في وقت تتزايد فيه تعقيدات المشهد الليبي في ظل التصعيد الميداني المتواصل الذي تغذيه التدخلات التركية السافرة،ما يهدد بانهيار الهدنة المعلنة منذ أسابيع وعودة الصراع الى نقطة الصفر،أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص بليبيا غسان سلامة استقالته،في مشهد ألقى الضوء على عجز البعثة الأممية عن ادارة الملف الليبي ووايجاد مخرج للأزمة المتصاعدة منذ سنوات.
وبشكل مفاجئ،أعلن مساء الاثنين 02 مارس/أذار 2020،المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، استقالته من منصبه مرجعا ذلك لدواعٍ صحية.وفي تغريدة على موقع "تويتر" قال سلامة "سعيت لعامين ونيف للمّ شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد. وعليّ اليوم، وقد عُقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة على الرغم من تردّد البعض، أن أقرّ بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد".


وقال المتحدث باسم الأمانة العامة للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "قبل استقالة رئيس البعثة الأممية في ليبيا غسان سلامة"، مؤكداً أن "غوتيريش يحترم قرار سلامة وسيناقش معه كيفية الانتقال السلس في البعثة بعد ترك منصبه". وأشار إلى أن "تركيزنا الآن على ألاّ تقود مغادرة سلامة إلى نكسة لجهود السلام".
وتأتي استقالة سلامة في أعقاب انتقادات واسعة من الأطراف الليبية حول أداء بعثته وعدم تمكنه من حلحلة الأزمة بطريقة تؤدي إلى إنهاء التوتر على الميدان وإعادة الثقة بين الفرقاء السياسيين.وقرر مجلس النواب إرسال برقية احتجاج وشجب للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بشأن التصريحات الصحفية الاخيرة للمبعوث الأممي لدي ليبيا غسان سلامة.
وجاء ذلك في ختام جلسة عقدها المجلس، اليوم، في مدينة بنغازي برئاسة النائب الثاني لرئيس مجلس النواب الدكتور أحميد حومه.وقال المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق إن الجلسة ناقشت المسار السياسي للحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، بالإضافة إلى "تدخلات البعثة الأممية والتجاوزات الأخيرة للمبعوث الأممي لدى ليبيا تجاه مجلس النواب.
وتابع بليحق، في بيان له، أن المجلس قرر إرسال مذكرة احتجاج وشجب للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بشأن تصريحات سلامة، وتقديم احتجاج، خاصة أن (سلامة) يمثل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ولم يصدر عنه (جوتيريش) أي موقف تجاه هذه التصريحات غير المقبولة.


وكان غسان سلامة قد انتقد انسحاب أعضاء مجلس النواب الليبي من جنيف، ورفضهم المشاركة في محادثات الحوار السياسي التي انطلقت أواخر فبراير/شباط الماضي.فيما أعلن مجلس النواب أن تعليق مشاركته في محادثات جنيف كان بسبب "تدخل" المبعوث الأممي في اختيار الأعضاء الممثلين عن البرلمان.مبعوثو الأمم المتحدة إلي ليبيا.
وسعى سلامة لإطلاق ثلاثة مسارات عسكرية واقتصادية وسياسية لطرفي الصراع في ليبيا بموجب مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد في التاسع عشر من شهر يناير الماضي، ولكنّ عقد اجتماع للمسار العسكري في جنيف، الشهر الماضي، لم يتمخض عن نتائج ملموسة.وفي 26 من فبراير/ شباط الماضي، تعثرت جولة الحوار السياسي الأولى في جنيف بعد انسحاب وفد البرلمان الليبي، وعدم مشاركة وفد المجلس الأعلى للدولة.
واصطدمت جهود البعثة الأممية بتأجيج تركيا للصراع في البلاد ودفعها بالمرتزقة والأسلحة  لتنفيذ مخطط نشر الفوضى في ليبيا دعما لحكومة الوفاق، سبقه إعلان الطرفين توقيع اتفاقية عسكرية تنتهك السيادة الليبية وتهدد أمن المتوسط.واشترط البرلمان الليبي الجلوس على طاولة الحوار بتنفيذ مجموعة من الشروط أبرزها حل الميليشيات وطرد المرتزقة السوريين والقوات التركية من العاصمة طرابلس. كما حمل نواب مسؤولية تعليقهم المشاركة في محادثات جنيف إلى أسلوب البعثة الأممية في اختيار المشاركين.
وتنخرط تركيا في الصراع الليبي بشكل خطير وسط تحذيرات كبيرة من المخططات التركية الرامية لتحويل البلاد الى بؤرة للتطرف.آخر هذه التحذيرات جاءت عل لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري،في حوار أجراه معه الليلة الماضية التليفزيون المصري خلال برنامج "التاسعة مساء" وأداره الإعلامي وائل الإبراشي.


