لم يكتف إخوان ليبيا بحملاتهم الدعائية المعادية للدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب ، بل إتسعت رقعة مواجهاتهم الدونكشخونية لتشمل واحدة من الدول الكبرى الأكثر تأثيرا في القرار الدولي وهي  روسيا الإتحادية ، بزعم دعمها للجيش الوطني الليبي في تنفيذه منذ أبريل الماضي لعملية «طوفان الكرامة » لتحرير طرابلس والمنطقة الغربية من الجماعات الإرهابية والميلشيات الخارجة عن القانون المنضوية تحت حكومة الوفاق

وموقف إخوان ليبيا ينطلق من إرث عقائدي وحسابات سياسية معقدة ، و هو إمتداد لمواقف التنظيم العالمي للجماعة الذي  كان ولا يزال يكن العداء لموسكو سواء كعاصمة للإتحاد السوفياتي المنحلّ أو لجمهورية روسيا الإتحادية ، تنفيذا لأجندات الحرب الباردة والصراع الدولي التي إنخرط فيها الإخوان الى جانب مخابرات الدول الغربية ليس فقط للعمل على تفكيك الإتحاد السوفياتي بعد إلحاق الهزيمة بها في أفغانستان التي كانت للجماعة دور مهم فيها عبر تأسيس البنية الهيكلة للقوى الجهادية التي أفرزت لاحقا ظاهرة الإرهاب المعولم ، ولكن كذلك من خلال محاولة تفكيك الدولة الروسية من خلال الدور الإخواني في حرب الشيشان  الأولى ما بين 1994 و1996 والتي أدت الى تمكين الجمهورية الروسية من الإستقلال الفعلي وإعلان قيام دولة الشيشان وأشكيريا ، والثانية ما بين العامين 1999 و2009 والتي شملت الشيشان وأجزاء من داغستان و‌إنغوشيا و‌جورجيا وإنتهت بخسارة مدوية للجماعة بعد إلغاء إستقلال الشيشان وإعادتها الى الحضن الووسي الفيديرالي ، ثم إعلان موسكو  في العام 2006 عن تصنيف الإخوان جماعة ارهابية ،

وبعد العام 2011، ومع إطلاق موجة ما سمي بالربيع العربي ، الذي كان يستهدف بالأساس الإطاحة بالأنظمة الوطنية وإستبدالها بسلطة الإسلام السياسي المكون من الإخوان كجناح سياسي والتنظيمات الجهادية كأجنحة عسكرية ، إصطدمت الجماعة بالروس مجددا بعد تدخل موسكو لدعم النظام السوري عسكريا وسياسيا، وتأييدها لثورة الثلاثين من يونيو 2013  التي أطاحت بحكم محمد مرسي في مصر ، وإستقبالها في ثلاث مناسبات للقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ، وإعتمادها في مجلس الأمن على قوة الفيتو في مناسبات عدة لعرقلة أية قرارات قد تصب في خدمة مزيد الفوضى التي يستفيد منها الإخوان قبل غيرهم

في سبتمبر 2015 أعلنت روسيا تدخلها في سوريا ، وقال فلاديمير بوتين أن «هناك الآلاف من المنضمين للتنظيمات الإرهابية من مواطني الدول الأوروبية وروسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، مشيرا أن المرء ليس بحاجة لأن يكون خبيرًا في الشؤون الأمنية ليعلم أنه إذا انتصر هؤلاء في سوريا فسيعودون إلى بلادهم ويعودن إلى روسيا أيضا » ، كانت تقارير مخابرات موسكو تشير الى مشاركة الآلاف من المقاتلين الروس في الحرب السورية ليس دفاعا عن الحرية والديمقراطية ، ولكن تنفيذا لمشروع التمكين للإسلام السياسي في المنطقة ، ضمن مخطط تفكيكي  لن يتوقف عند حدود سوريا ، وإنما كان من المرجح أن يتمدد نحو دول شرق أوروبا وآسيا الوسطى بما في ذلك الجمهوريات الروسية ذات الغالبيات المسلمة ، وصولا الى جينجيانغ جنوب وسط الصين ،

فقد أدرك الروس أن للمخطط وجوها عدة ، يجمع بينها الدافع الجهادي الإسلاموي  في ظل حمية عرقية تحركها أطماع أرودغانية في مناطق النفوذ الثقافي والقومي التركي في دول آسيا الوسطى ، مع إستفادة من إندفاع بعض  القوى الغربية لقطع الطريق أمام روسيا والصين وبقية القوى الصاعدة في المنطقة ، لذلك مثلت سوريا بالنسبة لهم أول محطات العمل على وأد المشروع العثماني الأردوغاني تحت الغطاء الجهادي الإخواني

لقد كان لإسلاميي ليبيا دور كبير في حروب أفغانستان والشيشان  والبوسنة والعراق وسوريا ، وتم الدفع ببعضهم الى معترك السياسة ضمن مشروع الإخوان الذي تجسد في السيطرة على دواليب  الدولة بعد الإطاحة بالنظام السابق ، مثل عبد الحكيم بالحاج وخالد الشريف وإسماعيل الصلابي  وعبد الوهاب القائد شقيق الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبويحي الليبي الذي تولت الولايات المتحدة تصفيته في باكستان في يونيو 2011 ،

مثل التدخل الروسي في سوريا ضربة موجعة للإسلام السياسي ، ما جعل  جماعة الإخوان  السورية  تعلن وضع كل إمكانياتها تحت تصرف من يواجهون ما وصفته بـ"الإحتلال السافر" الروسي ، مؤكدة " أنّ جهاد الدفع اليوم فرض عين على كلّ قادر على حمل السلاح".

 ودعت إلى الجهاد ضد "الاحتلال الروسي لسوريا"، معتبرة أنه "واجب شرعي" على كل قادر على حمل السلاح، ودعت جميع أبناء الشعب السوري، "بكل فصائله وكتائبه وأعراقه وأديانه"، للعمل صفاً واحداً "لإسقاط المستبد ودحر المحتل"، مؤكدة أن "الوطن أولاً ولا مكان للمصالح الضيقة" ،وخاطبت المسلمين  في مشارق الأرض ومغاربها ، بالقول :"نستنفركم لردّ العدوان ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف ومداواة الجريح وإطعام الجائع وإيواء الأرملة واليتيم."محدزة ما أسمتهم بـ" الدول الشقيقة والصديقة" من "شرّ قد اقترب وبات على حدودكم إن لم يكن تجاوزها".

لم يكن إخوان ليبيا بعيدين عما يدور في سوريا ، فقد كانوا سباقين لمحاولة نقل نموذج ما حصل في بلادهم في العام 2011 الى بلاد الشام ، عبر الدفع بالعتاد والأفراد الى ساحات القتال مرورا بالأراضي التركية التي كانت مفتوحة لهذا الغرض ، وقام إخوان ليبيا بتشكيل وحدات مقاتلة في سوريا من أبرزها لواء الأمة الذي شكله مهدي الحاراتي قاد  كتيبة ثوار طرابلس ،وهو اللواء الذي أصبح في سبتمبر 2012 تحت قيادة الجيش السوري الحر ، قبل أن ينشق عدد من مقاتليه في العام 2014  للإنضمام الى تنظيم داعش ، وينتقلوا من ريف أدلب الى الرقة

كما تحولت  ليبيا وخاصة في العامين 2012 و2013  الى أحد أبرز مصادر تجنيد وتدريب وتمويل  وتسفير المقاتلين من دول شمال إفريقيا والساحل والصحراء الى سوريا ، وفي العام 2017 أكدت دراسة إحصائية لمركز “فيريل” للدراسات الألماني أن ليبيا ساهمت في الحرب الأهلية السورية ب 10500 مقاتل ، قتل منهم 4750 فيما سجل عدد 1700 ليبي فى عداد المفقودين .

كان هدف إخوان ليبيا في تلك الفترة الترويج لخطط التمرد المسلح الذي جربوه في بلادهم ، وكانوا يطمحون الى نشره على نطاق واسع في المنطقة العربية ، فالهدف ليس إسقاط نظم الحكم كما حدث في تونس ومصر واليمن ، وإنما إسقاط الدولة بكل مؤسساتها لإعادة تشكيلها وفق المنهج الإخواني ، حتى لا يتركوا مجالا للتجاذب السياسي أو الإيديولوجي مع من ينوي منافستهم على الحكم ، وكان هذا التوجه يجد صدى في تركيا وقطر ولدى قوى دولية أخرى تبنته عمليا بتوفير الغطاء السياسي والإعلامي والتمويلات والأسلحة للميلشيات التي تم غض الطرف عن الطبيعة الإرهابية للمقاتلين في صفوقها ، وأطلقت عليها صفات الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ،

واليوم ، ينظر إخوان ليبيا الى روسيا على أنها دولة عدوة ، وهم بذلك يعكسون موقف الجماعة في الداخل والتنظيم الدولي في الخارج ، ويرون فيها داعما أساسيا للقيادة العامة للقوات السلحة ،يسعون بكل إمكاناتهم لتسريب تقارير صحفية في الغرب تتهم ما يصفونهم بالمرتزقة الروس بالمشاركة في الحرب الى جانب قوات الجيش على عتبات طرابلس ، هدفهم تحريض الغرب ضد المشير خليفة حفتر ، وإستعطاف الجهاديين في المنطقة والعالم للإندفاع نحو دعم الميلشيات التي تعيش حالة من الإنهيار المعنوي والتقهقر الميداني 

وإخوان ليبيا يطرحون قضية المرتزقة دون دليل دليل مادي ، فهم لم يقبضوا على مرتزقة روس ولم يعثروا على جثة واحد منهم ، وإنما يكتفون بكيل الإتهامات جزافا في محاولة لإقناعهم أنصارهم في الداخل والخارج بأنهم مستهدفون من القوة الروسية ، وأن مصير ميلشياتهم قد لا يختلف عن مصير نظيراتها في سوريا

ومنذ أيام كان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج في زيارة الى روسيا للمشاركة في القمة الروسية الأفريقية الأولى في سوتشي ، لكنه واجه حرجا كبير بسبب إصطحابه معه أحد أبرز الإرهابيين المرتبطين بتنظيم القادة وقياديي الجماعة الإسلامية المقاتلة ومهندسي منظومة فجر ليبيا ، وهو شعبان هدية المكنى بإسم أبي عبيدة الزاوي

وكانت وسائل الإعلام الروسية  قد ضجت قبل أيام من إفتتاح القمة بنبأ وجود إرهابي مطلوب دوليا ضمن الوفد الليبي معتبرة ذلك رسالة غير ودية من السراج الذي تقود ميلشياته وحلفاؤه من قوى الإسلام السياسي حملات معادية لموسكو بزعم وجود مقاتلين وخبراء روس في صفوف الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ، وما زاد من الحنق الروسي إستمرار سلطات طرابلس في إحتجاز عالمي إجتماع ينتميان الى  المركز الفيدرالي للعلوم والتكنولوجيا بموسكو

ونظم علماء الاجتماع الروس  مظاهرة احتجاج أمام السفارة الليبية في موسكو ، عبروا فيها عن غضبهم « من وصول زعيم الإرهابيين من ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني الليبي » في إشارة الى السراج

وفي وقت سابق ، طلب رئيس المركز الفيدرالي للعلوم والتكنولوجيا ، ألكساندر مالكيفيتش ، من لجنة التحقيق التابعة للاتحاد الروسي استجواب وفد المجلس الرئاسي الليبي  عند وصوله سوتشي  فيما يتعلق بمصير مكسيم شوقلي وسمير حسن علي سويفان الموقوفين في طرابلس ،و  أن تصرفات حكومة سراج يمكن اعتبارها مظهرا من مظاهر "الإرهاب السياسي".

وقالت  وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية أنها نظمت رحلة إلى طرابلس لإثنيين من صحفييها وهما ألجيس ميكولسكيس وفلاديمير ماليانوف ، بعد أن أكدت لهم سلطات الرئاسي  أنها سترتب لهما  لقاء مع عالمي الاجتماع المحتجزين في السجن ، لكنها لم تف بوعودها ، بينما يرى مراقبون روس أن جماعة الإخوان الليبية المتورطة في الإرهاب هي التي تسيطر على الحكم وعلى المجلس الرئاسي وحكومته  في طرابلس وهي التي تتزعم الحملة ضد موسكو ،

وإعتبر القيادي الإخواني عضو المؤتمر العام منذ عام 2012 محمود عبدالعزيز الورفلي عدم عقد لقاء بين بوتين والسراج  “فضيحة دبلوماسية” ومن العيار الثقيل يجب أن يتم فيها إقالة وزير الخارجية والطاقم الذي معه ، بينما دعا عدد من قادة الجماعة فائز السراج الى التصعيد ضد الروس وإتخاذ مواقف معادية منهم

لكن يبدو أن الموقف الروسي لم يكتف بتجاهل بوتين لحضور السراج ، ولكن إتجه الى ما لا يريح سلطات طرابلس ، وهو دعوة وزير خارجية الحكومة المؤقتة عبد الهادي الحويج لحضور فعاليات قمة سوتشي ، حيث ألقى كلمة في المنتدى ، أعلن خلالها إستعداد البرلمان والقيادة العامة للجيش  لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات حرة في ليبيا. خلال خطابه ، مشيرا الى أن عاصمة بلاده طرابلس استولت عليها حكومة الوفاق الخاضعة لسلطة الإخوان ،  وأضاف إن عملية مكافحة الإرهاب للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر ، والتي تجري حاليًا في البلاد ، ضرورية لإرساء الوحدة وسيادة القانون في جميع أنحاء الدولة.

و في مايو 2019 ، أجرى مكسيم شوقلي وسامر حسن علي سويفان ، وهما باحثان في الصندوق الوطني لحماية القيم  دراسة اجتماعية في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الوطني  الليبي ، ولكن تم اختطافهما من قبل الميلشيات والزج بهما في سجن معيتيقة خيث لا يزالان محتجزين بصورة غير قانونية في ظروف غير إنسانية  ، وفق المركز الفيدرالي للعلوم والتكنولوجيا  لذي أكد أن لديه أدلة على تورط السراج في اختطاف الروس.

وتتهم سلطات موسكو حكومة السراج  بحرمان عالمي الإجتماع من الحق في الاتصال ، و عدم السماح لهما بمقابلة محامٍ بعد بضعة أشهر  من الاعتقال غير القانوني.

وقالت سلطات طرابلس أن الروسيين وأحدهما من أصول عربية أردنية ، شاركا في تأمين لقاء مع سيف الإسلام القذافي مع بعض المسؤولين في موسكو" قبل أن يتم اعتقالهما مطلع مايو الماضي، بحسب رسالة مختومة من مكتب المدعي العام بطرابلس،  فيما تمكن روسي ثالث من الفرار من الاعتقال.

رغم أن بوتين لم يجتمع به في سوتشي ، إلا أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي إتجه الى تنفيذ مخطط جديد للإخوان يتمثل في مغازلة موسكو ، وإعتماد ديبلوماسية الصفقات والإستثمار معها في محاولة لتحييدهم وإبعادهم عن المحور الداعم للجيش الوطني والجنرال خليفة حفتر.

و خلال تواجده في القمة "الروسية-الإفريقية" في سوتشي قال السراج أن مشاركة ليبيا في هذه القمة تؤكد عمق وجدية علاقة طرابلس بموسكو ،  مشيرا إلى أن حكومته لا تتردد في التعامل مع أي طرف للدفاع عن نفسها وأنه حق مشروع لا يمكن مصادرته، و أنه يوجد اتفاق موسع بين ليبيا وروسيا منذ العام 2008 تعمل حكومته على مراجعته  مضيفا أنه "ستكون أيضا هناك مراجعة للمشروعات المتوقفة وحث الشركات الروسية للعودة للاستثمار في ليبيا"،

ومن أجل إثبات حسن نوايا حكومته أعلن السرج عن صفقة تستورد بموجبها بلاده  من روسيا مليون طن من إمدادات القمح سنويا ،وقال رئيس مجموعة الاتصال الروسية الخاصة بالتسوية الليبية، ليف دينغوف، إنه من المفترض توقيع العقد الذي تبلغ مدته عاما واحدا في غضون شهر على أن يبدأ التوريد مع بداية عام 2020.

ووفقا لبيانات وزارة الزراعة الروسية ،فإن روسيا التي تعد أكبر مصدر للقمح في العالم،  زودت السوق الليبية بنحو 330 ألفا ومائة طن من القمح الموسم الماضي.

مراقبون من داخل طرابلس ، أوضحوا أن الإخوان بقصر نظرهم السياسي يعتقدون أن يمكن شراء الموقف الروسي بالصفقات ، وأن لا شيء يهم موسكو في ليبيا غير المصالح الإقتصادية ، لذلك دعوا السراج الى مفاتحة الروس بأن حكومته على إستعداد لتطوير تعاونها معهم في كل المجالات ، إنطلاقا من إستعادة الإتفاقيات الممضاة في العام 2008 الذي شهد دفعا للتعاون المشترك بين البلدين

ففي أبريل 2008 قام فلاديمير بوتين بزيارة رسمية الى ليبيا شهدت  أول لقاء بينه وبين القذافي ، و وتم اثناءها توقيع عدد من الوثائق المهمة وبينها البيان حول تعزيز الصداقة وتطوير التعاون ومذكرة التفاهم الخاصة تطوير التعاون في شتى المجالات الاقتصادية. واتفاقية العلاقات التجارية والاقتصادية والمالية وجاء في البيان حول تعزيز الصداقة وتطويرالتعاون ان البلدين ينويان تعميق التعاون في مجال الامن القومي والدفاع وبصورة خاصة عن طريق اجراء مشاورات بين الهيئتين المختصتين للدولتين ، وتوطيد الاتصالات في المجال العسكري التقني.

وألغت روسيا ديونا ليبية بقيم 4.5 مليار دولار (2.8 مليار يورو) تعود إلى الحقبة السوفيتية في مقابل عقود "بمليارات الدولارات  للشركات الروسية" ، وقال الرئيس بوتين إن اتفاق شطب ديون سيؤدي إلى عقود عمل شركات دفاع روسية. وأضاف أن "الصفقة لن تنطوي فقط على عمل لشركات الدفاع الروسية ولكنها ستساعد أيضا في تعزيز دفاعات ليبيا"، لافتا الى  أن الاتفاق يشمل أيضا مشروعات مدنية في مجال البنية التحتية.

كما وقعت شركة خطوط السكك الحديدية الروسية عقدا بقيمة 22 مليار يورو (3.48 مليار دولار) مع ليبيا لمد خط للسكك الحديدية من سرت إلى بنغازي.

 وفي 31 أكتوبر عام 2008 أدى  القذافي  أول زيارة  إلى موسكو بعد 20 عاما عن آخر رحلة الى موسكو،  وادت المباحثات إلى عقد اتفاقية بين الحكومتين الروسية والليبية في مجال استخدام الطاقة الذرية للاغراض السلمية. كما تم الاتفاق على انشاء مصرف مشترك وتم توقيع مذكرات التفاهم الرامية إلى تنشيط العلاقات بين البلدين.

يعتقد إخوان ليبيا أن إغراء الروس بإحياء تلك الإتفاقيات قد يجعلهم يخيرون مواقفهم السياسية والديبلوماسية ويفتحون مخازن السلاح ليزودوا بها ميلشيات الوفاق ، لكن  ليف دينغوف كان واضحا عندما قال « هم يريدون بنشاط بناء علاقات تعاون عسكري تقني ونحن نتفهم، مع ذلك،فإنه يوجد حظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا ولذلك هذا الأمر صعب الآن »

مصادر الجيش الوطني الليبي تؤكد أن موسكو مدركة لكل تفاصيل الملف الليبي ، وهي تعلم جيدا  مكر الإخوان الذين يسيطرون على الحكم في طرابلس ، كما تعلم أن القوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر إنما تقود معركة لتحرير ليبيا من الإرهاب بمختلف مفرداته ، وكذلك لديها دراية بأن الحكومة المؤقتة تعتبر واحدة من مكونات محور الإعتدال في المنطقة العربية ، وأن البرلمان الليبي هو الذي يمثل الشرعية المنتخبة في ليبيا ، وبالتالي فإن أية محاولة من الإخوان والسراج لتغيير الموقف الروسي عبر الوعود المرسلة أو الصفقات والإتفاقيات لن تكون لها أية جدوى

حرب العملة

الى ذلك ،تحولت العملة المطبوعة في روسيا الى قضية صاخبة في ليبيا ، والى دافع جديد للصراع المعلن بين الحكومة المؤقتة المنبثقة عن البرلمان ، والتي تتخذ من مدينة البيضاء ( شرق ) مقرا لها ، وحكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسي في طرابلس ،

ودخل الإسلام السياسي  وفي مقدمته جماعة الإخوان على الخط ، حيث أصدر  مجلس البحوث والدراسات الشرعية في دار الإفتاء في طرابلس  الأيام القليلة الماضية فتوى بـ”تحريم التعامل بالعملة الليبية” المطبوعة في روسيا.

وادعى المجلس الذي يتزعمه الإرهابي المقيم بتركيا الصادق الغرياني  في بيان له أن إصدار العملة  من جهة غير مخولة – مصرف ليبيا المركزي البيضاء – كان ضارا باقتصاد البلد على نطاق واسع ويعد من الفساد في الأرض. وفق نص بيانه

وزعم المجلس الخاضع لسيطرة جماعة الإخوان وجناحها السياسي حزب العدالة والبناء، إلى أن الجهة التي أصدرت تلك العملة تستعمل الطبعات المزورة  في تمويل حروبها التي تشنها اليوم على العاصمة طرابلس و تخوضها للاستيلاء على السلطة منذ خمس سنوات، وقال  أنه يحرم على كل الجهات ذات العلاقة، المصرف المركزي والمجلس الرئاسي والحكومة ووزارة المالية والمؤسسات الرقابية المختصة في ليبيا قبول هذه العملة المزورة وإفرازها.

وتابعت دار إفتاء الإخوان : "إن التعامل بهذه العملة يعد عونا على سفك الدماء، وتعاونا على الإثم والعدوان"، ودعت  حكومة الوفاق والمصرف المركزي طرابلس، إلى مخاطبة المؤسسة التي تطبع العملة والحكومة الروسية، وتحميلهما مسؤولية ما وصفته لأنه "تعامل مع الخارجين عن القانون"، ومقاضاة السلطات الروسية.

كما دعت إلى ملاحقة مرتكبي هذا العمل، وفقا لبيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء بطرابلس.

