ينظر الليبيون باهتمام كبير الى مؤتمر برلين 2 المقرر عقده في الثالث والعشرين من يونيو الجاري ، والذي دعت اليه الحكومة الألمانية والأمم المتحدة جميع الدول المشاركة في مؤتمر برلين 1 بالإضافة الى دول أخرى ، من بينها المغرب وتونس ، ورئيسي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية الليبيين.
وحددت ألمانيا والأمم المتحدة أربعة محاور رئيسية للمؤتمر ، بغاية حسم موقف المجتمع الدولي من الملفات المتصلة بها ، ولاسيما في هذه المرحلة المفصلية من خارطة الحل الأمني والسياسي قبل 200 يوما من الموعد المحدد لتنظيم الانتخابات وهو الرابع والعشرون من ديسمبر القادم ،
ويشير المراقبون الى أن الأمر لا يتعلق بالتقييم فقط لما تم تحقيقه على ضوء مؤتمر برلين1 ، سواء كان ذلك ميدانيا منذ وقف إطلاق النار وإبرام الاتفاق العسكري في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي ، أو سياسيا منذ ملتقى تونس للحوار السياسي في نوفمبر ، وانتخاب السلطات التنفيذية الجديدة من قبل الملتقى في فبراير المنقضي ، وإنما يتجاوز ذلك الى تحديد دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في تجاوز العراقيل التي تسعى بعص الأطراف الى فرضها على المشهد من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه ، ودون الوصول الى لحظات القرار المصيرية المتعلقة أساسا بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وحل الجماعات المسلحة وتوحيد المؤسسة العسكرية وإطلاق المصالحة الوطنية وتنظيم الانتخابات
ووفق الخارجية الألمانية ، فإن المحور الأول لبرلين 2 ، هو دعم الخطوات السياسية المتخذة في ليبيا والاستعدادات الخاصة بإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل ، ويأتي ذلك بالتزامن مع استمرار الجدل حول القاعدة الدستورية التي سيتم اعتمادها لتنظيم الاستحقاق الانتخابي ، والتي تراهن بعثة الأمم المتحدة على أن يتم اتخاذ موقف نهائي بشأنها قبل ثلاثة أيام من المؤتمر ، بعد أن فشلت اللجنة القانونية في التوافق حولها في أوائل أبريل الماضي ، ما جعلها تضطر الى إحالتها الى ملتقى الحوار السياسي الذي عجز بدوره عن التوصل الى موقف نهائي بشأنها خلال اجتماعه يومي 26 و27 مايو ، مع تباين المواقف حول مسألتي الاستفتاء على الدستور وما إذا كان سيكون قبل أو بعد الانتخاب وآلية انتخاب رئيس للبلاد وما إذا كان سيكون عبر الاقتراع الشعبي المباشر أو من خلال البرلمان.
ومما يزيد في تعقيد هذا الملف أن على مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري أن يصدّقا على القاعدة الدستورية بعد أن ينتهي ملتقى الحوار السياسي من تحديدها ، وأن يتم كل ذلك خلال أسبوعين من الآن ، على أن يكون القرار قد أتخذ في ظل برلين 2 لتنطلق المفوضية العليا للانتخابات في تنفيذ خطتها العملية الفعلية وتحديد روزنامتها الانتخابات في الأول من يوليو ، وأي تأخير عن ذلك الموعد ، يعني أن الانتخابات ستتأجل ولن تنتظم في موعدها.
