مثلت ظاهرة تجنيد الأطفال في صفوف التنظيمات المتطرفة واستغلالهم في عمليات إرهابية، مشكلة تؤرق دول العالم، ومن بينها ليبيا، التي راهنت قوى الإرهاب على تجذير الفكر المتطرف فيها عبر القصّر والأطفال.

وكانت القوات الليبية قد أنقذت عددا من الأطفال خلال حربها ضد "داعش" في مدينتي سرت وصبراتة عام 2016، لتجد الدولة نفسها مضطرة لرعاية قرابة 200 طفل تراوحت أعمارهم بين الشهر الواحد والثلاث عشرة سنة، تعود جنسيات آبائهم لأكثر من عشر دول عربية وإفريقية.

ويعتبر ملف التعامل مع "أطفال داعش" من أكثر الملفات الإنسانية تعقيدا حيث أن هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم فيما إقترفه الكبار من فضاعات لكن قامت بعض الدول و المنظمات الإنسانية جهودا في اتجاه حل هذا الملف الحارق. 

وقال مدير إدارة الشؤون القنصلية بالخارجية الليبية البي محمد إنهم راسلوا جميع دول الأطفال لإتمام إجراءات استلامهم وعودتهم لأسرهم، مؤكدا أن الدولة الوحيدة التي استجابت واسترجعت أطفالها هي السودان، بينما لم تستجب بقية الدول، ومنها مصر وتونس.

من جانب آخر، طالب رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين المصريين أحمد مصيلحي بتدخل الدولة المصرية عبر المفاوضات لحماية الأطفال والحفاظ على حقهم في الحياة في أسرع وقت ممكن، مؤكدا أن حقوق الأطفال كفلها الدستور، كما اتفاقية حقوق الطفل الموقعة من قبل الدولة المصرية.

وكانت النائب بالبرلمان التونسي خولة  بن عائشة قد تلقت ردا من الخارجية التونسية على خطابها بشأن الأطفال التونسيين بليبيا، إلا أنها اعتبرته إعادة لمعطيات معلومة دون أن يقدم إضافات، مؤكدة وجود أبعاد سياسية لهذا الملف بحسب تعبيرها.

من جانبه، يقول فيصل جلوال أحد مسؤولي جمعية الهلال الأحمر الليبي إن كاهلهم قد أثقل من رعاية الأطفال، وأن الظروف التي تمر بها ليبيا تجعلها غير قادرة على مساعدة الهلال الأحمر لفترات طويلة.

فيما أكد المحامي الليبي وسام الصغير أن وضع الأطفال داخل السجون مخالفا للقوانين الليبية، مطالبا بإخراج من تجاوز عمره السنتين وتسليمه لأقاربه أو نقله لدار رعاية الطفولة، وألا يؤخذوا بجريرة ما اقترفه آباؤهم.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قالت إنها تسلمت 5 من أطفال دواعش يتامى ومنفصلين عن أسرهم، تصل أعمارهم 5 سنوات، مؤكدة ضرورة محاكمة الراشدين من الفرنسيين الذين انضموا لداعش، وأن عودة الأطفال والقصر يعد أمراً إنسانياً.

وكشف تقرير لمكتب حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، صدر في الأول ديسمبر 2018: "إنّ المحققين وثّقوا شهادات عن العمل القسري، في 6 مراكز احتجاز، بين عامَي 2017 و2018، بما في ذلك تاجوراء وطريق السكّة بطرابلس الكبرى".

على صعيد متصل، قال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري: "إن الجماعات والمليشيات الإرهابية تحاول تجنيد  أطفال ليبيين مرتزقة؛ للقتال في معركة طرابلس".

ويقبع عشرات الأطفال الذين خلفهم داعش مثلما يصطلح على تسميتهم "أطفال داعش" اليوم، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر إلى 13 في سجن معتيقة بالعاصمة طرابلس وكذلك في مقر الهلال الأحمر بمدينة مصراتة تتراوح أعمارهم سنة، بعضهم مع أمهاتهم والبعض الآخر وحيدون.

وأعلنت وزارة العدل الليبية الشهر الماضي، ترحيل مجموعة تضم 10 نساء و14 طفلاً يشتبه في أنهم أبناء عناصر تونسيين في تنظيم داعش الإرهابي إلى تونس، غداة زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد لهذا البلد.

وقال جهاز الشرطة القضائية في وزارة العدل في بيان صحفي:"تم ترحيل 10 نساء و14 طفلاً من الجنسية التونسية، قبض عليهم في مدينة سرت من ضمن عناصر تنظيم داعش".

وأضاف البيان "تم تسليمهم جميعاً إلى السلطات التونسية بمعبر رأس اجدير البري، بناءً على الاتفاقية المبرمة بين السلطات القضائية والأمنية الليبية والتونسية".

من ذلك،يرى مراقبون أنه هناك تجارب استهانت بعودة أطفال وأسر التنظيمات الإرهابية، ما خلق أجيالاً جديدة من المتطرفين ظل العالم يعاني من إرهابهم"، كتجربة عودة أجيال تنظيم "القاعدة" الأولى إلى بلادهم، ما خلق أسر مثل أسرة زعيم التنظيم "أسامة بن لادن" التي توارثت الفكر المتطرف عبر الأجيال.

في نفس السياق،سلط مركز المستقبل للدراسات والأبحاث، الضوء على طرق التعامل مع أطفال الجماعات المتطرفة، متطرقا في دراسة له تحت عنوان "كيف يعكس الأطفال القُصّر في بؤر التوتر تفاعلات الإقليم؟" إلى سبل التعامل مع الأطفال المولودين والمنخرطين في بؤر الصراعات المسلحة العربية.

ولفت المركز إلى إنه نظرًا لأن عددًا من المقاتلين في التنظيمات الإرهابية، وبصفة خاصة "داعش"في ليبيا وسوريا والعراق، قُتِلوا أو فروا أو سُجِنوا أو احتُجِزوا، يظل مصير أطفالهم الذين ولدوا "عالقًا"لا سيما في حال فقدان أمهاتهم أيضًا، وعدم امتلاك أوراق ثبوتية  رسمية.

ويعيش بعض هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم في السجون أو المخيمات داخل الدول السابقة، حيث يعانون من نقص حاد في الغذاء والملبس والدواء، وهو ما قد يتعرض له الأطفال المجندون، بشكل قسري، في صفوف الميلشيات المسلحة اليمنية والليبية، على نحو يثير اهتمام بعض المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية المعنية بحقوق الأطفال وخاصة في النزاعات المسلحة.

ويطالب البعض بضرورة فتح ملفاتهم والالتزام بإعادتهم إلى بلادهم وإدماجهم في عائلاتهم الموسعة، عبر تبني سياسة اجتماعية تضمن لهم الرعاية لأنهم لا يتحملون مسئولية أفعال آبائهم وأمهاتهم، فضلاً عن إرغامهم بشكل قسري على حمل الأسلحة.