وحذر شكري من أن تركيا تسعى الى جعل ليبيا مرتكزا للتنظيمات الارهابية والمقاتلين الأجانب، منبها الى أن هذه التدخلات والممارسات التركية لها تأثير بالغ الخطورة على الأمن القومي المصري وعلى أمن جميع دول الجوار وعلى أمن الساحل والصحراء، وأشار الى أن التدخل التركي في ليبيا له تداعيات سلبية خطيرة من بينها زيادة العمليات الإرهابية في هذه الدول الشقيقة.
وفي أول ردّ من حكومة الوفاق على الاستقالة، قال وزير الداخلية فتحي باشا آغا إن "استقالة سلامة من مهامه، ستصعّب الأمور في ليبيا"، مشيراً إلى أنه "من الصعب أن يقبل مبعوث أممي آخر العمل في البلاد بعده. وعبّر باشا آغا، عبر حساباته على مواقع التواصل "عن أسفه لاستقالة سلامة في هذا التوقيت".
وبدورها،علّقت وزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق على الاستقالة، قائلةً إنها "تقدّر جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة والأمين العام، وما تحاول البعثة فعله بغية وقف إطلاق النار"، وآملةً أن تسهم هذه الجهود "في وقف الأطراف الخارجية عن دعم محاولة زعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا".حسب تعبيرها.
وتباينت الآراء في ليبيا حول قرار سلامة،بين من اعتبر أن استقالته ستعمّق الأزمة في البلاد،وبين من رأى أن سلامة هو من أسهم في تفاقم الأزمة وأن رحيله جاء في الوقت المناسب تماماً.فعضو مجلس الدولة الاستشاري عبد الرحمن الشاطر،اعتبر أن استقالة سلامة "لن تصعّب الأمور كما يرى البعض، فهو صعّبها واستمراره يزيد تصعيبها"، معتبراً أن استقالته "تجعل أمر حسم الأزمة ليبياً بالقوة أو بالمصالحة". وتابع "تحييد بعثة سلامة يلقي المسؤولية على عاتق حكومة الوفاق، للتصرف وليس انتظار من يقول لها كيف تتصرف".


من جانبه،اعتبر الكاتب والأكاديمي محمد أبوراس الشريف، ان استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، جاءت استشعارا لفشل حوارات جنيف.وأكد الشريف في تصريح خاص لبوابة افريقيا الإخبارية،أنه "ليس لليبين إلا طريق واحد وهو اللقاء الليبي الليبي وتمكين الجيش الليبي لحماية الخريطة الليبية وحراسة حدوده".على حد تعبيره.
وفي المقابل ،وصف رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة  استقالة سلامة بالخسارة لليبيا،مشيرال أن المبعوث الأممي سئم مناورات أطراف الأزمة السياسية، التي تسعى جاهدة لإجهاض وإفشال جميع المسارات السياسية التي تمخضت عن مؤتمر برلين ونسف جميع أشكال الحل السياسي أو الحلول التوفيقية من خلال شروطها التعجيزية المسبقة، للدخول في المفاوضات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأخيرة.
وأضاف في تصريح للعربية.نت "يبدو أنه وصل معهم إلى طريق مسدود، جميع الأطراف السياسية الليبية، بالرغم من انقسامها وتشرذمها واقتتالها، اتفقت على توجيه أسهم العداء إلى سلامة وإفشال مساعيه، وهذا فشل لليبيين بالدرجة الأولى الذين يسعون لإطالة أمد الأزمة من خلال التعنت والرفض لجميع أشكال الحلول، ولا تتحمل مسؤوليته لا البعثة الأممية ولا الأمم المتحدة ولا المبعوثون الامميون السابقون.
وأشار حمزة إلى أن بعض الأطراف السياسية سعت لإفشال مهمة غسان سلامة، من أجل إطالة الأزمة، لأنها تعلم أنّه في انتهاء الأزمة انتهاء لوجودهم، مؤكدا أن أزمة ليبيا ليست في مبعوثي الأمم المتحدة، وإنما في سياسييها وفي كل مؤسساتها".وأضاف أن المبعوث القادم لن يكون قادرا على الحل في ظل تعنت الأجسام السياسية الليبية وعدم رغبتها في التوصل إلى الحل.


