إلى جانب الخسارة المأساوية لأرواح كثيرة وإلى جانب الأزمة السياسية والاقتصادية غير المسبوقة في ليبيا منذ بداية النزاعات العسكرية في أوائل عام 2011، يتم تدمير التراث الثقافي الليبي بشكل متعمد وعلى نطاق مدهش.
إن الوضع الكارثي الذي نواجهه اليوم يجبرنا على تحمل مسؤولياتنا وعلى التصرّف.
تهدف هذه الأعمال المدمرة إلى محو كل آثار تاريخ البلاد والتجذر التاريخي لشعبها.
إن هذه الحوادث تنخر في المجتمع الليبي منذ بضع سنوات، وتحفر كسورا عميقة بسبب واقع سياسي أبعد ما يكون عن حماية التراث المادي وغير المادي للبلاد، ويدفعها إلى المنحدر الجهنمي للإرهاب.
لم نشهد في التاريخ الحديث للمغرب العربي مثل هذا التدمير العنيف والممنهج للتراث الأثري لبلد في المنطقة.
هذه الكنوز التاريخية تستخدم الآن كأسلحة حرب لتمزيق المجتمع الليبي ونشر الكراهية. ويجب أن نكون واضحين تماما وأن نقف على المبادئ: فنحن لا نتحدث هنا عن الحجارة والآثار، بل عن القيم الأساسية للإنسانية.
فلا تعني الخسارة التي لا تعوض لهذا التراث ليبيا فقط بل العالم كله. ولهذا السبب نتقاسم المسؤولية لحماية هذا التراث خاصة في مثل هذا السياق المأساوي.
فكل موقع ليبي يجسد التاريخ والقيم والمعتقدات والفلسفة لدى الناس الذين خلقوها. وعندما يتم تدمير أحد المواقع، فإنه يمثل خسارة مدمرة بشكل خاص لجميع الذين يرون هذا التراث على أنه انعكاس لتاريخهم وثقافتهم وهويتهم.
التدمير المتعمد للتراث الأثري الليبي يؤثر أكثر بكثير من المباني أو المنحوتات. إنه تطهير ثقافي يهدف إلى تدمير كرامة الناس الذين يعتبرون هذا التراث تعبيرا عن هويتهم.
في بلد قبلي مثل ليبي، يمر باستمرار بأزمات مختلفة في منطقة مغاربية غير مستقرة بشكل خاص منذ عصر ما بعد الربيع العربي، التراث الثقافي يبدو غالبا قليل الأهمية أو اعتباره غير موجود. وفي الواقع، هذه الأهمية تميل إلى الزيادة في مثل هذه الظروف، لأنها تشكل عاملا أساسيا للتقارب بين مختلف المجموعات القبلية.
هذه هي الحالة الراهنة في ليبيا في نهاية عام 2018. بالتوازي مع نضالها العسكري، تقدم البلاد اليوم معركة ثقافية بالمعنى الحقيقي للكلمة. إنه صراع من أجل الوجود، دفعت له هذه الأمة ثمناً باهظاً وتقدم تضحيات كبيرة. من حيث معرفة الذات، يعطي التراث الثقافي جزءًا من الليبيين قصة بإخبارهم من أين أتوا وأين هم اليوم.
هذه هي الحالة الراهنة في ليبيا في نهاية عام 2018. بالتوازي مع نضالها العسكري، تقدم البلاد اليوم معركة ثقافية بالمعنى الحقيقي للكلمة. إنه صراع من أجل الوجود، دفعت له هذه الأمة ثمناً باهظاً وتقدم تضحيات كبيرة. من حيث معرفة الذات، يعطي التراث الثقافي جزءًا من الليبيين قصة بإخبارهم من أين أتوا وأين هم اليوم.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الوعي لدى النخبة المثقفة، ما زالت المواقع الأثرية الليبية تدفع ثمنا باهظا بسبب المواجهات العسكرية وبسبب عدم الاستقرار التي لا نهاية لها التي هزت البلاد، مما يجعل ليبيا مادة للنهب و التجارة غير المشروعة.
منذ عام 2011، بعد التورط في احتلال الأراضي وقتل الأبرياء وتدمير الآثار العامة، قامت بعض المجموعات العسكرية المتطرفة بعملية تطهير ثقافي استهدفت المواقع الأثرية والمعالم التاريخية.
كما نهبوا القطع الأثرية لتمويل أعمالهم العسكرية. وقصفوا ودمروا مواقع أثرية في منطقة طرابلس ، فزان وبرقة.
كما دمروا التماثيل والقطع الأثرية والفنية في المتاحف والمواقع الأثرية وهدموا مواقع أثرية تحتوي على العديد من الكنوز الفنية اليونانية الرومانية.
خلال الفترة من 2011 إلى 2015، استفاد العديد من المُهربين من غياب خدمات الدولة المركزية لتكثيف عمليات التنقيب غير القانونية في المواقع الأثرية (خاصة في منطقة لبدة الكبرى وأويا وصبراتة) بهدف جمع الأشياء التاريخية، التي تستهدف أساسًا أسواق الفن في أوروبا أو تركيا أو دول الخليج.
وتظهر الصور المنشورة على الشبكات الاجتماعية بوضوح خطورة الوضع. ولهذا السبب يجب على المؤسسات الإقليمية (مثل أليسكو) والمؤسسات الدولية (مثل اليونسكو) العمل لحماية ما تبقى من هذا التراث الآثري والثقافي الليبي، وهو مصدر فخر ليس للشعب الليبي فحسب، بل لجميع المغاربيين والعالم المتحضر.
*مقال للباحث محمد عربي نصيري
** "بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة