حذّر الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي ورئيس وزراء السودان الأسبق، من المخاطر التي تنطوي عليها محاولات بتر الأحزاب الإسلامية من على الخارطة السياسية في بعض الدول العربية، وقال إنّ العقول تزداد عنفا، إذا تمّ التعامل معها بطريقة الإقصاء، منوها إلى أنّ تكبيل التيار الإسلامي في مصر، سوف تكون له تداعيات على السّودان، بحكم الروابط المشتركة بين الإسلاميين في البلدين الجارين.

وحسب صحيفة العرب، أوضح المهدي، في إطار ندوة عقدت مساء الأحد بمركز "دال" للأبحاث والإنتاج الإعلامي في القاهرة، أنّ الحركات الإسلامية تصبّ جميعها في منبع واحد وهو جماعة الإخوان المسلمين، وطالب دول المنطقة بالتعلم من دروس الماضي، حيث أنّ الجماعة المتأسلمة (على حدّ وصفه)، لا تمانع من التصعيد الدولي والتلون وخلق الأكاذيب، حتى تكسب تعاطف المجتمعات الغربية.

الفكر الإخواني الأحادي
لفت زعيم حزب الأمة السوداني إلى أنّ الدول التي شهدت ثورات، مثل مصر وليبيا وتونس، وتولّت فيها الحكم أحزاب إسلامية، تكبّدت خسائر مادية وبشرية فادحة، مرجعا ذلك إلى عدم خبرة الأحزاب الإسلامية في تسيير دواليب الدول، ونظرتها الأحادية للأمور، فضلا عن عدم التخطيط الجيد لتلك الثورات، مشيرا إلى أنّ الثورة تعتمد على شقين؛ الأول تغيير الحاكم، والشق الثاني وجود البديل، في حين أنّ الثورات التي اندلعت في عدد من الدول العربية، اكتفت بالشقّ الأول فقط، ما أدّى إلى صعود جماعة الإخوان المسلمين، التي طالما عرفت بأنها تجيد استغلال الأزمات بجل السبل للوصول إلى مبتغاها.

وقال في تصريح للصحيفة على هامش الندوة، إنّه يرفض ما أسماه بـ"مواجهة تكسير العظام مع جماعة الإخوان"، لما تخلفه من مخاطر كبرى على مستقبل الوحدة الوطنية في مصر، موضّحا أنّ الجماعة تتبع سياسة التكفير ثم العنف مع أيّ أصوات معارضة لأفكار قياداتها، كما أنّها أول من طرحت فكرة الإسلام السياسي، ما يشير إلى خلط واضح بين الإسلام وشؤون دنيوية أخرى، والمتاجرة باسم الدين من أجل حصد المكاسب.

ورفض المهدي لفظ الإسلام السياسي، مشددا على أنّ الإسلام واحد، لكن هناك إسلاميون يتحدثون عن برنامج يعتقدون "كذبا" أنه يمثل الإسلام.

وطالب رئيس وزراء السودان الأسبق، بضرورة تقريب وجهات النظر مع تلك الحركات، قائلا إنها تنقسم إلى تيارات مختلفة، ولابد من الحوار مع أكثر هذه التيارات اعتدالا للتراجع عن فكرة التكفير والعنف وقبول الرأي الآخر، إذا أرادت كل القوى السير في طريق الديمقراطية، أما المواجهات الصفرية سوف تضر بالمصالح العامة. وكشف عن دعوته في نهاية العام الماضي، إلى مؤتمر بمركز دراسات "أقدس" في الأردن لبحث منهجية التوفيق بين الأحزاب السياسية، خاصة الإسلامية مع غيرها، موضّحا أن الحلول التوافقية هي الأفضل، حيث إنّ المواجهات القتالية تكون نهايتها مأسوية. رغم مطالبته بإيجاد حلول توافقية فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، اعترف المهدي بالفكر الأحادي الذي تتسم به عناصر الجماعة وقياداتها، وهو ما لمسه، وفق تعبيره، أثناء فترة تولي محمد مرسي حكم مصر، حيث توسّط المهدي للمصالحة بين جبهة الإنقاذ الوطني (المعارضة المصرية) ومؤسسة الرئاسة (الإخوانية)عقب الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر 2012، وطرح فكرة إلغاء التعديلات الدستورية.

وفي هذا الصدد يقول "إنّ المفاجأة كانت كبيرة، حيث أنه عقب اللقاء الذي جمعني بمحمد مرسي ذهبت إلى لقاء محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان، وتلقيت ردّا من خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد برفض مرسى لطلبي، وتيقّنت وقتها أنّ المرشد هو من يدير مقاليد الحكم في مصر"، في إشارة منه إلى أن تلك السياسات هي التي عجّلت بسقوط إخوان مصر.