ومنذ اندلاع الأزمة في العام 2011، توافد على ليبيا 6 مبعوثين أممين، فشلوا كلّهم في إيجاد سبيل يخرج البلاد من حالة الاقتتال والانقسام، إلى تسوية عادلة تسهم في إعادة الاستقرار إلى البلاد، وتعيد ترتيب الأمور، وهم الأردني عبد الإله الخطيب والبريطاني إيان مارتن واللبنانيين طارق متري وغسان سلامة وكذلك الإسباني برناردينو ليون والألماني مارتن كوبلر.
وفور إعلان سلامة استقالته،تصاعدت التساؤلات حول خليفته،وطرحت تقارير اعلامية عدداً من الأسماء، التي قالت إنها مرشحة لخلافته في المهمة الصعبة،عل راسها نائبة الممثل الخاص للشؤون السياسية ستيفاني ويليامز،لكن مصادر برلمانية قالت لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن ويليامز ستسير الأعمال خلال الفترة المقبلة حال قبول استقالة سلامة، لحين تعيين المبعوث الجديد لليبيا أو التوافق الدولي عليها.
من جهة أخرى،تداولت تقارير اسم السوداني يعقوب الحلو، الذي يشغل مناصب نائب الممثل الخاص للأمين العام ونائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية.وقال الباحث في الشأن الليبي، كامل عبدالله،إن "الاتحاد الأفريقي سبق له أن طالب القوى الغربية قبل شهور قليلة بضرورة تعيين مبعوث (أممي – أفريقي مشترك) إلى ليبيا عند نهاية ولاية سلامة الثانية نهاية الصيف الماضي وهو ما رفضته القوى الغربية التي مددت مهمة سلامة لعام آخر غير أنه استقال في منتصف المدة، ولم تبد اهتمامًا بطلب الاتحاد الأفريقي الذي كان يعتزم الدفع برئيس دولة سابق لتعيينه في هذا المنصب".
وأضاف كامل في تصريح لموقع "ارم نيوز" الاخباري،أن (الحلو) "كونه سودانيا ومسؤولا في البعثة الأممية في ليبيا قد يكون هو الخيار الأنسب وفقا لمطالبات الاتحاد الأفريقي السابقة"،لافتًا إلى أنه “من المرجح أيضًا أن  تكون نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للشؤون السياسية السفيرة الأمريكية السابقة ستيفاني وليامز أقرب المرشحين لخلافة سلامة.
وبعد سنوات طويلة من الفوضى التي تسبب فيها التدخل الغربي السافر في البلاد في العام 2011، لم يجد الليبيون توازنهم النهائي بعد، مع تواصل مأساة الصراع المسلح التي تزيد الأمور تعقيدا وصعوبة يوما بعد يوم فيما يتواصل العجز عن الوصول الى حلول توافقية تنهي الأزمة المستعرة. ويخشى العديدون ان يقتصر دور البعثة الأممية في ليبيا على استبدال مندوب بآخر في تكرار لمشهد العجز والفشل والاخفاق عن ادارة الملف الليبي الشائك والمعقد.