هو من أسّس «لجنة مسلمي إفريقيا» التي أصبحت فيما بعد «جمعية العون المباشر»(2) ، وظلّ طوال سنين حياته يبني هذا الكيان لبنة لبنة، وخطوة خطوة، حتى أقام مؤسّسة خيرية يُشار إليها بالبنان.

كما أنه بنى منظومة من منظومات العمل الخيري الدولي في القارة الإفريقية، اتسمت بصورة مُثلى من المصداقية والحضور الميداني الفاعل، ورسمت صورة مشرقة من صور العمل الخيري، وكان لها قصب السبق في كثير من المجالات في العمل الخيري.

وقد يسَّر الله لي اللقاء بالدكتور عبد الرحمن السميط في عدة مناسبات، سواء عند زيارتنا له في الكويت أو عند زيارته لنا في الرياض، وكذلك المشاركة معه في عدد من المؤتمرات الخليجية والدولية، ولما لمسته في شخصية الدكتور عبد الرحمن السميط القائد والداعية والطبيب والإداري والأبّ؛ فإني أسطّر هذه الوقفات حول تجربته الخيرية والدعوية.. لن أتحدث عن الجوائز العالمية التي حصل عليها، ولا عن مؤلفاته، ولن أعدّد منجزاته، فقد كفاني هذا الأمر الكثير ممن كتب عن الفقيد؛ لكني سأقف وقفات حول شخصيته التي اتضحت لي من خلال لقاءاتي به، على أن تفيدني وتفيد من يقرأ هذه الكلمات.

(خادم الدعوة في إفريقيا) لم يتخرج في جامعة متخصّصة في العلم الشرعي والدعوي، كالجامعة الإسلامية بالمدينة وأمّ القرى والأزهر، وإنما تخرّج في جامعة بغداد طبيباً، وهي جامعة عريقة، لكنها كانت في فترة حكم حزب البعث العربي في العراق الذي عُرف بمحاربته لأي اتجاه متدين، ليس في الجامعة فحسب، بل في نواحي العراق.

عاش السميط رجلاً بسيطاً في هيئته، وفي مسكنه، وفي حركته، وفي تعامله مع الناس، ما حفر محبته في قلوب الناس، كبيرهم وصغيرهم، غنيّهم وفقيرهم، مسؤولهم وعامّهم، فرسم بذلك صورة للداعية المحسن الذي يرى الآخرين هم أصحاب المعروف عليه، سواء كانوا محسنين أو كانوا فقراء محتاجين، وربما يكون هذا سرّاً من أسرار القبول الذي وهبه الله لهذا الرجل.

برغم بساطة السميط وتواضعه فإنه كان قوياً في الحق، لا يرضى أن يُهان العمل الخيري، ويستميت في الدفاع عنه في مواجهة أعتى العتاة، وقد حدثني بقصة أذكرها، وهي أن «حكومة السنغال في عهد الرئيس عبدو ضيوف أغلقت عدداً من الجمعيات الخيرية الإسلامية في ظلّ التوجه الفرانكفوني الذي تنتهجه الحكومة، وكان من بين من شملها القرار مكتب «لجنة مسلمي إفريقيا»، فغضب السميط من هذا القرار الأهوج القاضي بإغلاق هذه الجمعيات التي جاءت لتحمل الخير للمجتمع السنغالي، وكانت «لجنة مسلمي إفريقيا» لها جهود مباركة في إقليم «كازامانس» الذي تنشط فيه حركة انفصالية يقودها مسيحيون يطالبون بالانفصال عن السنغال، فثار الأهالي المسلمون من قرار الإغلاق (وهم المؤيدون للحكومة)، وضغطوا على الحكومة بأن مشاريع «لجنة مسلمي إفريقيا» التنموية في المنطقة هي أهم عوامل الاستقرار للمسلمين في المنطقة، وبالتالي مواجهة دعاوى الانفصاليين، فوافقت الحكومة على إعادة افتتاح المكتب، لكن السميط رفض افتتاح المكتب تأديباً للحكومة، فازداد ضغط الأهالي على الحكومة ما اضطر الرئيس عبدو ضيوف إلى الاتصال بالشيخ جابر (رحمه الله) للتوسط لدى السميط بإعادة افتتاح المكتب، ما كان له أبلغ الأثر في تأديب حكومة السنغال من جراء هذا القرار الأهوج».

كان الدكتور عبد الرحمن السميط يركّز في المشاريع طويلة المدى التي تهتم ببناء الإنسان والاستثمار في تنميته، وهي من المشاريع النوعية التي تحتاج لطول نفس وصبر ومثابرة قد لا يقوى عليها كثير من النفوس التي تبحث عن الثمار السريعة، لذا فقد كان لهذا النوع من المشاريع الأثر الواضح في التنمية وتحسين حال المجتمعات الفقيرة في القارة الإفريقية، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: كفالة الأيتام التي تراعي تكامل البناء الإنساني للفرد، ولا أدلّ على أن من بين الأيتام الذين تربّوا في مشاريع الجمعية مَن تولى مناصب وزارية في دولهم، ومن أصبح سفيراً لبلده في الكويت، وهذا النوع من الاستثمار في رأس المال البشري لا شك في أنه أخذ وقتاً طويلاً حتى تم قطف نتائجه.

كان السميط يعيش لقضيته وتحقيق أهداف جمعيته، فكان رفيقاً لها، وكانت الجمعية رفيقاً له تسعى وتأكل وتشرب معه في كلّ أوقاته، ما أورثه براعةً في تسويق مشاريعه، ولا أذكر أني التقيت السميط إلا وكانت بصحبته مشاريع ليسوّقها للجمعية، ورجل بهذه المواصفات وهذا الاستيعاب الكامل للتفاصيل كان خير مسوّق لمشاريع هذه الجمعية.

كان السميط مستغرقاً في كثير من تفاصيل العمل الذي تقوم به الجمعية، حتى لم يعد المتابع يفرّق بين السميط والجمعية، وكأنهما اسمان لكيان واحد، وهذا الاستيعاب الكامل للتفاصيل ومجريات عمل الجمعية أورث السميط قدرة عالية على تمثيلها في مختلف المحافل، بل كان خير من يتحدّث عن جمعيته.

استثمر الدكتور عبد الرحمن السميط كثيراً في التعليم؛ شعوراً منه بالعوز الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية في إفريقيا في موضوع التعليم وضعف تأهيل أبناء المسلمين، ومن ثَمّ ضعف مستواهم الاقتصادي، وضعف مستوى التأثير في مجتمعاتهم، ومن هنا فقد ركّز في إنشاء المشاريع التعليمية المميزة في مختلف المراحل، سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي أو المهني، كما أنه انتهج سياسة راشدة تتيح لهذه المنشآت التعليمية تسيير نفسها بنفسها، فلا تشكّل عبئاً تشغيلياً على الجمعية قد يعيق التوسّع في مشاريع مماثلة.

برغم أن نشاط السميط بدأ تحت مظلة «لجنة مسلمي إفريقيا»، وهي إحدى لجان «جمعية النجاة الخيرية»؛ فإن النمو المطرد لهذه اللجنة أوصلها إلى التفوق على «جمعية النجاة»، حتى أصبحت أكبر من الجمعية الأمّ وأكثر شهرة منها، وقد كان عامل إيقاف تسجيل جمعيات خيرية جديدة في الكويت حجر عثرة أمام السميط، لكنه لم يستسلم، وظلّ ينافح عن جمعيته حتى حصل على موافقة (تُعد استثنائية) من الشيخ جابر - رحمه الله - لإنشاء «جمعية العون المباشر» عام 1999م، وهذا أعطى للمشروع قوة قانونية وتسويقية، سهّلت للجمعية الانطلاق إلى آفاق جديدة من العمل الخيري الرحب.

لم يعش عبد الرحمن السميط في همَّ العمل الخيري وحده، بل عيّش معه - في دعمه ومساندته وتنشئة أبنائه – أسرته، والتي كان لدور زوجته (أمّ صهيب) فيها أبلغ الأثر في بثّ حب العمل الخيري والمساهمة فيه، وقد كان لاصطحاب السميط أسرته معه في إفريقيا لفترات طويلة أبلغ الأثر في تحويل الأسرة جميعها إلى خلية نحل في خدمة هذه الرسالة الخالدة، وهذا بدوره يسهّل على الداعية مهمته الكبيرة، وتتحول أسرته بدلاً من أن تكون شكّاءة من انشغاله وكثرة غيابه؛ إلى أن تكون سنداً له ومعيناً في تحقيق رسالته.

كان من توفيق الله للدكتور عبد الرحمن السميط انطلاق عمله الخيري من بيئة حاضنة للعمل الخيري ومشجّعة عليه كالبيئة الكويتية، فحبّ العمل الخيري والمساهمة فيه إحدى سمات المجتمع الكويتي، ولما للكويت من باع طويل في العمل الخيري، ولما لجهود السميط من خير مشهود في الوقت نفسه، قد يشتبه على الناظر الأمر؛ هل البيئة الكويتية هي التي دعمت السميط، أو أن السميط هو الذي أسهم في دمج المجتمع الكويتي في العمل الخيري، أو هما معاً!

أسهم عبد الرحمن السميط في تسويق اسم الكويت عالمياً، ما هيَّأ لها سمعة في المحافل الدولية تفوق حجمها الجغرافي والسكاني، وأذكر أنّي التقيت وفداً برلمانياً كويتياً في إحدى الدول الإفريقية، فقالوا لي لقد شهدنا عن قرب أثر العمل الخيري الكويتي في تسويق اسم الكويت، وتحقيق امتداد شعبي ودولي للكويت بسبب عملنا الخيري، ومن أكبر رواده د. عبد الرحمن السميط، ولقد حفظت الكويت وقدَّرت للدكتور السميط هذا الجهد المبارك، ولغيره من رجال جمعيات العمل الخيري الكويتي.