في سنة 1953، اكتشفت شركات تنقيب ليبية مخزونا هائلا من المياه الجوفية التي يمكن نقلها إلى المناطق الساحلية واستغلالها عوض مياه التحلية، لتتبلور فكرة مشروع النهر الصناعي العظيم، بشكل رسمي، سنة 1983 ويُفعل رسميا سنة 1984. ففي 3 أكتوبر 1984، خرج العقيد معمر القذافي، ليُعلن أنه سيبني مشروعا لإنقاذ ليبيا من كارثة عطش، عبر نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمة تحت الأرض، وفي 28 أغسطس، من سنة 1984، دشن العقيد الراحل معمر القذافي المشروع.
لكن في سياق الفوضى العامة التي تشهدها البلاد لم يسلم هذا المشروع العملاق الذي يحمي الليبيين من العطش من أسهم الإعتداءات مما جعل جعل مياه الليبيين مهددة بشكل متواصل. من ذلك، إعلان جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي في آخر العام الماضي، اقتحام محطة الضخ بالحقل الجنوبي بمنطقة حقول آبار مياه الحساونة صباح اليوم الثلاثاء، من قبل مجموعة مسلحة قامت بترويع المهندسين والفنيين بالمحطة.
وأكد الجهاز، خطورة هذه الاعتداءات على سلامة المستخدمين وسير العمل والتي أصبحت متكررة، مشيرة إلى حادثة خطف المهندسين الأجانب من داخل الإقامة بمباني الدعم والتشغيل بمنطقة حقول الآبار في السادس من يونيو الماضي ولا يزال مصيرهم مجهول إلى هذه اللحظة، والتي كانت خير دليل، على حد قوله.
وجدد الجهاز، مناشدته لكل الجهات المسؤولة والعسكرية بالدولة بتحمل مسؤوليتهم أمام المواطنين بتوفير الحماية لحقول آبار مياه منظومة الحساونة للحفاظ على استمرار ضخ المياه إلى المدن وتجنب كارثة انقطاع المياه خاصة مع استمرار أعمال السرقة والتخريب التي تتعرض لها مكونات تشغيل رؤوس الآبار.
وفي آخر حلقات الخراب، تم الاعتداء على خط منظومة القرضابية السدادة، وتخريب وسرقة 120 صماما لتفريغ الهواء، ونتج عن ذلك هدر كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى انجرافات خطيرة بخط الأنابيب في الوشكة سرت والوشكة السدادة، ما ينذر بحدوث انقطاع المياه عن المنطقة الوسطى.
ووصف مدير عام منظومة القرضابية السدادة المهندس محمد القوارشة، في تصريح للمكتب الإعلامي للمنظومة الاعتداءات بـالممنهجة موضحا أن كل ما تشهده المنظومة يأتي في غياب كامل لدور كتيبة الحماية، مطمئنا في ذات الوقت، أن العمل جارٍ على صيانة الصمامات لوقف هدر المياه.
مسلسل الاعتداء على مصادر المياه تتواصل حلقاته دون نهاية أو ملاحقة من يقف وراءه، في وقت لا يحتاج فيه الليبيون أزمات جديدة تضاف لأخريات يعيشونها يوميا.
يرى مراقبون أن أزمة المياه تعتبر مثالًا قوياً على فشل الدولة في بلد كانت يوماً واحدة من أغنى بلدان الشرق الأوسط لكنها تعاني من اضطرابات منذ أحداث عام 2011.
وبالنسبة لليبيين تتجسد الفوضى في انقطاع الكهرباء واستمرار أزمات السيولة النقدية. وتتفاقم هذه الأزمات بسبب الاشتباكات بين جماعات مسلحة تتنافس على السيطرة والنفوذ في الدولة الغنية بالنفط.
يدقّ خبراء نواقيس الخطر إذ يرون أنّ ثمّة كارثة مائية وشيكة قد تهدّد الليبيين والحياة في البلاد التي تُعَدّ ثلثا مساحتها صحراء.
وبحسب تقرير أعدّته الشركة العامة للمياه والصرف الصحي، فإنّ ليبيا تعتمد على المياه الجوفية بنسبة 95 في المائة، مع كمية استهلاك سنوي يُقدّر بنحو مليار متر مكعب.
والتقرير الذي رفع إلى وزارة الموارد المائية في حكومة طرابلس، يؤكد أنّه تبعاً لذلك صارت البلاد تواجه فقراً مائياً منذ عام 2015، ومن المتوقع تفاقمه بتوالي السنين مع تزايد عدد السكان.
ويشير إلى أنّ 76 في المائة من الإمداد المائي من مجمل نسبة المياه الجوفية تصل إلى المدن عبر مشروع النهر الصناعي الذي يعاني بدوره إنهاكاً كبيراً في بنيته التحتية بسبب الإهمال وعدم صيانة محطاته، لا سيّما بعد تعرّض العشرات منها لاعتداءات مسلحة أوقفتها عن العمل.