في الوقت الذي مازالت فيه المعارك على أشدها في محاور القتال في العاصمة الليبية طرابلس وبالتزامن مع دخول تركيا على خط الأحداث عبر ارسال المرتزقة والقوات التابعة لها لدعم المليشيات في المدينة،تمكن الجيش الوطني الليبي من دخول مدينة سرت وتحريرها بالكامل في تطور ملفت للأحداث المتتالية في ليبيا منذ اشهر.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الليبية اللواء أحمد المسماري إن قوات الجيش أحكمت سيطرتها بالكامل على مدينة سرت، الواقعة على بعد 450 كيلومترا شرقي طرابلس، والتي تسيطر عليها قوات تابعة لحكومة الوفاق.وأشار المسماري، في مؤتمر صحفي، إلى أن قوات الجيش خاضت عملية عسكرية سريعة لاستعادة سرت استمرت لمدة 3 ساعات فقط، مشيرا إلى أن القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر أشرف بنفسه على سير العملية، مبينا أن هدف العملية هو "قطع الطريق على مجموعات مسلحة تتواجد بالمدينة وتستعد للهجوم على الحقول والموانئ النفطية شرق مدينة سرت".


وأوضح أن "الخطة التي وضعت لتحرير سرت اتسمت بالسرية الكاملة، رغم أن القوات تقدمت نحو سرت منذ أكثر من أسبوعين، ومهدت القوات الجوية طيلة هذه المدة أمام التقديم البري، عن طريق ضرب أهم تمركزات الميليشيات في القرضابية ومعسكر الساعدي".
وأشار المسماري إلى أن عملية تحرير سرت اعتمدت على عنصري السرية والمفاجأة موضحا أن المدينة أصبحت بؤرة للإرهابيين للهجوم على الموانئ النفطية لذلك كان لابد من تحريرها.وشدد المسماري على أن هناك عناصر إرهابية فرت نحو الغرب مشددا على أن هذه العملية لا تستهدف مصراته أو أي مدينة وإنما تهدف لتطهير سرت داعيا أهالي المدن لعدم السماح للإرهابيين بالدخول إليهم.
وفي عملية عسكرية نوعية مفاجئة اقتحمت قوات الجيش الوطني، مدينة سرت عبر 5 محاور مصحوبة بغطاء من سلاح الجو، وخاضت الوحدات العسكرية التابعة للجيش في البداية اشتباكات مع مجموعات مسلحة قرب بوابة العشرين شرق سرت، قبل أن تتمكن من السيطرة عليها.
ودعت القوات المُسلحة المواطنين بمدينة سرت إلى الابتعاد عن تمركزات المجموعات المسلحة وعدم الاقتراب من مواقع الاشتباكات حفاظاً على سلامة أرواحهم.فيما أكدت شعبة الإعلام الحربي أن القوات المسلحة تواصل تقدماتها وتُبسِط سيطرتها على مواقع جديدة داخل مدينة سرت وأنها تسير بخطى ثابتة في اتجاه قلب سرت.


وتمكنت قوات الجيش من السيطرة على محاور هامة، من بينها قاعدة القرضابية بالكامل، ومعسكر كتيبة الساعدي في منطقة بوهادي، والحي الثالث أكبر أحياء المدينة.كما سيطرت قوات البحرية بالكامل على ميناء سرت الحيوي، وفق الضابط سليمان الهادي بغرفة عمليات سرت الكبرى التابعة للجيش.
ونقل موقع "ارم نيوز" عن الهادي قوله إن القوات البحرية نفذت عملية نوعية سريعة بزوارق حربية استطاعت من خلالها السيطرة على ميناء سرت بالكامل.وأشار الهادي إلى أن الميليشيات التي كانت مسيطرة على قاعدة القرضابية "استسلمت بالكامل بكامل أفرادها وعتادها لقوات الجيش التي أحكمت سيطرتها على القاعدة".
وقال آمر الكتيبة 192 مشاة التابعة للجيش الوطني النقيب عمر ابسيط، في تصريحات من وسط معسكر الساعدي، إن القوات تقدمت بناء على تعليمات القيادة العامة، مضيفا "حررنا منطقة بوهادي في سرت".وأظهرت صور متداولة سيطرة قوات الجيش الوطني على معسكر كتيبة الساعدي بمنطقة بوهادي جنوب سرت.
وبعدها واصلت قوات الجيش تقدمها وسيطرت على قاعدة القرضابية بالكامل، ثم جزيرة السواوة محور البحر، وجزيرة سرت قرب جامعة المدينة.لتسيطر عقب ذلك على شوارع مراح والمدار وخمسة وسط المدينة، وعلى كامل ميناء سرت، والحي السكني رقم 3.ونشرت وسائل إعلام ليبية ونشطاء على موقع "تويتر" صورًا ومقاطع فيديو تظهر دخول قوات الجيش لأحد الأحياء السكنية في المدينة، وسط استقبال الأهالي.


وفي وقت سابق، أعلن المتحدث باسم القوات الخاصة التابعة للقيادة العامة للجيش، العقيد ميلود الزوي، على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، أن قوات الجيش سيطرت على جميع المناطق بطوق سرت، مؤكداً أنه لا يفصلها عن عمق المدينة إلا كيلومترات قليلة بعد معارك شرسة مع قوات حكومة الوفاق.وكانت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي قد دفعت بقوة مقاتلة ضخمة إلى مدينة سرت، مؤلفة من كتائب طارق بن زياد و210 و128و302، وتم إغلاق الطريق الساحلي "سرت-هراوة" بسبب الاشتباكات.
وفي أعقاب تحريرها،أعلن رئيس الحكومة الليبية (المؤقتة سابقا) عبد الله الثني الطوارئ لتقديم الخدمات العاجلة والطارئة لمدينة سرت.وبين المكتب الإعلامي للحكومة الليبية أن الثني أعلن الطوارئ لبعض وزارات الحكومة ومؤسساتها وهيئاتها ومصالحها العامة الخدمية لتقديم الخدمات العاجلة والطارئة لمدينة سرت.
ومن جهته اصدر وزير الداخلية بالحكومة الليبية إبراهيم بوشناف ،مساء الاثنين ،قرارا بتعين العقيد مامي لامين الصادق الطرشاني وهو من خريجي الدفعة العشرين في كلية ضباط الشرطة ويحمل درجة الماجستير في العلوم القانونية، مديراً لأمن مدينة سرت،كما أصدر تعليماته لكافة ضباط وضباط صف وأفراد المديرية الالتحاق بأعمالهم فورا والعمل على مساندة الجيش وحماية ظهره، بإمرة مدير الأمن الجديد.
وهنأ مجلس النواب الليبي الشعب بتحرير مدينة سرت،ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن النائب الثاني لرئيس مجلس النواب الليبي الدكتور أحميد حومه، قوله:"أبارك لليبيين عامة وأهالي سرت خاصة تحرير مدينتهم على أيدي القوات المسلحة العربية الليبية وأثمن وأبارك خطوات الجيش وقائده المشير خليفة حفتر في تحرير كامل التراب الليبي".


وتعتبر مدينة سرت من أهم مناطق تمركز القوات الموالية لحكومة الوفاق،وعانت المدينة الساحلية من ويلات الإرهاب بعد سقوطها في قبضة تنظيم "داعش" الارهابي الذي جعل منها أهم معقل له في ليبيا والمنطقة،حيث مارس فيها جرائمه البشعة التي مازالت عالقة في اذهان الليبيين.ومنذ اشهر تعرضت مواقع الوفاق في سرت إلى عدة هجمات جوية من طرف الجيش الليبي بعد أن كان مقتصراً على العاصمة طرابلس.
وتحمل عملية تحرير سرت أهمية كبيرة فالجيش الليبي لا ينظر على أنها معقل للإرهابيين فحسب، بل لأهميتها الاقتصادية أيضًا؛ حيث تطل المدينة على البحر المتوسط شمالا، من ثم تسمح السيطرة عليها بتضييق الخناق على الإرهابيين وتغلق أمامهم أهم أبواب ومنافذ التمويل والدعم، يضاف إلى ذلك قربها الجغرافي من الهلال النفطي، وهو ما يقلق الجيش الليبي من احتمالية تنفيذ هجمات مرتدة منطلقةً من المدينة على الهلال.
وكانت التقديرات تشير الى أن وجهة الجيش الليبي بعد تحريره مدينة درنة ستكون مدينة سرت،فقبيل الإعلان الرسمي عن انطلاق معركة طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، نشر المكتب الإعلامي للجيش الوطني الليبي تسجيلات مصورة لقوات تتحرك على طريق ساحلي من بنغازي، المدينة الرئيسية في شرق البلاد، نحو الغرب.ونقلت وكالة "رويترز" حينها عن أحد سكان رأس لانوف، وهي بلدة نفطية في شرق البلاد تقع على الطريق الساحلي، قوله إنه رأى "دبابات وأرتالا عسكرية مدججة بالأسلحة الثقيلة متجهة نحو غرب ليبيا في اتجاه مدينة سرت".


لكن سرعان ما فاجأ الجيش الليبي الجميع،باعلانه عن اطلاق معركة "طوفان الكرامة" في العاصمة الليبية طرابلس، انطلاقا من الجنوب، بينما ظلت القوافل التي أظهرها تسجيل مصور نشره مكتب الإعلام بالجيش، وتضم مركبات مدرعة وشاحنات عليها أسلحة ثقيلة مرابطة على الحدود مع سرت.وفي أواخر أبريل الماضي،وجهت غرفة عمليات سرت الكبرى التابعة للجيش الوطني الليبي تحذيرًا شديد اللهجة إلى قوات حكومة الوفاق المتواجدة داخل مدينة سرت أمهلتها 48 ساعة لتسليم أسلحتها للجيش ومغادرة المدينة.
ويمثل تحرير سرت ضربة موجعة للقوات الموالية لحكومة الوفاق ويؤكد خبراء أنه قد يُشكل نقطة تحول في معركة طرابلس بسبب موقع المدينة الاستراتيجي.ونقلت "العربية.نت" عن المحلل السياسي الليبي محمد العمامي قوله أن مدينة سرت تقع بين طبرق شرقا وطرابلس غربا، وتعتبر مفتاح السيطرة على ليبيا بكاملها، لكونها نقطة التقاء كافة ربوع المناطق اللبيبة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقربها من موانئ وآبار النفط الرئيسية الثلاثة البريقة ورأس لانوف والسدرة، فضلا عن أنها تقع في إحدى المناطق الغنية بالنفط بين حقول سرت ومرادة وزلة.
وكشف أن المدينة يمكن أن تكون إحدى نقاط الاتصال الرئيسية بالعالم فلديها مطار القرضابية الدولي، كما يتواجد بها ميناء تجاري وتمتلك قاعدة جوية كبيرة هي القرضابية، مشيرا إلى أن سيطرة الجيش الليبي عليها، يعني فعليا اقتراب نهاية معركة تحرير ليبيا، وقرب دخول طرابلس بشكل كامل.وأضاف المحلل الليبي إن التخوف الأكبر هو انسحاب ميليشيات الوفاق إلى مصراتة وتحصنهم هناك مستغلين وجود قاعدة تركية بالمدينة، وهو ما يخلق احتمالات بتوافد أعداد كبيرة من المسلحين والمقاتلين الأجانب للمدينة، وخلق بؤرة إرهابية هناك، تحتاج لمعركة أخرى للقضاء عليها.
ويأتي تحرير مدينة سرت بالتزامن مع بدء انتشار قوات تركية في ليبيا. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الاثنين، إن تركيا سترسل خبراء عسكريين وفرقا تقنية لدعم حكومة الوفاق في ليبيا وذلك بعد يوم من قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن وحدات عسكرية من بلاده تتحرك إلى طرابلس.

ويزور جاويش أوغلو الجزائر وذلك بعد ساعات من زيارة فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي  لحكومة الوفاق في ليبيا إلى الجزائر.وفي أعقاب لقاء جمعه بوزير الخارجية الجزائري، قال أوغلو إن الاجتماع كان مفيدا وسمح ببحث سبل تطوير التعاون الثنائي.وصرح وزير الخارجية التركي بعد اللقاء، أن المحادثات سمحت بتبادل وجهات نظر مثمرة، خاصة في ملف ليبيا.
وتأتي جولة أوغلو، متزامنة مع تصريح محمد القبلاوي المتحدث باسم الخارجية الليبية للإذاعة الجزائرية، عن ثقته في "دور جزائري إيجابي لحلحلة الأزمة الليبية".وأورد التليفزيون الجزائري الرسمي، أن الجزائر تدعو المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته في فرض الأمن والسلام في ليبيا".
وتسعي تركيا لكسب تأييد دول الجوار في العدوان على ليبيا،وأكدت الرئاسة التونسية، يوم الثلاثاء، رفض السماح للجيش التركي بإجراء عمليات إنزال عبر الحدود التونسية الليبية.وقالت المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية التونسية رشيدة النيفر، لإذاعة "موزاييك إم. إم" المحلية، إن "تونس ترفض رفضا قطعيا أي تدخل أجنبي في ليبيا، بما فيه التدخل التركي، وهو موقف تونس منذ الأول ولم ولن يتغير".


وبخصوص سؤال حول السماح لتركيا باستخدام أراضيها للتدخل عسكريا في ليبيا، أكدت النيفر، أن "تونس لا يمكن أن تسمح بذلك، وأن جواب رئيس الجمهورية كان صريحا للرئيس التركي خلال زيارته لتونس".وشددت على أن "سيادة أي شبر من التراب التونسي ليست محل مساومة".
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،قام بزيارة فجئية الى تونس منذ حوالي أسبوعين ليعلن بعدها أنه إتفق مع تونس على دعم حكومة فائز السراج في ليبيا،فيما قال وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا،خلال مؤتمر صحفي من تونس التي وصلها على عجل في أعقاب زيارة أردوغان،أنه سيكون هناك تعاون كبير مع تركيا وتونس والجزائر.لكن هذه التصريحات نفتها الرئاسة التونسية في بيان لها واصفة اياها "بالتشويه والكذب".
ويسعى أردوغان لتبرير أطماعه في ليبيا عبر الزج بدول الجوار في تحالف مشبوه لغزو ليبيا خدمة لأجنداته وأحلامه.وأعلنت القبائل الليبية الجهاد ضد الغزو التركي فيما خرجت مظاهرات حاشدة في أغلب المدن الليبية تنديدا بأطماع أردوغان.واعتبر مراقبون أن الاصطفاف الليبي ضد الأطماع التركية بغزو البلاد يعتبر الأكبر منذ اندلاع الأزمة في العام 2011.ويشير هؤلاء الى أن خطر الغزو التركي من شانه توحيد الليبيين للدفاع عن أرضهم ودحر العدوان السافر وهو ما سيكون نقطة الانطلاق نجو ارساء المصالحة واعادة بناء الدولة.