لكن الهيئة العامة للأوقاف بالحكومة المؤقتة والتي تحظى بثقة البرلمان ، رد بقوة على فتوى نظيرتها في طرابلس ، وقالت « إنها إطلعت على ما صدر عما يسمى بمجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء المنحلة ، والذي تضمن تحريم تداول العملة الصادرة عن المصرف المركزي بالبيضاء ، ووصفها بإنها مزورة وصادرة من جهة غير مخولة » مؤكدة « أن الجهة التي أصدرت هذه العملة هي الجهة المخولة ،لم تتعدّ إختصاصاتها ، ولم تكن منتحلة لصفة كما زعموا ، وعليه فإن العملة الصادرة عنها شرعية في تداولها والتعامل بها ، وليست مزورة كما  تدعي دار الإفتاء المنحلة »

 وأضافت الهيئة أن دار الإفتاء المنحلة تبني قرارها على إهمال وتجاوز للقوانين الصادرة عن الجهة صاحبة الإختصاص وهي مجلس النواب ،مشيرة الى « أن الحرب التي تخوضها قوات الكرامة إنما هي حرب شرعية شريفة تقارع الإرهاب والفساد بجميع صوره وأشكاله ، وهذا ما يكاد يشهد به العالم بأسره لتحقيق الإستقرار في بلادنا وجمع شتاتاها ليهنأ الناس فيها بالأمن والأمان كما هو الحال في المدن والمناطق التي بسط الجيش الوطني نفوذها عليها »

ودعت الهيئة « إلى عدم الالتفات إلى مَا تصدره تلك الدار المنحلة من فتاوى وبيانات وقرارات حيث أنها تدعم الإرهاب وتثير الفتن وشتت البلاد وأهدرت ثرواتها ومزقت نسيجها الإجتماعي » مجددة تأكيدها على ضرورة « مناصرة القوات المسلحة الليبية في حربها على الجماعات الإرهابية والمليشيات الإجرامية»

لماذا الآن ؟

ورد المراقبون موقف الهيئة الشرعية التابعة لإخوان ليبيا الى الوضع الحرج الذي أصبحت عليه الميلشيات المسلحة والجماعات الأرهابية في غرب البلاد في ظل التقدم المستمر للجيش الوطني الذي بات يسيطر على 95 بالمائة من مساحة البلاد ، وفق ما أكده وزير خارجية الحكومة المؤقتة عبد الهادي الحويج ، مشيرين الى أن مناطق نفوذ الجيش تحولت آليا الى سيطرة الحكومة المؤقتة التي تنفذ إلتزاماتها المالية من خلال مصرف ليبيا المركزي في المنطقة الشرقية ،

وكان مصرف ليبيا المركزي  في شرق البلاد لجأ منذ أواسط العام 2016 إلى طباعة العملة في دولة روسيا بعد تحكم محافظ ليبيا المركزي طرابلس الصديق الكبير في إيرادات النفط والأموال الليبية وإيقاف إرسال أي عملة للمدن التي تخضع للحكومة الليبية المؤقتة كعقاب للمواطن الذي يفتقر للسيولة وشح الموارد

وقالت إدارة مصرف ليبيا المركزي في شرق البلاد  أكدت مؤخرا في رد على تصريحات لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ،  أن «قرار طباعة العملة استكمل كافة الشروط القانونية والفنية التي تنص عليها القوانين والتشريعات النافذة في ليبيا»، موضحة أن مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في بنغازي «استند إلى القانون رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته بشأن المصارف، والذي يمنح مجلس الإدارة (وليس المحافظ) حق إصدار مثل هذه القرارات».

وأضافت أن مجلس إدارة المصرف «انعقد بنصاب مستوفى قانونا، وبمعايير سلامة المواصفات الأمنية وجودة الطباعة»، مؤكدة « أن المصرف يمتلك الرسالة (رقم 386/3-2م.أ لسنة 2016) التى أكد فيها السراج للجنة المالية بمجلس النواب عدم ممانعته من الاستفادة من الأوراق النقدية المطبوعة»

وأشارت إلى أن السراج ومجلسه الرئاسي لم يتخذا أي إجراءات بخصوص التجاوزات المالية الخطيرة التي حوتها تقارير ديوان المحاسبة في طرابلس خلال السنوات الماضية، معتبرة أنها تعد «تجاوزا خطيرا في حد ذاته».