خلّف الاتفاق المُوقع بين الحكومة الوفاق الليبية والحكومة التركية بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط موجة من الجدل والانتقادات على الصعيدين الداخلي والإقليمية.
حيث أعلنت الرئاسة التركية، الخميس الماضي، أن حكومة الوفاق الوطني الليبية وقعت اتفاقا عسكريا جديدا مع تركيا الداعمة الرئيسية لها في نزاعها مع رجل شرق ليبيا القوي المشير خليفة حفتر.
وقالت الرئاسة التركية إن اتفاق "التعاون العسكري والأمني" تم توقيعه مساء الثلاثاء خلال لقاء في اسطنبول بين الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج.
وأوضح مدير الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون الخميس أن النص الجديد هو "نسخة أوسع من الاتفاق الإطار للتعاون العسكري المبرم" بين البلدين.
وأكد أن الاتفاق الجديد "سيعزز العلاقات بين جيشينا"، داعيا "الأطراف الفاعلة المسؤولة الأخرى" إلى دعم حكومة السراج المعترف بها من جانب الأمم المتحدة.
وقال المسؤول التركي إن "استقرار ليبيا يرتدي أهمية كبرى لأمن الليبيين ولمكافحة الإرهاب الدولي".
في ذات الصدد،تصاعدت حدة الانتقادات المحلية والإقليمية للاتفاق الذي أبرمته "حكومة الوفاق" الليبية، برئاسة فائز السراج، مع تركيا، بشأن التعاون الأمني والمناطق البحرية، واعتبر وزيرا خارجية مصر واليونان، في ختام اجتماع مشترك بينهما في القاهرة، أن "مذكرتي التفاهم" لا تحظيان بـ"الشرعية".
وأثار توقيع تركيا مذكرتي تفاهم في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية مع "حكومة الوفاق"، رفضاً مصرياً ويونانياً وقبرصياً، وأعلن وزراء خارجية الدول الثلاث، يوم الخميس الماضي، "عدم وجود أي أثر قانوني لهذا الإجراء، الذي لن يتم الاعتداد به، لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبي وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال".
من جانبه،أعلن دبلوماسي أوروبي، الخميس، أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون الوضع المتدهور في ليبيا وتداعيات مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق.
وأشار الدبلوماسي إلى أن مذكرة التفاهم حول الحدود البحرية تؤثر على مصالح دول المنطقة كافة، وتثير أسئلة كثيرة، مشدداً على أن حكومة الوفاق لا تسيطر على ليبيا. كما قال لفضائية "العربية": "اطلعنا على مذكرة التفاهم ولم نتسلمها رسمياً من أي من الطرفين".
وكان الاتحاد الأوروبي قد طالب، الأربعاء، حكومة الوفاق وتركيا، بتسليم نسخة من مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين "دون أي تأخير".
إلى ذلك أوضح في بيان أن "الاتحاد الأوروبي يقف متضامناً بشكل كامل مع اليونان وقبرص بشأن التحركات الأخيرة من جانب تركيا في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك بحر إيجه"، مضيفاً أنه "على تركيا أن تحترم سيادة جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وحقوقها السيادية، كما شدد المجلس الأوروبي مراراً".
يتجلّى المأزق القانوني الذي تواجهه الوفاق أن المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات السياسي بشأن ليبيا والموقع في عام 2015 التي تنص على أن مجلس الوزراء ككل وليس رئيس المجلس منفردا يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية، حيث إن الاتفاق تم توقيعه بشكل شخصي ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط.
ويؤكّد مراقبون أنه وفقًا لاتفاقية أعالي البحار فإن تركيا لها أن تتحرك في 12 ميل بحري، ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أراد الحصول على 200 ميل بحري فيما يعرف بـ"الجرف القاري" لتوسيع النفوذ التركي وتأمين مصادر الطاقة إذ أنها تستورد حوالي 95% منها.
ولا تتسم المبررات التي ساقها وزير خارجية الوفاق محمد سيالة بالتماسك،إذ قال سيالة "هي مذكرة تفاهم تعنى بالحقوق البحرية، وتحمي السيادة الليبية في ما يتعلق بالمناطق البحرية للدولتين المتقابلتين وتحدد حقوق كل منهما، ومكاسبنا فيها حماية هذه المنطقة وسيادة ليبيا على منطقتها وفقا لما حدده قانون البحار الدولي".
وأضاف "نأمل ألا تقلق هذه الاتفاقية الاتحاد الأوروبي، فالدول المقابلة التي لم يتم الاتفاق معها، نحن على استعداد للاتفاق معها لتحديد المناطق البحرية، خاصة وأن اللجوء إلى قواعد القانون الدولي أمر حضاري".
من ذلك،يرى متابعون للملف الليبي أن الاتفاق التركي الليبي الذي تضمن ترسيم للحدود البحرية يأتي في إطار صراع أنقرة على موارد الاقليم ومحاولة محاصرة مصر، بهدف امتلاك أوراق ضغط عليها للتأكيد على وجودها في الاقليم كطرف رئيسي ومؤثر.
هذا التموقع السياسي المفضوح للوفاق يجعل من إمكانية إنخراطها في مسار سياسي جامع مسألة مستبعدة إذ خسرت الوفاق بهذه الخطوة أي إمكانية للإجماع الداخلي مقابل ضمان مصالح حليف خارجي يسهر على دعمها أمنيا.