خلّفت إحاطة غسّان سلامة الأخير في مجلس الأمن ردود فعل متباينة من مختلف الأطراف الليبية، ولئن تحققت ولو نسبيا دعوته إلى هدنة خلال عيد الأضحى المبارك، فإنّ شحنة التوتّر وردود الأفعال الغاضبة كانت الأبرز في وجه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا.
كان الجدل أكثر صخبًا من جهة حكومة الوفاق التي وصفت الإحاطة بأنها "مليئة بالكذب"، في حين أكد سلامة أنه غير منحاز إلى طرف، كاشفاً انقسام مجلس الأمن حول معركة طرابلس.
وتعتبر حكومة الوفاق أنّ الإحاطة تضنت اتّهامات ضمنية للقوات التابعة لها بضم عناصر إرهابية للقتال في صفوفها ضد قوات الجيش الليبي.
وكان سلامة قد قال، في سياق حديثه عن تزايد وتيرة القتال في طرابلس، أمام مجلس الأمن، إن "بعض العناصر المتطرفة قد سعت إلى اكتساب الشرعية من خلال الانضمام إلى هذه المعركة. وما هذا إلا وصفة لكارثة محدقة".
واعتبرت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، أن سلامة "زج في إحاطته بوقائع مغلوطة في سياق الحديث عن هذه الجريمة النكراء في شكل مضطرب من أشكال الخلط بين تبرير الجريمة بمثلها أو تفسير العجز عن تسمية الأشياء بمسمياتها".
كما استدعى رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق فايز السراج المبعوث الأممي، وسلمه مذكرة احتجاج على ما ورد "من مغالطات في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي الاثنين الماضي".
وعقب تصريحات سلامة، أعلن المجلس الأعلى للدولة مناقشة رئاسة المجلس مع رؤساء اللجان الدائمة إحاطة سلامة بشأن الوضع في ليبيا، وإعداد مذكرة للرد عليه بشكل رسمي. وأكد المجلس أن المذكرة ستسلم إلى الأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء بمجلس الأمن، لتبين الأخطاء الواردة في الإحاطة التي تثير شكوكا حول حياديتها.
** الارهاب يستهدف عناصر البعثة الأممية:
وفي ما بدا وكأنّه ردّ على إحاطة غسان سلامة، استهدفت تفجير إرهابي البعثة الأممية في مدينة بنغازي راح ضحيته ثلاثة من عناصرها قبل يوم واحد من عيد الأضحى المبارك وبدأ سريان الهدنة في العاصمة طرابلس.
تتالت البيانات المنددة بالعملية من مختلف الأطراف الليبية، من قبل الحكومة المؤقتة وقوات الجيش ومن قبل حكومة الوفاق، التي يرى البعض أنّ هذه العمليّة لم تكن سوى ترجمة عمليّة لـ"غضبها السياسي" حول إحاطة غسّان سلامة في مجلس الأمن.
قال عضو مجلس النواب سعيد امغيب لبوابة افريقيا الإخبارية ان التفجير الإرهابي الذي وقع ببنغازي "جاء تنفيذا لتحريض المفتى المعزول الصادق الغرياني الذي طالب بمهاجمة بعثة الأمم المتحدة وعدم السماح لها بالبقاء في ليبيا"، مضيفًا بأنّ "من نفذ الهجوم خلايا إرهابية إما أن تكون نائمة في بنغازي أو قدمت إليها" بحسب تعبيره.
وأضاف امغيب أن "هذه التنظيمات الإرهابية تلجأ إلى التفجير والأعمال الإرهابية عندما تشعر بالهزيمة"، متوقعًا أن "يكون للتفجير تداعيات عكسية على حكومة الوفاق وستجلب دعما أكثر للقوات المسلحة الليبية التي تقاتل الإرهاب".
وقال امغيب "من الجيد أن القوات المسلحة الليبية قبلت بالهدنة حيث وبعد إعلان قبول الهدنة بساعات قليلة جدا رصدت القوات المسلحة تحركات لمجموعات مسلحة جهة السدادة ربما كانت تنوي الجفرة أو حقول نفطية وتحركت على الفور القوات المسلحة وقصفت هذه التحركات وتجمعات لمرتزقة تشاديين وهذا يؤكد عدم احترام المجموعات الإرهابية للهدنة".
وكان المفتي المعزول الصادق الغرياني، الذي يعتبره مجلس شورى بنغازي المتطرّف مرجقًا أساسيًا له، وفق بيانه التأسيسي، كما يعتبر المرجع الأوّل فكريًا وسياسيًا لكافة الجماعات الإسلامية في ليبيا، قد صرّح في دعوة تحريضيّة واضحة، في السابع من أغسطس الحالي، عبر برنامج تلفزيوني، إنه "على حكومة الوفاق ووزاراتها ومجلس الدولة والنواب المنعقد في طرابلس التوجه مباشرة لأمانة الأمم المتحدة ومطالبتها بسحب "سلامة" وبعثته من البلاد دون رجعة، مطالبا الشعب الليبي بعدم السكوت عما يفعله هذا المبعوث".
هذه التصريحات التي قرأت كدعوات إلى مواجهة البعثة الأمميّة في ليبيا ورفض جذري لوجودها ولرئيسها غسّان سلامة، تعتبر بمثابة "الغطاء الشرعي" للعمليات التي قد تستهدف البعثة من قبل الجماعات المتطرفة المتحالفة مع حكومة الوفاق في معركتها ضد الجيش الليبي.
هذه المعطيات كلّها، تعطي في نظر كثيرًا دليلاً واضحًا على التقاطع القوي والانتقام الارهابي الميداني، من البعثة الأمميّة وعناصرها الموجودة على الأراضي الليبية. وهو ما يصبُّ في النهاية، في مشروع الدّعوة التي أطلقها الصّادق الغرياني لإخراج البعثة ورئيسها من البلاد.
غير أنّ مسئولة في الأمم المتحدة، كردّ عن مثل هذه الدعوات والاستنتاجات كذلك، قالت إن المنظمة الدولية لا تنوي سحب بعثتها من ليبيا رغم مقتل 3 من موظفيها في انفجار سيارة ملغومة في مدينة بنغازي.
وقالت بينتو كيتا، مساعدة الأمين العام لأفريقيا في إدارة حفظ السلام، لمجلس الأمن الدولي الذي أدان الهجوم أيضا "الأمم المتحدة لا تعتزم إجلاء (موظفيها) من ليبيا".