تتصدر قضية الهجرة المشهد السياسي الأوروبي في السنوات الماضية،فمع ارتفاع عدد الفارين من الحروب والفقر باتت أوروبا الجنة الموعودة، بينما تحولت ليبيا إلى محطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بحراً، وعادة ما يركبون قوارب مطاطية متهالكة يوفرها لهم المهربون.

إلى ذلك،منعت إيطاليا، مهاجرين غير نظاميين كانوا على متن سفينة تابعة لخفر السواحل من النزول إلى البر في ميناء كاتانيا بجزيرة صقلية (أقصى الجنوب).وقال التلفزيون الحكومي الإيطالي، نقلا عن وزارة الداخلية، إن الوزير سالفيني لم ولن يعطي إذنا للركاب بالنزول ما لم ترد تأكيدات من الاتحاد الأوروبي بتقاسمهم بين دوله.

وكانت السفينة "ديتشوتي" التابعة لخفر السواحل قد أنقذت مهاجرين في 15 أغسطس/ آب في دراما جديدة أثارت جدلا سياسيا داخل إيطاليا، حيث وصف رئيس الوزراء السابق باولو جينتيلوني، من الحزب الديموقراطي اليسار الوسطي. تعامل سالفيني مع الوضع بأنه "عار وطني".واتهم سالفيني وعلى صفحته في الفيسبوك العديد من الدول الأوروبية بما فيها ألمانيا وإسبانيا بالتراجع عن اتفاق لاستقبال المهاجرين سمح لهم بالرسو في ميناء بوزالو في صقلية في يوليو/ تموز الماضي.

وفي الوقت الذي تتسبب فيه هذه الموجات المتعاقبة للمهاجرين في مآس إنسانية صعبة،مع تواصل غرق الآلاف في المتوسط،تسارع الدول الأوروبية  وعلى رأسها إيطاليا الي التحرك نحو الحد من تدفق المهاجرين الي أراضيها وحماية شواطئها بكل السبل.

تهديد إيطالي

وكان  وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني،قد هدد الأحد 19 آب أغسطس 2018 ، بأنه إذا لم تقم دول أوروبية أخرى باستقبال المهاجرين العالقين في البحر على متن سفينة تابعة ل‍خفر السواحل الإيطالي فإنه سيتم إعادتهم إلى ليبيا.

وقال سالفيني، في بيان صحفي:"إما أن تقرر أوروبا فعليا مساعدة إيطاليا بشكل ملموس، وعلى سبيل المثال البدء بالـ180 مهاجرا الموجودين على متن سفينة وحدة خفر السواحل ديشيوتى ، وإلا سنضطر إلى القيام بما سيوقف عمل المهربين للأبد".وأوضح أنه يعني بذلك إعادة العالقين في البحر إلى أحد الموانئ الليبية.

وأعلن ماتيو سالفيني،أنه يتعين على أوروبا أن تأخذ الأمر على محمل الجد بالدفاع عن حدودها وإعادة توزيع المهاجرين، مهدداً بأن حكومته في المقابل "ستشرع في إعادة هؤلاء المهاجرين إلى الموانئ التي انطلقوا منها".وأضاف، بحسب ما نقلته وكالة "آكي" الإيطالية "إيطاليا أدت بالفعل الدور الذي على عاتقها، وعندما يفيض الكيل يفيض الكيل". ولافتاً إلى أن "غالبية الدول الأوروبية لم تلتزم بتعهدات سابقة قطعتها لاستقبال مهاجرين وصلوا في شهر يوليو (تموز) الماضي إلى جنوب إيطاليا".

والجدير بالذكر إن سالفيني بدأ حملة عقب تعينه وزير داخلية ضد سفن الإنقاذ الخاصة التي ترفع الأعلام الأوروبية، وأشعل نقاشاً على مستوى القارة برفضه نزول ركابها المهاجرين في الموانئ الإيطالية، واتهم جماعات الإغاثة بالعمل بفعالية كسيارات أجرة للمهربين الذين يتخذون من ليبيا مقراً لهم.

