بقيت القبائل الليبية خارج سلطة الدولة منذ سقوط نظام معمر القذافي 2011، حيث امتلكت العديد من القبائل فصائل مسلحة جهزت بمعدات واسلحة، واختفت من المشهد الليبي المؤسسة العسكرية والأمنية بصورتها التقليدية، وتم استحداث كيانات موازية تمثلت في اللجنة الأمنية العليا والدروع المسلحة تناوب على قيادتها شخصيات تنقصها الخبرة والمهنية والتخصص تنفذ اجندة تيار سياسي تتقاذفه اجندات خارجية. 

ويقع على رئيس حكومة التوافق  أن يبدي حرصه على كسب رضا القبائل الليبية لسببين : مساهمتهم في النزاعات المسلحة كتلك التي قامت من 2011 -2015 ، واقتتالهم الدائم فيما بينهمما صعّب بناء الدولة على السياسيين.

وقد وقعت العديد من  الحروب الجهوية و الايديولوجية الذي كان يقودها تيار الإسلام السياسي ضد قبائل ، كورفلة وورشفانة وقد كانت آخر الحروب القبلية الكبيرة إبان عملية فجر ليبيا بين قبيلة ورشفانة وجارتها الزاوية وقبائل ومناطق اخرى منها ميليشيات مسلحة محسوبة على الامازيغ وجماعات متطرفة تنتمي للجماعة الليبية المقاتلة اشتركت في الحرب ضد ورشفانة، قامت خلالها بتدمير وحرق وسرقة بيوت اهالي ورشفانة وتهجير اكثر من 86000 الف عائلة من ديارهم ، لذا يرى كثيرون أنه على رئيس حكومة التوافق محاولة التعامل مع القبائل الليبية  بشكل عملي وواقعي، ومعالجة ملف المصالحة الشاملة وجبر الضرر من خلال تعويض السكان في ممتلكاتهم . كما عليه المحافظة  على الكثير من العهود والاتفاقيات الاجتماعية التي أبرمت بين القبائل من أجل وقف الاقتتال والقبض على الهوية الاجتماعية ، ودعم ومساندة مبادرة المصالحة  والسلم الاجتماعي التي تبرمها المجالس الاجتماعية والشيوخ والحكماء  بالمناطق. 

كما يطالب الكثير من النشطاء السياسين بأنه يجب على السياسيين و المحاورين تخصيص مقاعد في مجلس الدولة لممثلين عن قبائل او شيوخ المصالحة وفض النزاعات، بالاضافة إلى تسليم القبائل او اشراكهم في ملفات كالمصالحة الوطنية وعودة المهجرين والنازحين لديارهم، علاوة على استمرار تدفق المعونات والمساعدات من حكومة التوافق إلى المجالس الاجتماعية والبلدية للمساهمة في الحفاظ على أمن واستقرار المناطق ومحاولة خلق تنمية مكانية للمرحلة المقبلة.

* دور القبائل في الحرب ضد الارهاب 

تُعتبر القبائل جزءًا من المشكل في ليبيا وفي نفس الوقت جزءًا من الحل لمحاربة الارهاب المتمدد في ليبيا والمساهمة في بناء الدولة، فمن خلال دعم القبائل  لعملية الكرامة في المنطقة الشرقية ، تكون الجيش الذي بدأ يحارب الارهاب في بنغازي ودرنة ، وسهلت معظم القبائل في برقة انضمام ابنائها للجيش ودعم مجلس النواب ووقف تمدد الارهاب بالمنطقة الشرقية .

* قبائل الغرب بين خيار الحرب والسلام

بدأت الحكومة المؤقتة والتي اتخدت من مدينة البيضاء مقرا لها  التقرب من القبائل وذلك من أجل الحصول على دعم الحكومة الشرعية المنبتقة عن مجلس النواب في طبرق ، وفتحت الطريق امام عسكريين للانضمام للجيش الليبي الذين يعتبرون موالين للنظام السابق وذلك تحت ضغوط قبلية ومطالب واقعية فرضتها الظروف التي تعيشها البلاد، فعلى سبيل المثال في ورشفانة، وبعد ثمانية  أشهر من العيش تحت راية فجر ليبيا، بدأت قبيلة ورشفانة  تغير من طريقة تعاملها مع ميليشيات فجر ليبيا حيث قامت في 3 ابريل 2015، بإعداد العدة لهجوم مباغث على ميليشيات فجر ليبيا المتمركزة في مدينة العزيزية وضواحيها ، كردة فعل على الفظائع التي ارتكبتها فجر ليبيا باهالي ورشفانة .

وقد هاجمت الكتائب المسلحة  التابعة لورشفانة تساندها في ذلك قوات من الجيش الليبي مواقع تحت سيطرة فجر ليبيا، هذه الكتائب التي شكّلها في الاساس السكان المحليون، وقام بدعمها أهالي ورشفانة و رجال اعمال و نشطاء سياسيون وحقوقيون من ورشفانة، واستطاعت التشكيلات المسلحة التابعة لورشفانة  خلال ايام بسط نفوذها على المناطق في ورشفانة وطرد ميليشيات فجر ليبيا ، كما تبنّت قبائل أخرى مثل الزنتان والرجبان نفس هذا الموقف الذي اتخذته ورشفانة.

