في الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات محليا ودوليا في محاولات متكررة لإنهاء أزمة امتدت في ليبيا منذ العام 2011، تطرح مسألة إعادة إعمار هذا البلد الذي عاش على وقع معارك عنيفة أحدثت أضرارا جسيمة في مدنه كإحدى أبرز التحديات القائمة خاصة في ظل التنافس الدولي على الفوز بأكبر نصيب.
إلى ذلك، أذن فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الخميس 12 يوليو 2018، بالبدء في تنفيذ إعادة إعمار مطار طرابلس الدولي المتوقف عن العمل منذ عام 2014.وقال السراج من قلب المطار إن "الطموح كبير بأن يكون هذا المطار، وغيره من المطارات الليبية، محطات عبور لأفريقيا وأوروبا، وركيزة لنشاط سياحي، حيث يتوفر لبلادنا موقع متميز جغرافيا، وثراء سياحي غير مستغل ويندر وجوده"، داعياً الشركات الناقلة إلى الالتزام بمواعيد الرحلات الجوية.
ونُظمت مراسم احتفال بمناسبة إعادة تأهيل وتشغيل مطار طرابلس الدولي، بحضور رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج وعدد من الوزراء والنواب، بالإضافة إلى المدير التجاري لمجموعة "إينياس" ألسيو بوكايوني، والسفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بيروني. وتشرف المجموعة الإيطالية على هذه المشاريع.
المطار أولاً
وكانت وزارة المواصلات في حكومة الوفاق الوطني وقعت في يوليو 2017 عقد مشروع لإعادة بناء مطار طرابلس الدولي بقيمة 79 مليون يورو. وبموجب المشروع، يتولى ائتلاف الشركات الإيطالية "إينياس" إنشاء صالتين للركاب على مساحة 30 ألف متر مربع. وتخصص صالة الركاب الأولى للرحلات الدولية بطاقة استيعابية تبلغ 4.5 ملايين مسافر سنويًا، فيما تكون صالة الركاب الثانية للرحلات الداخلية بطاقة استيعابية تبلغ 2.5 مليون مسافر سنويًا. كما يتضمن المشروع إعادة تشييد أبراج مراقبة المطار وأجهزة الملاحة الجوية وإقامة شبكة اتصالات ومراقبة الكترونية متطورة، بالإضافة إلى بناء موقف للسيارات يستوعب قرابة ألفي سيارة.
ودمر مطار طرابلس الدولى فى جنوب العاصمة إثر معارك دامية صيف 2014 سيطر بعدها ميليشيا "فجر ليبيا" على العاصمة الليبية. ومنذ ذلك الحين، أصبح مطار معيتيقة، وهو مطار دولي وقاعدة جوية عسكرية على بعد 11 كم باتجاه الشرق من قلب العاصمة الليبية طرابلس المطار الوحيد الذي يخدم طرابلس. حيث تم تحويل الرحلات التي كانت تسير من مطار طرابلس ونقلها لتنطلق من مطار معيتيقة وقد اصبحت أغلب هذه الرحلات تشمل فقط رحلات لشركات طيران ليبية بعد انسحاب الشركات الاجنبية بالكامل بسبب الأوضاع الأمنية الغير مستقر.
وقال السفير الإيطالي لدى ليبيا، جوزيبي بيروني، إن مشروع إعادة تأهيل مطار طرابلس الدولي "له رمزية مهمة لبدء مرحلة الإعمار في ليبيا". وأضاف بيروني في تغريدة عبر حسابه الشخصي بتويتر، أنه بفضل خبرات مهارات الائتلاف الإيطالي "إينياس" سيجري إنشاء بنية تحتية حساسة ومهمة تعود بالفائدة على الاقتصاد والمواطن الليبي.
وتأتي هذه الخطوة، بعد أيام قليلة من توافق ليبي-إيطالي على إحياء معاهدة الصداقة التي وقعت بينهما في 2008 لمعالجة ملف المهاجرين. وأعلن وزير الخارجية الإيطالي الجديد انزو ميلانسيزي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية بالحكومة المقترحة محمد طاهر سيالة عن رغبة مشتركة في عودة الشركات الإيطالية الى ليبيا، معبرًا عن ترحيب بلاده بالاستثمارات الليبية في إيطاليا.
سباق دولي
وتعتبر إيطاليا إحدى أبرز القوى الدولية حضورا في الساحة الليبية، وتسعى جاهدة لتدعيم استثماراتها في هذا البلد. وفي يونيو الماضي، أعلن وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، عن مزيد من الاستثمارات في ليبيا والشراكة الاقتصادية والاستثمار في إنشاء الطرق والبنية التحتية والمستشفيات في ليبيا بناء على طلب من السلطات الليبية وفق قوله.
وقال الوزير الذي يتزعم حركة رابطة الشمال اليمينية، في تصريحات لصحف إيطالية، إن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج طلب تدخلا إيطاليا قائلا إن الدعم لن يقتصر على ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب، موضحا أنه سيشمل الاقتصاد، وقطاع الأعمال والثقافة والسياسة وفق الوزير الايطالي.
من جهة ثانية، تعهدت الصين مؤخرا بعودة شركاتها إلى ليبيا، والمساهمة في صندوق إعمار ليبيا، إضافة لفتح سفارة صينية بالعاصمة طرابلس في أقرب وقت ممكن. كما وقعت ليبيا والصين مذكرة تفاهم بشأن انضمام ليبيا إلى مبادرة "الحزام والطريق"، التي أعلنت بكين عنها في 2013 وخصصت للمشاريع، التي ستقام في نطاقها 600 مليار دولار.
وقالت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الوطني، إنه تم توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة الصينية لانضمام ليبيا إلى مبادرة "الحزام والطريق". وأضافت الوزارة في بيان لها، أن وزير خارجية ليبيا محمد سيالة وقعّ المذكرة مع نظيره الصيني وانغ يي في العاصمة بكين، وذلك خلال جلسة نوقشت فيها عودة الشركات الصينية إلى البلاد، والمساهمة في إعادة إعمار ليبيا.
وذكرت حكومة الوفاق عبر صفحتها في "فيسبوك" أن بكين تعهدت باستئناف عمل الشركات الصينية في ليبيا، بعد انقطاع بسبب الأوضاع الأمنية في هذا البلد، الغني بالنفط. ونقلت الصفحة كذلك ترحيب وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بمشاركة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في قمة المنتدى الأفريقي الصيني، التي ستعقد في شهر سبتمبر المقبل.
وتعتبر إعادة إعمار ليبيا، مسألة ذات أهمية قصوى للعديد من الدول التي تسعى إلى نيل جزء من هذه المشاريع. وكان رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجانى، قال في وقت سابق، إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي تركيز جهوده على إعادة إعمار ليبيا. وكالة أنباء "آكى" الإيطالية، الاثنين الماضي، عن تاجاني قوله إنه "يتعين على الاتحاد الأوروبي الحديث بصوت واحد، وأن تنصب جميع جهودنا نحو دعم إعادة بناء الدولة الليبية، التي تصبح شريكنا القوى".
ويمكن القول إن إعادة إعمار ليبيا التي شهدت تدميرا كبيرا لبنيتها التحتية بفعل الصراعات المسلحة، قد تدخل البلاد في منعطف جديد بسبب صراع الدول الكبرى على كعكة إعادة الإعمار والتي تقدر بنحو 80 مليار دولار بحسب تقديرات صندوق النقد الدولى. حيث إشتد مؤخرا الصراع بين فرنسا وإيطاليا على النفوذ في ليبيا.
ووصل إلى حد تحذيرات أطلقتها وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، لنظيرتها الفرنسية فلورنس بارلي، على هامش الاجتماع الوزاري بمقر الناتو في بروكسل، من التوسع في ليبيا قائلة "لنكن واضحين. القيادة في ليبيا لنا". بحسب ما ذكرت صحيفة "الجورنال" الإيطالية الأسبوع الماضي.
وفي تقرير لها، مطلع يوليو الجاري، اتهمت صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، فرنسا بالسعي إلى توجيه العملية السياسية في ليبيا، وإزاحة إيطاليا واستهداف مصالحها. ووصف التقرير ما يجري في ليبيا بأنه، "مباراة نارية بين روما وباريس"، متهمًا فرنسا بممارسة ضغوط كبيرة على حكومة فايز السراج في طرابلس.
وتحركت إيطاليا مؤخرا في الساحة الليبية بشكل مكثف عبر عدة زيارات أجراها أبرز مسؤولي الحكومة الجديدة، والتصريحات التي لا تنقطع عن ليبيا. وقررت إيطاليا عقد مؤتمر دولي حول ليبيا في الخريف القادم. وقال رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي، في مؤتمر صحافي بالعاصمة البلجيكية بروكسل في ختام قمة حلف شمال الأطلسي، إن المؤتمر الدولي المزمع عقده سيكون مكملا لمؤتمر باريس الذي جرى في مايو الماضي.
ويرى مراقبون، أن مؤتمر روما القادم حول ليبيا يمثل محاولة جديدة من الحكومة الإيطالية لتولي القيادة في إدارة الأزمة الليبية، كما أنها تحاول إجهاض الدور الفرنسي خاصة من خلال تشكيكها في إجراء انتخابات مبكرة في ليبيا، في الوقت الذي تدفع فيه فرنسا بقوة في اتجاه تنظيم هذا الاستحقاق قبل نهاية العام.
وتولي العديد من الدول الكبرى، على غرار فرنسا وإيطاليا، اهتماما كبيرا بالوضع السياسي والاقتصادي في ليبيا، أملا في المساهمة في إعادة إعمارها، كما تتطلع دول الجوار أيضا إلى الحصول على دور متقدم في إعادة إعمار جارتها ليبيا، إذ تعتبر هذه الدول وخاصة مصر وتونس، المرشح الأكثر حظا للفوز بحصة مهمة نظرا لعلاقات الجوار ومعرفة هذه الدول بمتطلبات السوق الليبية.