وأعلن أن بلاده لن تسمح للاجئين بعد الآن أن يدخلوا أراضيها عبر البحر، كما توعد بطرد نصف مليون من المهاجرين غير الشرعيين و"غير الطيبين" من البلاد، حسب رأيه.وكان حزب الرابطة اليميني المتطرف، الذي ينتمي إليه سالفيني، قد تعهد في حملته الانتخابية بمنع دخول المهاجرين الفارين من أفريقيا وطرد الموجودين منهم بالفعل من إيطاليا، ودخل الحزب الائتلاف الحاكم منذ بداية يونيو/حزيران.

وتحملت إيطاليا عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقًا من الشواطئ الليبية نحو شواطئ جزيرة لامبادوزا،وإشتكت كثيرا من انها تُركت وحيدةً في مواجهة ازمة الهجرة ودعت في أكثر من مناسبة شركاءها الاوروبيين الى مزيد من التضامن معها.

رفض ليبي

وسارعت حكومة الوفاق الوطني الليبية،إلى إعلان رفضها تهديدات السلطات الإيطالية بإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الليبية، واصفةً هذه الخطوة التي تدفع باتجاهها بعض الدول الأوروبية، بأنها “إجراء مجحف وغير مشروع".

وأكد محمد سيالة، وزير الخارجية بحكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج في العاصمة الليبية طرابلس السراج، أن حكومته لن تقبل أبداً ما يتردد من أنباء حول إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدان الشمال الأفريقي التي جاءوا منها، مشيراً في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الموالية لحكومته إلى أن "ليبيا لا ولن تقبل هذا الإجراء المجحف وغير المشروع".

ولفت سيالة إلى وجود ما يزيد على 700 ألف مهاجرا غير شرعي على الأراضي الليبية قال، إنهم "يشكلون عبئاً ثقيلاً على حكومته من جميع الجوانب". وشدد سيالة على "ضرورة إعادتهم إلى دول المصدر التي أتوا منها"، ومعتبراً أن "ليبيا بلد عبور وعانت وما زالت تعانى الكثير من تبعات ظاهرة الهجرة غير الشرعية".

ودعا وزير الخارجية الليبي المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته بالضغط على دول المصدر وتحمّل نفقات إعادة المهاجرين، مشدّدًا على أهمية معالجة هذه الظاهرة بكل جدية ومن جذورها.

وسبق أن إقترح وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني،ف يونيو الماضي، إقامة مراكز استقبال المهاجرين على الحدود الجنوبية لليبيا للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا.وقال سالفيني،"سندعم، باتفاق مشترك مع السلطات الليبية، اقامة مراكز استقبال وتحديد هوية (المهاجرين) جنوب ليبيا، على حدودها الخارجية، لمساعدتها بقدر ايطاليا، على التصدي للهجرة".

وقوبل إقتراح الوزير الايطالي حينها بالرفض من طرف حكومة الوفاق الليبية.وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، أحمد معيتيق، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني في طرابلس: "نتفق مع أوروبا في ما يتعلق بمسألة الهجرة، لكننا نرفض بشكل قاطع إقامة أي مخيمات للمهاجرين في أراضي ليبيا".

وأعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، فائز السراج، في وقت سابق، رفضه المطلق لخطط الاتحاد الأوروبي الرامية لإقامة مراكز مهاجرين في البلاد، لمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى غرب أوروبا، مؤكدًا أن بلاده لن ترضخ للإغراءات المالية.

ونقلت صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار، عن السراج قوله: "نحن نعارض قطعًا ما تريد أوروبا رسميًا أن نفعله بإيواء المهاجرين غير الشرعيين، الذين لا يريد الاتحاد الأوروبي استقبالهم".مضيفا أن ليبيا تقف بمفردها لإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط، وتحتاج المزيد من الدعم الفني والمالي.

