في 21 يوليو، أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الليبية نتائج الانتخابات البرلمانية الثانية في البلاد منذ الإطاحة بنظام القذافي قبل ثلاث سنوات. وأسفرت عن هزيمة مدوية للإسلاميين وفي توقيت حساس، يشهد استمرار الميليشيات المتناحرة في الاقتتال من أجل السيطرة على المطار الدولي في طرابلس، الذي تحول إلى ساحة للمعارك، وسط مخاوف من حرب أهلية واسعة النطاق. قد يبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة بين معركة مطار طرابلس وإعلان نتائج الانتخابات، لكن، في الواقع، هنالك ارتباط وثيق بينهما.

في العامين الماضيين، فشل أول برلمان منتخب ديمقراطيا في ليبيا، المؤتمر الوطني العام، في معالجة المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية للبلاد. وهو ما أفضى إلى عداء متزايد تجاهه. في ظل هذا الوضع، أهمل السياسيون كما الجماعات السياسية معالجة هذه الوضعية التي تزداد ترديا وانشغلوا بالصراع على السلطة والسعي وراء مصالح سياسية ضيقة، ما أدى إلى تضاؤل الدعم الشعبي. وهذا، بدوره، انتهى بمظاهرات على الصعيد الوطني، في وقت سابق من هذا العام، طالب فيها المواطنون بحل المؤتمر الوطني العام والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وقد رفض المؤتمر الوطني العام ذو الأغلبية الاسلامية هذه المطالب وتعهد بالبقاء في السلطة إلى حين إقرار دستور جديد.

في فبراير الماضي، أدى فشل المؤتمر الوطني العام في الاستجابة لمطالب الحركات الشعبية إلى شن الجنرال السابق خليفة حفتر حملة ضد المؤتمر الوطني العام. وقد بدت في الأول ضعيفة ومثيرة لسخرية السياسيين، لكنها وجهت إنذارا مبكرا لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع.

منذ ذلك الحين، نجح حفتر في إيقاظ المشاعر المعادية للإسلاميين بشن حملة عسكرية واسعة ضد الميليشيات الإسلامية المتمركزة شرق البلاد. ما مكنه من حصد تأييد شعبي كبير: المدن والقبائل والمسؤولون الحكوميون، كلهم أعربوا عن مساندتهم لهذه الخطوة. مما دفع المؤتمر الوطني العام، بعد أشهر من المراوغة، إلى وقف مناوراته وإعلان موعد الانتخابات، التي جرت كما كان مقررا لها في 25 يونيو.

لقد اصطدمت القوى الإسلامية بخسارة مدوية في اقتراع 25 يونيو، وتواجه الآن تهديدا حقيقيا بشأن وجودها على الساحة السياسية. بعد التصويت، حاولوا جاهدين تأخير إعلان نتائج الانتخابات بأي وسيلة ممكنة، بعدما أغرقوا المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالشكاوى والطعون في العملية الانتخابية. كما لجأت هذه القوى إلى مهاجمة المطار في محاولة لمنع البرلمان الجديد من الانعقاد. (تظهر الصورة أعلاه بقايا طائرة محترقة في مطار طرابلس الدولي).

ونظرا للنتائج التي حققتها القوى المعادية للإسلاميين في الانتخابات، يخشى الإسلاميون صدور قوانين تشريعية جديدة قد تشمل قوانين مكافحة الإرهاب؛ تقديم الدعم المالي والسياسي لحملة حفتر العسكرية ؛ إجراء انتخابات مباشرة لتعيين رئيس يحظى بإجماع وطني؛ وربما أيضا إلغاء قانون العزل السياسي المثير للجدل (الذي يستبعد الشخصيات التي كانت موالية للقذافي من المشاركة في إرساء النظام السياسي الجديد). يعتقد الإسلاميون أن هذه التدابير ستقلل بشدة من تأثيرهم في الساحة السياسة الليبية.

ونتيجة لذلك، اختار الإسلاميون تكتيكات أكثر تطرفا في محاولة للوصول إلى نوع من المساومة قد تضمن لهم دورا في مستقبل ليبيا. وكان زعماء الإخوان المسلمين أثناء لقائهم، مؤخرا، بدبلوماسيين أوروبيين قد صرحوا أنهم سيُنهون الهجوم على المطار فقط عندما يوقف حفتر عمليته العسكرية. وكأنهم يطالبون البرلمان الجديد والمجتمع الدولي بتقديم ضمانات من خلال إجراء حوار سياسي وعملية سياسية شاملة. وفي المقابل، ينتظر معظم الشعب الليبي والبرلمان الجديد والمجتمع الدولي قبول الإسلاميين إرادة الشعب المعبر عنها بواسطة صناديق الاقتراع والقطع مع الأساليب التي تلجأ لاستخدام العنف بغية التأثير على العملية السياسية.

واعتبارا لهذه الوقائع، على البرلمان الجديد فتح أبوابه للحوار والانفتاح على العناصر الأكثر اعتدالا من بين الإسلاميين. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل جبهة موحدة ضد صعود التطرف، الذي يعتبر تهديدا حقيقيا للانتقال الديمقراطي في ليبيا. يجب على البرلمان الجديد في ليبيا تجنب سياسة الإقصاء وتبخيس العمل السياسي. ففي هذا الوقت الحرج بالذات، تحتاج ليبيا إلى تبني العمل الجماعي، فهو السبيل الوحيد الكفيل بتحقيق التقدم الذي تنشده البلاد.