الليبي، في سياق المعركة المفتوحة على الإرهاب والمتطرفين.

وكان مسؤول رفيع بالجيش الليبي،أكد أن القيادة العامة للجيش اتفقت مع الخارجية الأمريكية على تشكيل لجنة تنسيق وتواصل بين قيادة الجيش والقوات الأمريكية وذلك "لمحاربة الجماعات الإرهابية في طرابلس وغرب ليبيا ومتابعة نشاطاتها."وبحسب وكالة نوفا قال المسؤول، إن اللقاء جرى بعد أن أسقطت دفاعات الجيش الوطني الليبي طائرة أمريكية بدون طيار تابعة لقوات أفريكوم فوق طرابلس الخميس الماضي عن طريق الخطأ.وأوضح المسؤول، أن الجيش اتفق مع المسؤولين الأمريكيين على تنسيق عملياتهم في طرابلس والمناطق المحيطة بها لتجنب وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.