وتابع:"أنا مستغرب جدًا من أن لا أحد في أوروبا يرغب في استقبال مهاجرين، لكن يُطلب منا أن نستقبل مئات آلاف منهم"، داعيًا أوروبا إلى ممارسة مزيد من الضغط على الدول التي ينطلق منها المهاجرون بدلًا من الضغط على ليبيا.

أزمة مراكز الإحتجاز

وبات ملف الهجرة أحد أكثر الملفات تداولا على الساحة الليبية،خاصة وأن ليبيا تحولت من بلد عبور إلى بلد إستقرار في ظل إنتشار مراكز الإحتجاز التي تكتظ بها المدن الليبية والتي تحولت إلى معظلة تعاني منها ليبيا.وقال مدير بعثة منظمة الهجرة الدولية في ليبيا، عثمان البلبيسي،مؤخرا إن ليبيا وحدها لا تستطيع التعامل مع أزمة الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط، مؤكدًا أنها مسؤولية إقليمية ودولية.

وأوضح البلبيسي، في مقال نشرته وكالة "تومسون رويترز"، أنه لا يمكن الاستمرار في نقل المهاجرين ممَّن يتم اعتراضهم في البحر المتوسط إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا. ولا توافق منظمة الهجرة وغيرها من المنظمات الدولية على إبقاء المهاجرين داخل تلك المراكز، خاصة النساء والأطفال، في ظل ما يواجهونه من أوضاع سيئة، لافتًا إلى النجاح في نقل بعض الأطفال وضحايا أنشطة التهريب إلى مكان آمن.

وطالب المسؤول الأممي الحكومة الليبية بإغلاق مراكز الاحتجاز نهائيًّا، وضرورة إنشاء نقاط آمنة ومراكز مفتوحة لنقل المهاجرين إليها، بدلاً من مراكز الاحتجاز، إلى جانب محاسبة هؤلاء المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات بحق المهاجرين.

وضاعف  إنتشار مراكز الإحتجاز من حدة المخاطر التي يعانيها هذا البلد الممزق جراء ظاهرة الهجرة غير الشرعية.وكانت وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني في ليبيا،قد أكدت في وقت سابق،أن المهاجرين وراء انتشار الأمراض في ليبيا.وقال وكيل الوزارة الصحة ،عيسى العمياني،خلال اجتماع عقد الخميس،16 أغسطس 2018، بوزارة الصحة في طرابلس،أن هناك أمراض ظهرت في ليبيا، من بينها السل الرئوي نتيجة توافد مهاجرين بطريقة غير شرعية إلى ليبيا.

من جهته، قال ممثل جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية في ليبيا عبد السلام علوان :"إن بعض الأمراض الموجودة في مراكز الإيواء، هي أمراض مصاحبة للمهاجرين كالجرب والقمل ونقص المناعة والالتهاب الكبدي".وأضاف "لقد تم القيام بهذا المسح بهدف تحديد العوامل المؤثرة على صحة المهاجرين والموظفين الإداريين داخل مراكز الإيواء".

وأصبحت إيطاليا الممر الرئيسي للمهاجرين إلى أوروبا ويقوم مئات الآلاف كل عام بقطع الرحلة الخطرة عبر البحر من شمال أفريقيا مما يؤدي لمقتل الآلاف في البحر.وتعكس محاولة إعادة المهاجرين إلي ليبيا وتوطينهم فيها، حالة الإرتباك في الاتحاد الأوروبي في معالجة تدفق المهاجرين من الصحراء عبر ليبيا.

وتحولت ليبيا الأزمة التي شهدتها قبل اعوام والانفلات الأمني المصاحب لها،إلى ساحة لعصابات التهريب ومركز جذب لآلاف المهاجرين غير الشرعيين.وتشتكي ليبيا من عدم قدرتها علي احتواء الأزمة التي باتت تؤرق أوروبا لا سيما في ظل أزمتها الاقتصادية والأمنية،ووسط غياب سلطة موحدة قادرة على إنتشال البلاد من حالة التشضي والإنقسام التي تعرقل أي جهود للبناء