المحور الثاني يتعلق بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة ، وهو ما نص عليه الاتفاق العسكري في أكتوبر الماضي، ودعا إليه مجلس الأمن ، وتحققت حوله توافقات إقليمية ودولية ، ولاسيما من الجامعة العربية والاتحادين الأفريقي والأوروبي ، وتتبناه الدول الغربية بقوة ، كما نادى به المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية ، غير أن تنفيذه على الأرض لا يزال يواجه عراقيل عدة ، ويتعرض لمحاولات تأجيل غير مبررة ، نتيجة إصرار قوى الإسلام السياسي وأمراء الحرب وقادة الميلشيات وبعض الزعامات الجهوية بغرب البلاد على استثناء القوات التركية من القرار بزعم أنها توجد داخل الأراضي الليبية نتيجة مذكرة تفاهم أبرمت في نوفمبر 2019 بين طرابلس وأنقرة ،
ويعتقد المنادون بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة أن الحديث عن انتخابات لا يستقيم في ظل الوجود العسكري الأجنبي ، كما أن الأمن الإقليمي بات مهددا من قبل المسلحين الأجانب الموجودين داخل الأراضي الليبية ، ولو سيما بعد أحداث تشاد ومقتل الرئيس ادريس ديبي في 19 أبريل المنقضي ، وهو ما سيفرض على مؤتمر برلين 2 حسم الموقف نهائيا ، بحضور وفود الدول المعنية بالملف وعلى رأسها تركيا ، وذلك بالتأكيد على تنفيذ مخرجات قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2570 ،
المحور الثالث الذي سيتم التطرق إليه في مؤتمر برلين 2 يتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية ومناقشة خطوات تشكيل قوات أمنية ليبية موحدة ، وهو ما سبق أن أقره مؤتمر برلين 1 من خلال الدعوة إلى استعادة احتكار الدولة للاستخدام المشروع للقوة ، وتأييده تشكيل قوات أمن وشرطة وقوات عسكرية ليبية موحدة تحت سلطة مدنية مركزية، بناء على محادثات القاهرة ومخرجاتها.
كما نص عليه الاتفاق العسكري المبرم من قبل اللجنة العسكرية المشتركة ، وبقي حبرا على ورق ، بسبب استمرار تغول الميلشيات المسلحة في غرب البلاد ، وإمعانها في عرقلة بنود الاتفاق العسكري بما في ذلك البدء فورا في عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي سواء التي تم ضمها للدولة أو التي لم يتم ضمها، ومن ثم إعداد موقف عنها من حي (قادتها، عدد أفرادها، تسليحها، أماكن تواجدها) وتفكيكها ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها وبشكل فردي إلى مؤسسات الدولة ممن تنطبق عليه الشروط والمواصفات المطلوبة لكل مؤسسة وبحسب الحاجة الفعلية لتلك المؤسسات أو إيجاد فرص وحلول لمن لا تنطبق عليه الشروط أو لمن لا يرغب بهذا الدمج، من خلال لجنة فرعية مشتركة بدعم ومشاركة البعثة.
ويبقى ملف توحيد المؤسسة العسكرية الأهم بين بقية الملفات ، والأكثر صعوبة من حيث التنفيذ ، بسبب إصرار أطراف داخلية وأقليمية على سحب الشرعية عن الجيش وقائده المشير خليفة حفتر ، وإسنادها الى الميلشيات الخارجة عن القانون والمتورطة في جرائم ضد مؤسسات الدولة والمدنيين ، والتي تحتكم الى أوامر جماعة الإخوان الساعية الى إعادة إشعال فتيل الحرب في البلاد.
أما رابع المحاور ، فهو التأكيد على الدعم الدولي لليبيا من أجل عملية السلام والاستقرار الداخلي ، لكن أغلب المراقبين يرون أن المجتمع الدولي لا يزال غير قادر على فهم التوازنات الاجتماعية والثقافية والسياسية الحقيقة في البلاد ، وما يحدث من المواقف الخارجية مرتبط أساسا بمصالح الدول الكبرى ، وليس بالضرورة بمصلحة الشعب الليبي ، وهو ما يعني أن الحلول السياسية المفروضة من الخارج لن تحقق أهدافها طالما أن الصراع لا يزال قائما داخل المجتمع ، حيث لم يتحقق شيء يذكر على الأرض ، فيما يتصل بالمهجرين قسرا من مدنهم وقراهم والنازحين واللاجئين ، وبالسجناء والمحتجزين لدى الميلشيات ، وبجماعات الإرهاب والتهريب والإتجار بالبشر ، وبمعرقلي الحل السياسي ومن يحولون دون تنفيذ الاتفاق العسكري ، وناشري خطاب الكراهية الذي لا يزال يعمل على التفرقة وتقسيم الشعب.
ويضيف المراقبون أن ليبيا اليوم تحتاج الى دعم دولي يتمثل في فرض قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، ولاسيما المتعلق بتفكيك الجماعات المسلحة وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وإيقاع العقوبات على معرقلي الحل السياسي ،حتى لا يستمر الوضع على ما هو عليه لسنوات أخرى.