بداية نقول إنه وبكل تأكيد تتمثل إشكالية الإدارات في مؤسساتنا المغاربية العامة بشكل عام، والاقتصادية بشكل خاص، بأنها إدارات مفرطة في تباهيها بأنها إدارات ناجحة، تمتلك خزان معارف وفي كافة الاختصاصات والمجالات، والمهارات التي يحسدهم غيرهم عليها، ولا يمتلكها شخص آخر غيرهم، وهي تعمل ـ أي تلك الإدارات ـ جاهدة على كيل التعظيم والتبجيل والمديح لمن ساهموا ويساهمون في إطالة أمد بقائهم في تلك الإدارات من خلال التمترس أمام أبواب المسؤولين الذين غالباً ما تكون موصدة على سواهم.
طبعاً نستطيع تصنيف هذه المؤسسات بأنها تسيطر عليها (حالة) مرضية تستوجب العلاج، لأنها غارقة في الفساد وانعدام روح المسؤولية، تسيطر (الأنا) عليها، والعلاج هنا يقتضي إعادة النظر في مثل هكذا مؤسسات، كونها لا تعرف من الإدارة ونظمها سوى (نفذ ما أقول) تنفيذاً لتحقيق رغباتها ومصالحها الشخصية النفعية، وهي بالنتيجة مؤسسات لا تتمتع بأية مسؤولية وطنية وأخلاقية، ونعتقد جازمين أن المؤسسة الناجحة هي التي تمارس العمل بكل شفافية بعيداً عن الأهواء الشخصية، بغية تحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسة، مع ضرورة امتلاكها لديناميكية وحيوية بغية تحقيق التفاعل النشط بينها وبين العاملين، وهي فوق كل ذلك تكتسب مشروعية سلطتها من رضا وتفاعل الأشخاص الذين يعملون بها بعيداً عن استيراد عاملين من خارجها، وتسلطهم على من أمضوا سني عمرهم في خدمتها، وهذا يفرض بالضرورة أن تمتلك تلك المؤسسات كفاءات شخصية وإدارية قادرة على التفاعل مع الجميع وفي كل الظروف، وألا تمارس سلطتها لفرض قراراتها وصلاحياتها التي لا تخدم المصلحة العامة للمؤسسة وبشكل قسري.‏
طبعاً ما أشرنا إليه ينطبق على بعض المؤسسات الاقتصادية وهي مؤسسات نستطيع تسمية مديريها ب (سوبر مديرين) لأنهم يتمتعون بكفاءات وامتيازات وشروط لا تتوفر لغيرهم من المديرين، وليس بينها الكفاءة الإدارية المهنية التي تعمل بروح عالية من المسؤولية، لأنها ـ أي تلك الإدارات ـ لا تؤمن بروح التطوير، تتاجر بأخلاق العمل وممارساته، وتسوق لنفسها أمام الآخرين بأنها تمتلك من الخبرات والمهارات التي تستوجب أن تكون في مواقع أعلى مما هي فيه، وهي فوق كل ذلك غارقة بالفساد حتى أذنيها.‏
وعندما نقول (سوبر مديرين) فإنه لقناعتنا بأنه لابد من وجود معايير يفترض توفرها في اختيار مثل هكذا مديرين، شريطة ألا تكون هذه المعايير على طريقة (سوبر ستار) معايير تنهي الكثير من هؤلاء المديرين الذين يعتبرون المؤسسات التي يديرونها ملكاً شخصياً لهم، دون النظر إلى ملكية الدولة لها.‏
معايير تنهي (حالة) الفساد القائمة في الكثير من مؤسساتنا المغاربية العامة وبشكل خاص الاقتصادية، كون غالبية تلك الإدارات قد هبطت عليها بواسطة مظلات انتهى مفعولها منذ فترة طويلة، ولا يعقل أن تظل تلك المظلات حامية للكثيرين من الفاسدين الذين أثروا من خلال مواقعهم التي يديرونها.‏
إننا نريد (سوبر مديرين) يتمتعون بأخلاقيات عالية يتعلمون ويعلمون، لا يدعون معرفة كل شيء وهم لا يعرفون شيئاً. وحقيقة أننا نلاحظ بكل أسف في مؤسساتنا المغاربية (مديرون يعرفون كل شيء) وهم لا يعرفون شيئاً... نريد مديرين يضعون مصلحة الوطن والمواطن أمام أعينهم... نريد مديرين يقوّم عملهم إنتاج مؤسساتهم والناس، لا أن يقوموا من خلال (تلطيهم) خلف أبواب المسؤولين وبعض المظلات، وشراء بعض الضمائر الضعيفة التي تروج لهم من خلال لقاءات يبتدعونها، أو مؤتمرات يعقدونها، أو وسائل إعلامية يصدرونها...
إن المرحلة التي نعيش وبخاصة في زمن كورونا، هي مرحلة عمل وإنتاج وتطوير وتحديث، وإنهاء لحالة الفساد والمفسدين في وزاراتنا ومؤسساتنا المغاربية، وبخاصة تلك الاقتصادية منها التي نعوّل عليها الآمال الكبار في دعم اقتصادنا المغاربي.‏
*كاتب صحفي من المغرب.