وبعد جهود من الاتصالات والمفاوضات بين قيادات سياسية واجتماعية من ورشفانة ومصراته وكتائب الحلبوص، تم ابرام اتفاق لوقف اطلاق النار بين الطرفين كان بداية لعهد جديد في مصالحات في المنطقة الغربية بين قوات الجيش وميليشيات فجر ليبيا، وكان زعماء من قبيلة ورشفانة قد وقّعوا بالفعل على الاتفاق الذي مكن من انهاء  8 أشهر من القتال، مع عملية فجر ليبيا ويسمح  لنازحين بالعودة إلى ديارهم، ويخفف من تأثير الأزمة الإنسانية، ومن حدة التوتر بين الجماعات المسلحة المتنافسة في غرب ليبيا، كما عقدت لقاءت واتفاقات بين العديد من مدن وقبائل المنطقة الغربية منها الزنتان وغريان وككلة والزاوية والجميل ، وقد تبنى هذا الموقف المصالح والمفاوض من قبل العديد من النشطاء السياسيين و شيوخ القبائل والزعماء التقليديين.

* مطالب القبائل من حكومة التوافق

تطالب  القبائل حكومة التوافق بتطوير وبناء  جيش وطني قوي يقوم بالمحافظة على السلطة السياسية ويحفظ الامن القومي للبلاد ، وتبدي جميع القبائل تمسكها بهذا المطلب، وترفض مطالب بعض الجماعات السياسية التي تناصب العداء للمؤسسة العسكرية وقياداتها المتخصصة والمهنية،  كما تطالب القبائل من حكومة التوافق مشاركة النازحين والمهجرين في الخارج في الانتخابات القادمة ، وتفعيل السلطة القضائية واطلاق سراح المحتجزين وتفعيل قانون العفو العام الذي اصدره مجلس النواب.

* رؤية القبائل للمرحلة المقبلة

تدرك القبائل الليبية أن الحوار الذي تقوده بعثة الأمم المتحدة في ليبيا هو حوار بين اطراف سياسية ارتبطت بأحداث فبراير ولا تشمل اطرافا كثيرة في ليبيا منها القبائل ورموز النظام السابق والنازحين والمهجرين وقيادات مهنية ووطنية تم اقصاؤها من المشهد السياسي الليبي بقانون العزل السياسي الذي الغاه مجلس النواب، وترى أن الوطن هو الذي يجمع كل اطياف الشعب الليبي ، خاصة وأن الاخطار تزداد كل يوم . وتتخوف القبائل من الاجندة الخارجية التي تعمل على تقسيم ليبيا، كما تخشى من الاطراف السياسية التي تتحكم فيها الاجندة الخارجية، ورغم أن القبائل لم تلعب دورا بارزا في الحوار السياسي، الا انها تطالب بعد تكوين حكومة التوافق أن يبدأ حوار مجتمعي ليبي ليبي يجتمع فيه كل الليبيين على طاولة واحدة بمن في ذلك انصار النظام السابق  وتحت رعاية وطنية في حل الازمة الليبية، وانقاذ الوطن وبناء الدولة .  

* السياسيون وراء القبائل

بحسب نشطاء سياسيين مهتمين بالجانب الاجتماعي ، فإنه “لا مفرّ من التعاون  بين القبائل وحكومة التوافق، حيث أنّ القبائل دعمت كتائبها المسلحة نتيجة سياسة التهميش التي مارستها الحكومات السابقة منذ 2011، في حين يرى المراقبون ان على الحكومة القادمة إصلاح أخطاء الماضي مع مزيد من التعاون مع القبائل ، وإبرام  تحالفات مع زعمائها، وبث الأمل في نفوس شيوخ  القبائل من اجل أقناع  المقاتلين بالتخلي عن السلاح و إعادة النظر في مواقفها والانضواء في عملية الحوار وقبول العملية السياسية السلمية التي نتجت عن الحوار السياسي، ويعد  الدعم القبلي حاسمًا لوقف تزايد نفوذ الجماعات الارهابية، وهذا يتطلب دمج  الآلاف من رجال الميليشيات السابقين في الجيش وقوات الأمن أو الإدارة ، وعلى الحكومة الالتزام بهذه الاعمال .

ومن أهم أخطاء الحكومات السابقة ، تهميش دور القبائل  في منظومة الحكم في ليبيا، ورغم  تظلّم هذه القبائل من الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات المسلحة في العديد من المناطق . ويعمل السياسيون، من وراء الكواليس، على تثمين هذه التحالفات التي ابرمت بين القبائل والمناطق، ودعم القبائل القوية والفاعلة التي باتت أكثر إيمانًا بدورها الفعّال في تغيير الخارطة السياسية في المنطقة، ولكن شريطة تحقيق مطالبها وعدم إدارة الحكومة الجديدة ظهرها لهذه المطالب.

ستكون المرحلة القادمة بالنسبة للحكومة بمثابة الاختبار، هل ستتمكن من حل المشاكل التي تواجه القبيلة ؟ هل ستكون قادرة على تسليم ملف المصالحة الوطنية لشيوخ وزعماء القبائل ؟ هل ستعمل الحكومة على اشراك القبائل في ملف المهجرين والنازحين ؟، جميعها تساؤلات ستحدد مصير 12 شهرا، هي مدة الولاية البرلمانية الجديدة والحكومة التوافقية البكر، التي ستقبل عليها ليبيا ، وبتنصيص وثيقة الحوار السياسي على خريطة الطريق في ليبيا ، فإنه يعود لمجلس النواب الذي ستجدد الوثيقة ولايته قبل انتهاء شرعيته، ومجلس الدولة  والاطراف  السياسية أن تبرهن عما إذا كانت ليبيا قادرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها والخروح من ازمتها ، شريطة عدم اعادة سيناريو الصراع المسلح واللجوء إلى العنف لإدارة شؤون البلاد.