تعنّت إخوان السودان
فيما يتعلق بالشأن السوداني، لفت المهدي إلى إمكانية انعكاس الأوضاع في مصر على السودان، موضحا أنّ تكبيل حركة الإخوان المسلمين في مصر سوف يؤثر على الأوضاع في السودان ويطلق يدها أكثر وأكثر في البلاد، مشبها الجماعة بشبكة عنكبوتية تمتدّ خيوطها إلى مناطق وبلدان كثيرة حول العالم.

ولفت إلى أنّ هذا التكبيل سيأتي حتما بنتائج عكسية على مستقبل الديمقراطية في السودان الذي يهيمن عليه نظام إخواني بقيادة عمر البشير، كاشفا النوايا الخبيثة التي تحدو النظام الحالي في السودان، والذي حاول تحسين صورته والالتحام مع المجتمع الدولي، مؤخرا، من خلال المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" التي قادتها المملكة العربية السعودية واستهدفت التمرّد الحوثي في اليمن، قائلا إنّ هذه تلك الخطوة "تحمل في باطنها رغبة النظام الحاكم في البقاء، حيث أعتقد البشير أنّ تلك المناورة من شأنها أن تعزّز موقفه السياسي في المنطقة".

وأشار إلى أنّ نظام البشير حافظ على بقائه إلى حدّ الآن من خلال تحويل السودان إلى دولة أمنية محكمة الحراسة تحميه هو فحسب دون غيره، حيث أنه أغدق في الإنفاق على المنظومة الأمنية من أجل احكام قبضته عليها، كما حول جميع أجهزة الدولة إلى فروع للنظام الحاكم، وهو ما أدّى إلى زيادة الحركــات المعـارضة له ولسياساته في البلاد، شأن "شرارة" و"جرفنا" و"حركة المقاومة الشعبية"، مؤكدا أنّ النظام الحاكم أصبح يتعدى على كل التشريعات التي نصّت عليها منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وكان البشير قد فاز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أبريل الماضي بنسبة 95.5 بالمئة، ليعيد إلى الأذهان سيناريو الانتخابات الشكلية التي طالما شهدتها عديد الأقطار العربية.

وقد أعلنت قوى معارضة عدم اعترافها بنتيجة الانتخابات، وقالت إنّ الأرقام المعلنة لا تقارب الحقيقة، خاصّة في ظلّ المقاطعة الشعبية الواسعة للعملية الانتخابية، لافتة إلى أنّ تلك النتيجة تعكس تكريسا لماض من الهيمنة الأحادية، وهو ما وصفه المهدي بدوره بـ "المهزلة الكبرى"، مشدّدا على قرب نهاية نظام البشير، قائلا إنّ "الأوان قد آن لرحيله".

وحول مستقبل السودان، قال المهدي إنّ النظام الحالي رفض اقتراحات عدة للإصلاح، على رأسها فكرة الحوار الجامع التي تم طرحها في يونيو من العام 2013، على غرار الحوار الذي تم تطبيقه في جنوب أفريقيا، وهي طريقة لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب الحاكمة والشعوب وإيجاد الحلول البديلة.

وأضاف أنه في أغسطس من العام الماضي، اجتمع حزب الأمة مع الجبهة الثورية في باريس للوصول إلى اتفاق سياسي مرضي، لكنهم طالبوا بضرورة وجود دولة عادلة مضمونة وتخلى حزب “المؤتمر الوطني" الحاكم عن الاستبداد، وهو ما قوبل بالرفض، بل ادعى البشير أن هذا المطلب "مخطط إسرائيلي لزعزعة الاستقرار في السودان".

وأضاف أنّه ناشد النظام الحاكم بإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية آرائهم السياسية وكفالة الحريات، فضلا عن تسهيل مهمة الإغاثة الإنسانية في الدخول إلى الأراضي السودانية، واعتماد مبادئ للحوار الوطني، وتبنى التحول الديمقراطي الكامل، إضافة إلى الدعوة للقاء جامع لكل القوى السياسية.

وطالب بوعد دولي لإعفاء بلاده من الدين الخارجي في حالة اتفاق القوى السياسية على أجندة وطنية، واستئناف الدعم التنموي للبلاد، ورفع التوصيات إلى مجلس الأمن، على أن يصدر بموجبها قرارا بعنوان “السلام والحكم في السودان”، محذرا من تشظي السودان في المستقبل، حال استمرار الأوضاع الراهنة.