لاحت بارقة أمل في مدينة الصخيرات المغربية الأسبوع الماضي عندما اجتمع قادة سياسيون متنافسون ليبيون وجها لوجه للتوقيع على اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نقل في آن واحد التهاني والحذر، واصفا الاتفاق بأنه "بداية رحلة صعبة." ولكن بالنسبة لبلد يعج بالجيوب الجهادية والأطراف المتنافسة و حيث يحتاج 2.4 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية فورية، كان الأمر أفضل خبر في الذاكرة الحديثة.

في السنوات التي تلت الإطاحة بمعمر القذافي في 2011 بدعم من حلف شمال الأطلسي ، انحدرت ليبيا إلى الفوضى ومن ثمة إلى الحرب الأهلية. وفيما انسحبت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف الناتو متجنبين المشاركة الجدية في الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار السياسي، ظهرت مئات الميليشيات التي اقتطعت الأراضي لنفسها، إلى حد احتلال بعض الموانئ ومصادر النفط الرئيسية في البلاد بعض الأحيان.

وبحلول الوقت الذي دخلت فيه المفاوضات في الصخيرات مرحلة جدية بمشاركة ممثلين عن الحكومتين بوساطة الأمم المتحدة، ارتفعت الآمال بموجب بنود الاتفاق، في تشكيل حكومة واحدة. ولكن فصيلا واحدا لا مكان له على الطاولة ، إنه "داعش". على بعد 1500 من الأميال عن مقره في قلب سوريا والعراق، أنشأت "الخلافة التوسعية" "مقاطعة" على الأراضي الساحلية الليبية، على ما يقرب من 125 ميلا مربعا، و فقط على بعد 100 ميلا عبر البحر المتوسط من الشواطئ الأوروبية. وعلى الرغم من أن داعش ليبيا يبقى قزما أمام "السفينة الأم" في الشرق، فإن الجيب الليبي استراتيجي وحيوي للتنظيم، إذ ستمثل له ليبيا في حال الانتشار قصة نجاح كبيرة ومشروع خطر كبير على أوروبا. وعلى غرار الميليشيات العديدة التي وجدت لنفسها موطىء قدم في ليبيا أثناء وبعد الحرب، انخرط تنظيم داعش في نهب مخازن واسعة من الأسلحة تركها وراءه القذافي في جميع أنحاء البلاد. وقد استقطب عديد الأتباع داخل ليبيا وجند الآلاف الآخرين من المغرب العربي الكبير، ومن مالي ونيجيريا، وحتى من أوروبا. إنه يشكل تهديدا خاصا لأوروبا بحكم القرب الجغرافي فضلا عن سهولة العبور عبر الحدود الليبية التي يسهل اختراقها وعلى البحر الأبيض المتوسط. هذا هو فرع داعش الذي قطع رأس واحد وعشرين من المسيحيين الأقباط في وقت سابق من هذا العام، ما دفع الجيش المصري إلى شن هجوم جوي.

ولكن مع اتفاق الأمم المتحدة الجديد لاحت إمكانية حصول منعطف جديد في الحرب ضد داعش. ولم يكن من قبيل الصدفة أن المفاوضات جرت في المغرب، وهو عضو محوري في التحالف ضد داعش. فقد لعبت الرباط دورا مهما في إقناع الأطراف الليبية إلى اتفاق، كما أن أجهزة مخابراتها، منخرطة بقوة في الحرب ضد داعش في شمال افريقيا . كما يعتقد أن القرار البريطاني الجديد الذي تنباه مجلس الأمن هذا الأسبوع قد يمهد الطريق لأن توجه حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، الدعوة للحكومات الغربية لتقوم قواتها بهجوم منسق على جيوب داعش في ليبيا.

في الأشهر المقبلة، سيكون الصراع ضد داعش وتحدي إقامة حكومة ليبية قابلة للحياة متشابكان بشكل كبير. من سيتابع الحملة ضد داعش على أرض الواقع؟ في هذا الوقت الحكومة نفسها ليست حتى قادرة على تأمين مقرها ، ولو أن في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الليبي القادم، تعهد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بأن تكون فرنسا "إلى جانب الشعب الليبي من أجل التغلب على التحديات التي تواجه البلاد، بدءا من تأمين العاصمة، وعودة الاستقرار ومكافحة الإرهاب ".

إلا أن المملكة المتحدة استبعدت في الوقت نفسه نشر قوات قتالية خاصة بها، ولكنها عرضت إرسال ما يصل إلى 1000 جندي للانضمام الى مشروع بقيادة إيطالية للمساعدة في تدريب الجيش الليبي الجديد. في الوقت الحاضر، تعد قوات الكرامة المناهضة للإسلاميين بقيادة اللواء خليفة حفتر الأقوى في البلاد ، ويرجح أن تكون على المدى القصير دفعة منسقة ضد داعش.

الليبيون يدركون أن الدعم العسكري الذي يوشكون أن يحصلوا عليه من أوروبا وربما من الولايات المتحدة لن يعمر أكثر من مخاوف الغرب من بقاء تنظيم داعش في وسطهم. وسيكون التحدي بالنسبة للسياسيين في البلاد الاستفادة من هذه اللحظة النادرة من الزخم الدولي وتفعيل حكومة الوحدة التي يدعو إليها اتفاق الصخيرات. وهناك فرصة قد لا تأتي مرة أخرى.