بعد نحو عام من نشوب أزمة دبلوماسية بين بين إسبانيا والمغرب مرتبطة بقضية الصحراء الغربية، أعلنت الحكومة الإسبانية الجمعة عن "مرحلة جديدة" في العلاقة مع المغرب. 

وقالت الحكومة الإسبانية في بيان أصدرته، "ندخل اليوم مرحلة جديدة في علاقتنا مع المغرب تقوم على الاحترام المتبادل، واحترام الاتفاقات، وغياب الإجراءات الأحادية، والشفافية والتواصل الدائم".

يأتي هذا الإعلان بعد صدور بيان عن الديوان الملكي المغربي أشار فيه إلى رسالة وصلت من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، اعتبر فيها الأخير أن مبادرة "الحكم الذاتي" المغربية المقترحة للإقليم المتنازع عليه "بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف"... "بوابة إفريقيا الإخبارية" وفي إطار تغطيتها لهذا الملف والوقوف على أبرز التطورات والمستجدات، أجرت هذا الحوار مع الباحث المغربي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالله أبوعوض الحسني، وإلى نص الحوار

-إسبانيا تداركت مصلحتها التي تربطها بالمغرب.

-المغرب فرض نفسه في المعادلة الدولية كقوة إقليمية.

-الصحراء المغربية من القضايا الخاسرة للطرف الإسباني.

-إسبانيا تبحث عن شراكات حقيقية وذات مردودية وهو ما وجدته في المغرب.

-المغرب يعتمدُ على المسار التشريعي لحماية حدوده البحرية من التمدد الإسباني.

-المستقبل مليء بالتحولات السياسية في مجال العلاقات الدولية.


-بداية كيف تقيم التحولات الأخيرة في العلاقات الإسبانية المغربية وخاصة بعد دعم مدريد للرباط في قضية الصحراء الغربية؟

الصحراء المغربية، هي من المواضيع التي صار المغرب يتعامل معها كمسلمة في الدفاع عن وحدته الترابية، سواء بالمرجعية التاريخية، أو المرافعات السياسية، لذا يمكن تقييم الوضع المستجد من الجارة الإسبانية، باعترافها بالحكم الذاتي كمقترح جاد لسد اللبس في هذا الموضوع، إلا أن الموقف الإسباني المتعنت طيلة هذه السنوات، بقبوله بالمقترح المغربي مؤخرا، هو تحول جذري في الموقف، وهو دليل على تدارك إسبانيا مصلحتها التي تربطها بالمغرب، سواء بالعمق الجيوستراتيجي الجغرافي، أو المصالح الاقتصادية التي صارت تفرض نفسها كمعادلة.

ولا ننسى أن التأثير المباشر للتغيرات الدولية، سواء من أزمة كورونا، أو الحرب الدائرة رحاها الآن بين أوكرانيا وروسيا، دفعت بإسبانيا أن تعيد مراجعة أوراقها وترتيب أولوياتها ومصلحتها خاصة.

-تغير موقف إسبانيا حول الصحراء الغربية.. بماذا تصف تلك الخطوة؟

خطوة لم تأت اعتباطا بالنسبة للموقف الإسباني، بل جاءت عن دراية بما هو مقبل في المستقبل القريب، فإسبانيا تدرك أن التحولات السياسية التي يعرفها العالم، تفرض فتح قنوات دبلوماسية واقتصادية إقليمية وقارية، والمغرب فرض نفسه في المعادلة الدولية كقوة إقليمية من حيث مواقفه السياسية، ونموه الاقتصادي، والعمق الأمني في مكافحة الإرهاب، ولا ننسى دوره في مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي أتعبت الاتحاد الأوروبي.

والصحراء المغربية، هي من القضايا الخاسرة للطرف الإسباني، حيث كانت عنده كورقة لحماية مصالحه، لكن تبين بالدبلوماسية المغربية، أن المصلحة تكمن في الابتعاد والنزول لمراعاة المصالح تحت مبدأ التفاوض، بين المغرب كقوة إقليمية وإفريقية، وبين المصالح الإسبانية سواء في المغرب أو العمق الإفريقي.

-برأيك لماذا تسعى إسبانيا إلى إعادة العلاقات مع المغرب، وما مصالحها؟

ليست مصالح فقط، بل عمق استراتيجي إقليمي وإفريقي، فإسبانيا هي بوابة الاتحاد الأوروبي مع القارة الإفريقية، وما برهنت عليه تدابير التعامل مع الجائحة، تبين أن دول الاتحاد الأوروبي منفصلة في آليات التعامل معها، وأن الاتحاد الأوروبي حاضر في الشراكة المنفعية غائب في الشراكة الفعلية، ومؤخرا بعض دول الاتحاد برهنت على المصالح الذاتية أكثر، كفرنسا وألمانيا، لذا فإسبانيا تبحث عن شراكات حقيقية وذات مردودية، وهو ما وجدته بعد دراسات واستشارات طويلة، في المغرب.

