في 20 أكتوبر 2011 ، وضع مقتل معمر القذافي على أيدي متمردين في مسقط رأسه سرت ( بعد فترة طويلة من حكمه ليبيا ) نهاية للثورة التي اندلعت في فبراير من ذاك العام، وحملت نخبة سياسية وعسكرية جديدة.

كان من المفترض أن تقود هذه القيادة الجديدة ليبيا عبر فترة انتقالية تؤدي إلى إقامة جمهورية ديمقراطية.  لكن كان هذا أبعد ما يكون عن الواقع.

كانت الرواية الرسمية أن الشعب الليبي انتفض ضد نظام قمعي وفاسد ، وضد قوات للقذافي تتشكل في معظمها من مرتزقة أفارقة.

لكن سرعان ما ظهرت مع مرور الوقت ، رواية أخرى أكثر واقعية ومصداقية: لم تكن هذه ثورة لشعب ضد مستبد ومرتزقته. فالقذافي كان يحظى بدعم واسع نسبيا في ليبيا.

ما اندلع في ربيع من 2011 لم يكن ثورة، ولكن على الأصح تمرد قسم من المجتمع ضد آخر، وهو تفصيل حَوَّل "الثورة" إلى "حرب أهلية" لم تنته مع موت القذافي ؛ إنها ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا وإن كان في شكل مختلف.

كثير من المتعاطفين مع نظام القذافي لجأوا إلى جوار ليبيا من حيث كانوا يخططون للعودة.  لقد أصبحوا قوة لا يمكن لا للمجتمع الدولي ، ممثلا في الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة في ليبيا غسان سلامة ، ولا للسلطات الليبية الجديدة أن تتجاهلها.

في الذكرى السابعة لوفاة القذافي ، من المهم تقييم إرثه وآراء أغلبية من الليبيين بشأن نظامه. لا شك في أن الحكومات التي تعاقبت بعد المجلس الوطني الانتقالي الليبي لم تضطلع بمهامها بشكل جيد لتحريك ليبيا لتصبح ديمقراطية مستقرة.

إن استقطاب القوى السياسية والعسكرية ، إلى جانب تفكك السلطة وعجز الحكومات المختلفة عن استعادة الأمن ، وإعادة تشغيل الاقتصاد ، وتوفير الخدمات الأساسية ، كان له كبير الأثر على الليبيين . من المألوف الآن أن تسمع في شوارع طرابلس ومدن ليبية أخرى الأُمْنِية الحزينة: "أتمنى أن نعود إلى الفترة الذهبية لحكم القذافي".

الحنين إلى الماضي ليس حكرا على الليبيين.  نفس الظاهرة تحدث مع كل ثورة أو زوال نخبة بعد فترة حكم طويلة. ومع ذلك ، فهي علامة على عدم الارتياح للوضع الحالي في ليبيا ، علامة لا ينبغي للطبقة السياسية الجديدة في البلاد أن تتجاهلها ولا أن تقلل من شأنها.

إن حنين الليبيين للماضي ليس إعادة إقرار للقذافي وما كان يعنيه لليبيا. لا توجد علامة على هذه العملية على الأقل في المجال العام.  كان هناك إجماع واسع على مواقف القذافي ضد محاولات جيرانه التعدي على سيادة البلاد فضلا عن سياساته المناهضة للاستعمار في أفريقيا وأماكن أخرى.

صحيح أن القذافي لم يكن قوة إيجابية عندما يتعلق الأمر بخلق هوية وطنية أو بناء مؤسسات دولة قوية ، ولكن خلال فترة حكمه التي امتدت لأربعين عامًا ، تعرف الليبيون على بعضهم البعض وأزيلت الحواجز القديمة وتجووزت الحواجز . وفي النهاية ، تولد لدى الليبيين شعور بالفخر بالمجتمع ككل. هذه الحقيقة لا ينبغي التغاضي عنها، و إذا ما تم إحياؤها بشكل صحيح ، يمكنها أن تساعد في شفاء العديد من الجروح القديمة والجديدة.

لقد حان الوقت أيضاً لتحدي الرواية القائلة بأن ليبيا القذافي كانت فترة محرومة من المؤسسات تماماً.  يعتقد أن ليبيا ، في ظل القذافي كانت إلى حد كبير عرض "رجل واحد" ، ولكن ليس تماما . صحيح ، أنه  كانت هناك بيروقراطيات ، لكنها عملت بموجب قوانين وأنظمة مثل الوزارات ومجالس المدن، و الوكالات التنظيمية مثل مكتب التدقيق والبنك المركزي ؛ ووكالات قطاع الأمن ، وهلم جرا.

ليس صدفة أن اثنين من أكثر وزراء حكومة الوفاق كفاءة  ، محمد سيالة وزير الخارجية ، وطاهر الجهمي وزير التخطيط - خدما في إدارة القذافي.

وينطبق الأمر نفسه على حالات أخرى كثيرة في هيكل الدولة بأكمله. لا توجد وسيلة لليبيا لتكون أفضل وأكثر استقرارا إلا ببناء مؤسسات جديدة وقوية وباللجوء إلى خبرة كوادر ومسؤولين تنفيذيين سابقين ، رغم ما قد يطرحه هذا في ما يتعلق بمسألة الولاء للنظام الجديد والقيادة الجديدة.

لقد أصبح القذافي والولاء له رمزا لعدم الرضا عن الوضع الجديد ، وليس تأكيدا على تفوق النظام القديم.

الإعلانات والبيانات من قبل الموالين للقذافي تبدي صراحة الولاء لنظام تعددي ودستوري وليس العودة إلى "الجماهيرية" أو إلى أي شكل استبدادي لممارسة السلطة.

هناك حاجة في ليبيا لدراسة الماضي وتفسيره بواقعية وعقلانية بدلاً من إعادة تخيله باعتباره حقبة أسطورية حيث كان كل شيء أفضل.

ومن شأن هذه العملية أن تساعد كثيرا في التوفيق بين السكان وبحثهم عن نظام سياسي متجذر في هويتهم وتطلعات جميع الليبيين، وليس فقط عدد قليل منهم.

لقد مات القذافي وكذلك نظامه ، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتجاهل العناصر الإيجابية في الماضي التي يمكنها أن تساهم في ولادة ليبيا جديدة أكثر احتضانا.


*بقلم كريم مزران في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط بـ  Atlantic Council

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة