تحضى منطقة المغرب العربي بموقع جيوسياسي حيوي وهام على المستوى الدولي،المنطقة تعج بالثروات الطبيعية المختلفة، وتعتبر المنطقة المغاربية ذات موقع جغرافي استراتيجي كونها تقع على مفترق طرق إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وجنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط. ومثل المغرب العربي خلال حقب تاريخية سابقة منطقة تنافس استعمارية خصوصاً بين الأوروبيين والأتراك، قبل أن تنال الدول المغاربية استقلالها منذ أواسط القرن العشرين.
تعيش دول المغرب العربي تحولات كبيرة في الفترة الأخيرة جعلتها في مرمى الأطماع الخارجية التي تسعى لاستغلال الظروف المعقدة لدول المنطقة بهدف التغلغل فيها حيث تستثمر في بعض الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية التي حصلت في المغرب العربي،وهو ما يشكل تحديا كبيرا تواجهه المنطقة المغاربية.
 وتشهد تونس أزمة اقتصادية حانقة منذ سنوات زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة حيث كشفت الحكومة التونسية، الثلاثاء 14 ديسمبر، أنّ نسبة المديونية في تونس ارتفعت 4 مرات في السنوات الـ10 الأخيرة،وقالت سامية قدور مستشارة رئيسة الحكومة، إنّ "إجمالي المديونية بالدينار تضاعف 4 مرات خلال العشرية الأخيرة، وذلك من 25 مليار دينار (حوالي 8.5 مليار دولار) في عام 2010 إلى 100 مليار دينار (حوالي 34 مليار دولار) بعام 2020".
واعتبرت قدور في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أنّه "لا خيار للدولة اليوم إلا مزيد ترشيد الإنفاق العمومي لسنوات طويلة وسعيها الحثيث لمضاعفة القدرات الاقتصادية خلال السنوات القادمة، لا سيما أنّ شركاء تونس التقليديين يعيشون حاليا، فترة انتعاش اقتصادي إثر جائحة كورونا، كما هو الشأن لفرنسا، التي فاقت نسبة نموها 6 بالمائة".
وأضافت قدور في افتتاح الملتقى السنوي لمراقبي المصاريف العامة 2021، الذي يعقد في العاصمة تونس،أنّ "حلّ الأزمة المالية، التي تعيشها تونس لا يقف عند غلق موازنة 2021 أو إعداد موازنة 2022، بل يتطلب ابتكار وإرساء سبل فعلية لوقف النزيف"،مؤكدة أنه "لا يكمنُ الحلّ أيضا في اللجوء إلى مصادر اقتراض داخلية أو خارجية مباشرة من البنك المركزي أو من السوق المالية، بل في الحد من الاقتراض وإيجاد التوازن بين موارد الدولة ونفقاتها".
 وتسعى الحكومة التونسية امام تفاقم عجز الموازنة وارتفاع نسبة المديونية إلى مستويات غير مسبوقة، إلى البحث عن تعبئة موازنة الدولة عبر الإجراءات الضريبية،حيث قال الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل إن الحكومة، اقترحت خفض فاتورة أجور الموظفين بالقطاع العام 10%.وأضاف نور الدين الطبوبي، أن  الاتحاد يرفض هذه المقترحات.
وقال إن الحكومة التي تقول في العلن إنها قادرة على الوفاء بكل الالتزامات للشعب، تخبرنا في الاجتماعات المغلقة أنه ليس لديها أموال حتى لدفع الرواتب.وأكد  الطبوبي، أن هذا البرنامج الاقتصادي، الذي قدمته الحكومة خلال اجتماع مع اتحاد الشغل السبت الماضي، يقضي كذلك بتجميد الأجور لخمس سنوات قادمة ورفع الدعم عن المواد الأساسية.
ودعا الطبوبي الحكومة إلى مصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي  الصعب وكشف الأزمات التي تعيشها البلاد أمام الرأي العام.وعلّق نور الدين الطبوبي على خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد الذي توجه به مؤخرا للتونسيين،قائلا ،من غير المعقول مواصلة الجدل والخصومات حول الدستور والفصول بينما الناس خاوية البطون.
وفي 9 ديسمبر الجاري ،قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي إن الحكومة تأمل في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في الربع الأول من العام المقبل.وأضاف أن الاتفاق مع الصندوق سيكون مؤشرا جيدا للغاية على أن تونس ستبدأ في إصلاحاتها وقد يعزز النمو.وقالت وزيرة المالية سهام البوغديري في مؤتمر اقتصادي إن تونس بعيدة عن إعادة جدولة ديونها في إطار نادي باريس على الرغم من الصعوبات المالية.
وتعاني تونس وضعاً اقتصادياً هشاً تعمق بفعل جائحة كورونا سنة 2020، في ظل تباطؤ النمو ووصول الدين العام والخارجي إلى مستويات مرتفعة.وعجزت الحكومات المتعاقبة على ابتكار حلول جديدة تُغني البلاد عن تبعات الدين الخارجي في وقت تتكدس الديون الخارجية على الدولة، أصلاً وفوائد، وسط حال من عدم الاستقرار السياسي، والركود الاقتصادي.
وتتزايد المخاوف من تحول الازمة الاقتصادية الى بوابة للتدخلات الخارجية في تونس وهو ما عبرت عنه أحزاب ومنظمات تونسية،التي اصدرت بيانا مشتركا، الأحد 12 ديسمبر 2021،نددت فيه ببيان سفراء مجموعة السبع بعد أن أصدرت الأخيرة بيانا يتعلق بالأوضاع الداخلية في تونس.واعتبرت الأحزاب والمنظمات التونسية أن البيان محاولة "لابتزاز الدولة التونسية بأوضاعها الاقتصادية لفرض رؤيتها للمسار السياسي"، وفق نص البيان، الذي نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
واعتبرت الأحزاب والمنظمات التونسية أنّ "بيان سفراء مجموعة السبع، محاولة سافرة من هذه الدول لفرض مجموعات الفساد والإرهاب، التي نكّلت بالدولة والشعب طيلة السنوات الماضية في المسار السياسي لتونس؛ لأنّ هذه المجموعات أفضل من يخدم مصالح هذه الدول على حساب سيادة تونس ومصالح شعبها".
