كثفت المجموعات المتشددة في تونس مؤخّرا، هجماتها الإرهابية ضد قوات الأمن والجيش في مناطق مختلفة ومتعددة من البلاد. وبحسب الخبراء فإنّ هذه العمليات تهدف إلى تشتيت انتباه الأمنيين وتخفيف الضغط والحصار عن محافظة القصرين، بما يوفّر فرصا لإفلات الخلايا الإرهابية في المنطقة.

أكدت وزارتا الدفاع والداخلية التونسيتين في بلاغ مشترك، أن مجموعة إرهابية مسلحة حاولت اقتحام ثكنة عسكرية ببلدة سبيطلة من محافظة القصرين.

وأضاف البلاغ أنه أثناء تبادل إطلاق النار خلال عملية التعقب أصيب جنديّ برصاصة أودت بحياته، كما أصيب أحد المدنيين أثناء العملية ذاتها وحالته مستقرة.

وأفاد البلاغ أنه تم تحقيق إصابات مباشرة في صفوف بقية المجموعة التي استعملت سيارات رباعية الدفع لمحاولة اقتحام الثكنة، مؤكدا أن عمليات التمشيط متواصلة بالتنسيق مع قوات الأمن الداخلي.

وألقت قوات الأمن القبض، أمس، على مجموعة تتكون من عشرة أفراد يشتبه في ضلوعهم في هذه العملية الإرهابية.

والملاحظ أن المجموعات المسلحة في تونس، كثّفت من هجماتها الإرهابية في الآونة الأخيرة، ولم تعد تقتصر على منطقة واحدة ومعروفة (جبال الشعانبي في محافظة القصرين) بل وسّعت تحرّكاتها لتشمل مناطق أخرى وذلك بهدف تشتيت انتباه قوات الأمن والجيش وإرباكهم وبالتالي إعطاء فرصة للمتشددين المتحصنين بالجبال من الهرب.

وأرجع خبراء تزايد هجمات المجموعات الإرهابية إلى نقص في المعلومات الإستخباراتية حول تحركات تلك المجموعات وإلى صعوبات ميدانية في تعقبها، مشددين على أن تونس لن تتمكن بمفردها من القضاء على خلايا تنظيم القاعدة لأنها مرتبطة بشبكات تنشط على مستوى إقليمي وعالمي.

وتعدّ محاولة اقتحام الثكنة العسكرية الأولى من نوعها في تونس، واعتبرها مراقبون خطوة تصعيدية من المتشددين وتأكيدا منهم على استهزائهم بالقوة العسكرية والأمنية، خاصّة وأنّ وحدات الجيش التونسية لم تتمكن من تطويق الإرهابيين واجتثاثهم أو حتى إحداث خسائر بشرية معتبرة في صفوفهم.

وذهب بعض الخبراء في تحليلهم إلى أن هذا الهجوم الأخير استلهم من الهجمات الإرهابية التي تنفذها عادة جماعة “الموقعون بالدم” المنشقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتي يقودها الجزائري مختار بلمختار وهي معروفة بتنفيذ هجمات انتحارية على ثكنات الجيش في مالي وموريتانيا والنيجر وغيرها من الدول الأفريقية.

ويشار إلى أن مصادر إعلامية ذكرت أن أكثر من 30 متشددا ينتمون إلى كتيبة “الموقعون بالدم” يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية في صحراء الجزائر وتونس وليبيا، كما ذكرت في وقت سابق، أن مختار بلمختار قام بتجنيد وتدريب مجموعة تتكون من جهاديين تونسيين تم إلحاقهم بجبل الشعانبي لقتل الجنود والتنكيل بهم.

وفي سياق متصل، قال بيان لرئاسة الحكومة التونسية إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أجرى اتصالا هاتفيا مع مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية جدد خلاله دعم الولايات المتحدة لتونس وتأييدها لتجربتها في الانتقال الديمقراطي.

وأكد كيري مواصلة الوقوف إلى جانب تونس في مجال مكافحة الإرهاب ومدها بما يتطلب ذلك من دعم لوجستي.

وأشار البيان إلى أن كلا من كيري وجمعة تعرضا خلال الاتصال إلى الوضع في منطقة الشرق الأوسط واتفقا على “تكثيف المشاورات خلال الأيام القادمة على مستوى وزراء خارجية البلدين”.

ولم يقدم بيان رئاسة الحكومة إيضاحات حول “نوعية الدعم اللوجستي” الذي ستقدمه الولايات المتحدة لتونس غير أن مصادر دبلوماسية أكدت أن واشنطن “ترغب في مساعدة تونس استخباراتيا وعسكريا” في مواجهتها للمجموعات الإرهابية التي باتت تشن هجمات على المدن الحدودية.

وأضافت نفس المصادر، حسب صحيفة العرب، أن شحنات المعدات العسكرية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية على ذمة تونس منذ أسبوع تؤكد أن واشنطن باتت تشعر بـ”القلق” تجاه الوضع في تونس في ظل تزايد الهجمات الإرهابية وتداعيات المعارك بين الجيش والميليشيات المسلحة على تخوم حدودها الجنوبية الشرقية مع ليبيا.

وتشهد الجبال المحيطة بمدينة القصرين التونسية، الشعانبي والسلوم وسمامة أعمالا إرهابية منذ ديسمبر 2012، وقد أعلن الرئيس التونسي المؤقت، المنصف المرزوقي، منتصف إبريل الماضي جبل الشعانبي وبعض المناطق المتاخمة له، منطقة عمليات عسكرية مغلقة، حيث ما تزال قوات الجيش والأمن التونسي تفرض طوقا أمنيا حولها باعتبارها معقل المجموعات الإرهابية.

ولم تمنع هذه الإجراءات العسكرية المشددة، الإرهابيين من تنفيذ عملياتهم، فقد قاموا بمهاجمة منزل وزير الداخلية التونسي، لطفي بن جدو، وقتلوا مستخدمين قذائف الأربي جي 15 جنديا، وأصابوا 23 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

وقد أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منتصف يونيو الماضي لأول مرة، أن المسلحين المتحصنين في جبل الشعانبي تابعون له، ورغم القصف الجوي المنتظم والعمليات البرية في جبل الشعانبي، لم تتمكن قوات الأمن والجيش حتى الآن من السيطرة على المسلحين.