-ما نتائج هذا الدعم الإسباني وتأثيراته على العلاقات بين الجزائر وإسبانيا؟

حقيقة ستكون هناك نتائج وخيمة على الطرف الجزائري خاصة وليس الإسباني، بحكم أن النظام الجزائري أودع مليارات الدولارات في مشروعه التجزيئي داخل المنطقة، من خلال دعم البوليساريو وطرحها الانفصالي، فرهانات الجزائر كانت توهم الطرف الإسباني بالمنفعة المشتركة، من خلال فتح معبر على الحدود البحرية بالأطلسي، وهو ما دفع بالطرف الإسباني أن يؤمن ولو معلقا بهذا الطرح، لذا فالجزائر وجدت نفسها بعد سنين من إهدار الثروة الجزائرية، والمقدرات الطاقية، خاوية الوفاض، وعادت إلى نقطة الصفر، من حيث تعبئة إسبانيا لتبني الطروحات الانفصالية الوهمية.

فما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا يؤشر على انعزال الجزائر إقليميا وقاريا ودوليا في موضوع الصحراء المغربية.

-ماذا عن ملف تدفقات المهاجرين عبر الثغرين المحتلين، وملف ترسيم الحدود البحرية؟

إسبانيا الشريك الاقتصادي الأول للمغرب في عام 2019، حيث استحوذت على 28.4٪ من إجمالي التجارة الخارجية للبلاد مع الاتحاد الأوروبي. وهو ما يعادل 14.89 مليار دولار، حسب تقرير التجارة الخارجية السنوي لمكتب الصرف لعام 2019.

كما استحوذت الدول الأوروبية مجتمعة على 65.8٪ من إجمالي التجارة الخارجية للمغرب في عام 2019، المقدرة بنحو 52.46 مليار دولار. كما بلغ نصيب البلدين الجاريْن مجتمعيْن 52.2٪ من تجارة المغرب مع أوروبا.

ومنذُ أن قام المغرب عبر مجلس المستشارين، إحدى غرف البرلمان المغربي، في الرابع من فبراير 2019 بالمصادقة على مشروعي قانونين يسعيان إلى ترسيم الحدود البحرية للمغرب من مدينة طنجة شمالاً إلى لكويرة جنوباً. وهو ما يمكن اعتباره انعطافة مهمةً قام بها المغرب في تدبير مناطقه البحرية، إذ عمل التشريع الجديد على تحديد حدوده البحرية لتشمل المياه والجرف القاري الممتد إلى صحرائه المغربية، لتكتمل بذلك مسطرة التصديق التشريعي للمغرب في هذا المجال.

ولأن المغرب بات يعتمدُ على المسار التشريعي من أجل حماية حدوده البحرية من التمدد الإسباني، فإنه اعتمد على نصوصٍ تشريعيةٍ وتنظيميةٍ تتعلَّق باختصاصه البحري، مثل الظهير الشريف الصادر في 8 أبريل/نيسان 1981 بإصدار القانون رقم 81 لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة تبلغ 200 ميل بحري قبالة الساحل المغربي.

ما يعني أن عمل إسبانيا بورقة الصحراء المغربية كآلية للضغط، صار متجاوزا ولم يعد له التأثير المباشر على طبيعة المصلحة المغربية.

أما بخصوص تدفق المهاجرين، فالمغرب يعتبره الاتحاد الأوروبي بوابة لأوروبا من حيث تدفق المهاجرين الأفارقة خاصة، وإسبانيا هي المستقبل المباشر للمهاجرين الأفارقة.

والثغرتين مدينتي سبتة ومليلية، كمدينتين محتلتين من طرف إسبانيا، إنما هما مسألة وقت للحسم في قضيتهما. لأن المغرب يؤمن بمبدأ الاسترجاع المبني على النهضة الاقتصادية الداخلية، ومكافحة الفساد.

-ما المكاسب السياسية للمغرب من هذا التقارب؟

من أهم المكاسب، الاعتراف الضمني الإسباني بالمغرب كقوة إقليمية، وأن اسبانيا تعتمد التقارب السياسي مع المغرب خدمة لمصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، والمغرب بدأ يدشن عهدا جديدا في علاقاته الدولية، وعمله الداخلي بضمان سيادته في مجموعة من المجالات القطاعية التي ترتبط بصفة مباشرة بأمنه واستقراره.

ومن أهم المكتسبات السياسية، نفوذ تصوراته مع دول الجوار دون الاحتكاك الميداني الذي تجتر إحدى الدول لافتعاله.

-كلمة أخيرة...

المستقبل مليء بالتحولات السياسية في مجال العلاقات الدولية، والصحراء المغربية عمليا بافتعالها كمشكل صار من الماضي، والعمل على ترسيخ قواعد السيادة الداخلية والخارجية، هو الرهان القادم لكل دولة، ومن لم يتفطن لما يقع في العالم، من تحولات هرمية، سيجد نفسه خارج السرب.