وفي ليبيا تبدو الازمة السياسية بالرغم من التطورات الايجابية التي شهدتها خلال الأشهر الماضية وكأنها تدور في حلقة مفرغة حيث مازال الغموض يغلف المشهد السياسي والتعقيدات تفرض نفسها بقوة مع استمرار مسلسل العراقيل امام الانتخابات المزمع عقدها نهاية العام الجاري والتي كان يؤمل منها أن تنهي سنوات من الصراعات والحروب في البلاد.
وأعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تأجيل نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، قبل أسبوعين من موعد الاستحقاق الحاسم.ولم تحدد المفوضية موعدًا جديدًا لنشر القائمة، وهي الخطوة الأخيرة قبل انطلاق الحملة الانتخابية للاستحقاق المقرر إجراؤه في 24 ديسمبر الجاري، لكن المفوضية قالت في بيان، إنه "لا يزال يتعين عليها أن تتبنى بعض الإجراءات القضائية وأخرى قانونية.
بيان المفوضية جاء في ظل مساعي بعض القوى لتعطيل الانتخابات،فمنذ أيام دعا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية،واقترح المجلس تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى فيفري المقبل، ضمن مبادرة سياسية للخروج مما وصفه بـ "الانسداد" السياسي.وقال عمر بوشاح نائب رئيس المجلس الأعلى للدولة في مؤتمر صحفي، إن المؤشرات الحالية تؤكد أن الاستمرار في العملية الانتخابية في ظل غياب أي ضوابط دستورية أو قانونية منظمة لإدارة المرحلة سيعصف بالعملية السياسية.
وفي وقت سابق،أقام عناصر ينتمون إلى جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده عبد الغني الككلي "عنيوة"، وعناصر من ميليشيات مصراتة والزاوية، اعتصاما أمام مقر مفوضية الانتخابات في طرابلس.ونقلت تقارير اعلامية عن مسؤول بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا قوله إنه تم اقتحام مقر المفوضية بالعاصمة طرابلس، مؤكدا أن هذا قد يعرقل الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية العام.
ويأتي هذا التصعيد الجديد كإصرار من الإسلاميين لعرقلة الاستحقاق الانتخابي،حيث طالب مفتي الاخوان في ليبيا،الصادق الغرياني،بحمل السلاح ومنع إجراء الانتخابات الرئاسية، وقال إنها "محرمة شرعيا"،كما عبر عن رفضه لإجراء انتخابات رئاسية دون دستور قائلًا: "لا نريدها ولا نقبلها؛ لأن الانتخابات الرئاسية لا بد أن تقوم على دستور، ولا يمكن أن يكون هناك رئيسًا مستبدًا دون أن يكون هناك دستور يبين ويفصل ما له وما عليه".
وأمام تعقد الوضع سارعت الأمم المتحدة الى تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني وليامز لقيادة جهود الوساطة في ليبيا، بعد استقالة المبعوث الأممي يان كوبيش.وحذر السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند،في وقت سابق، من عرقلة المسار الانتخابي، مؤكدا "دعم الولايات المتحدة لجهود الأمم المتحدة لدفع العملية السياسية، بما في ذلك من خلال الانتخابات الوطنية لتشكيل حكومة موحدة ودائمة
وقال نورلاند في بيان نشرته السفارة عبر حسابها في تويتر:أن "الامتناع عن الذهاب إلى الانتخابات والتحشيد لعرقلتها، لن يؤدي إلا إلى وضع مصير البلد ومستقبله تحت رحمة من هم داخل ليبيا وداعميهم الخارجيين ،الذين يفضلون قوة الرصاصة على قوة الاقتراع" وفق تعبيره.
عاشت ليبيا منذ العام 2011،وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا،ورغم التطورات التي شهدتها في الفترة الماضية والتوافق على اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فان مخاوف الفشل تلقي بظلالها على البلاد وهو ما يمثل تحديا كبيرا خاصة في ظل الأطماع الخارجية التي تقودها دول سبق أن ألقت البلاد في أحضان الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية،ومازالت تسعى لتأمين نصيبها من الثروات الليبية.
من جهة أخرى تزداد أزمات دول المغرب العربي مع تصاعد وتيرة التوتر بين الجارتين الجزائر والمغرب والتي وصلت إلى مرحلة خطيرة، وذلك بعد إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط واعلانها عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب،ثم اتهامها بقتل ثلاثة جزائريين على طريق صحراوي متوعدة بالرد في وقت تصاعدت فيه حدة الخلافات بشأن الصحراء الغربية لتدخل العلاقات ين البلدين مرحلة حساسة وخطيرة.
 يمكن القول بأن التطورات الأخيرة تأتي مخيبة للآمال المنتظرة بوضع حد لعدم استقرار دول المغرب العربي وتجنيبها حالة النزاع والركود المستمر منذ عقود،في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة وتحديات أمنية خطيرة،تعيشها دول المنطقة عموما ناهيك عن أزمات صحية طارئة بسبب وباء كورونا.ويرى كثيرون أن أزمات الدول المغاربية قد تكون بوابة مثالية لزيادة التدخلات الخارجية التي تقودها أطماع في ثروات المنطقة والتي كانت سببا في استعمارها سابقا.