دور ليبيا في نصرة الثورة الجزائرية كان كبيرا ، ومن ذلك إطلاق إذاعة صوت الجزائر ، وفي مقابلة مع جريدة « المساء » الجزائرية تحدثمحمد الصالح الصديق، صاحب الفضل في تدشين وإطلاق صوت الجزائر من ليبيا في الفاتح من نوفمبر سنة 1958، وهو الكاتب الصحفي المحاضر الفقيه المتبحر في اللغة والبلاغة وعلوم الدين، من مواليد 19 ديسمبر 1925 بزواوة ولاية تيزي وزو، حفظ القرآن وهو ابن التاسعة، أنهى دراسته بجامع الزيتونة في 1951، بدأ مشواره الصحفي سنة 1948، إلتحق بالثورة التحريرية منذ البداية أي في أول نوفمبر عام 1954، ولم يتوان في خدمة الثورة عسكريا، إذ كلف بجمع الأموال وشراء الأسلحة، وسياسيا إذ تولى مهمة الدعاية في ليبيا مشتغلا كمعلّق سياسي ما بين 1958 إلى غاية نهاية الثورة، كما كان سفيرا للجزائر مكلفا من طرف جبهة التحرير الوطني والناطق الرسمي عنها من خلال إذاعة صوت الجزائر من ليبيا

يقول الصديق : عيّنت مكلفا بالإعلام للثورة التحريرية بليبيا الشقيقة وهذا بتفويض من جبهة التحرير الوطني، حيث أرسل العقيد عمر أو عمران، لإخباري بالأمر فتوجهت من تونس حيث كنت أقيم إلى ليبيا تنفيذا لأوامر الجبهة، وعملا بما يمليه علي الواجب الوطني وفور وصولي تقابلت مع الأستاذ الهادي المشيرقي، الذي تعهّد أن يكون عيني المبصرة واليد المعينة لما أريد خدمة للجزائر الحبيبة، وانطلقت الإذاعة في الفاتح من نوفمبر على التاسعة صباحا، بحضوره وكان هناك في يوم الافتتاح حسن دباغين، بصفته وزير الخارجية للحكومة المؤقتة أنذاك وحسن يمي، وشخصيات هامة من وزراء ودبلوماسيين وأساتذة وطلبة كانت مهمتي تحرير كلمة  ـ صوت الجزائر ـ وتقديمها والقيام بتعليقات حول ما يحدث ويبث والكتابة في الصحافة الليبية، إضافة إلى إلقاء محاضرات على الطلبة الوافدين من الجامعات العربية كعين شمس بمصر والزيتونة وغيرها.. مهمتي كانت توعوية حماسية للتعريف بالقضية الجزائرية وتجسيد بشاعة المستعمر والتأكيد للعالم أنّ الجزائر ستتحرّر ولو مر أكثر من قرن على استعمارها.

وتابع الصديق : كان لإذاعة صوت الجزائر من ليبيا دور رائد وخطير على فرنسا، وقد ساهمت هذه الوسيلة الإعلامية في نشر الوعي، وتفنيد الأكاذيب التي كانت تختلقها فرنسا لإفشال عزيمة الشعب وإخماد نار الثورة، كما ساهمت في إيصال صوت الجزائر لأبعد الحدود وهذا هو المطلوب وكانت بذلك الداعمة القوية للثورة والجبهة، هذه الأخيرة التي ما أنشئت إذاعة ليبيا إلاّ بأمر منها، واستمرت حتى نلنا استقلالنا لتؤدي بذلك واجبها على أكمل وجه.

وأضاف : أرسلت فرنسا من يراقبني ويقتفي خطواتي ليقتلني، لكن وجود هذا الشخص المرسل من طرفها لفت الانتباه وأخبرت القيادة الليبية آنذاك بالأمر فأمسك به وحقّق معه وتبيّن أنه بالفعل جاء خصيصا للقضاء عليّ، وبعدها وضع حرس مرافق لي وعلى باب منزلي لحمايتي وأهلي وبهذا لم يتسن لفرنسا الوصول إليّ وتنفيذ خطتها الإجرامية في حق صوت الجزائر الذي ظل يدوي من الإذاعة الليبية حتى يوم النصر.

وقال الصديق :   مهما تحدثت عن أصالة وطيبة والمواقف  الليبية النبيلة اتجاه القضية الجزائرية، تراني عاجزا عن الوصف إنه شعب انفلت من كل القيود والأغلال وتحرّر من كل الأسباب التي من شأنها أن تقعده أرضا، أو تشده إلى الوراء فيتراجع، أو تثقله عن الحركة والانطلاق والزحف حتى لا يقوم بالواجب ويؤدي ضريبة الأخوة من أجل الجزائر، وأنّ صورت تأليفا هذا الشعب البطل الذي شارك فعليا في الثورة التحريرية من خلال كتاب الشعب الليبي الشقيق في جهاد الجزائر، صورت هذا الشعب في فترة من فترات الوعي والنضج والإدراك وقد استبد به الشعور بالواجب فراح يضرب أروع الأمثلة في التضحية من أجل الجزائر، صورت هذا الشعب وهو يقنع الدنيا بأن العبرة في قيمة الشعوب وعظمتها ليست فيما تملكه من مال وعدة وعتاد، ولا في كثرة جيوشها ولكن العبرة في وعيها وروحها وخصائصها الذاتية النابعة عن إيمانها بالقضايا المصيرية وفي الدفاع عنها صيانة لكرامتها وأنفتها، صورت هذا الشعب المتمسك بالدين المقدس له وللتاريخ باعتبار التاريخ سجل الزمن وذاكرة الشعوب، صورت هذا الشعب الذي عشت على ترابه وخالطت أبناءه وأكلت من زاده وتقاسمنا معا الألم والفرحة، صورته وهو في قمّة العطاء من أجل نصرة الجزائر؟ وقد تحول إلى عزيمة لا تني وحركة لا تفتر وزحف لا يتوقف ونبع لا ينضب وغيث لا ينقطع، صورته كتابة وتأليفا وهو يقف تجاه الجزائر مواقف تهتزّ لها المشاعر تخال من نسج الخيال لكنها حقيقة شهدناها وشهدها التاريخ وخلّدها.

وحول مئاثر الليبيين لنصرة أشقائهم في الجزائر ، قال الثديق :  الصور كثيرة ولعل أروعها موقف ذلك الأب الليبي الذي فقد ابنه في حادث سير المتسبب فيه أحد عناصرنا إذ بعثناه مسرعا بسيارة مليئة بالأسلحة وكان عليه الوصول قبل ثلاث ساعات إلى المكان المحدد، وحدث ما حدث على مرأى أب الشاب المتوفى فأوقف المتسبب في الحادث وهم أهل الضحية للاقتصاص منه لكن حين رأوا العلم الجزائري على السيارة وفهموا القصة توقفوا واستبشر الوالد خيرا واعتبر ابنه شهيد الثورة، وحين هممنا بإرسال الفدية له مع أحمد بودة، غضب الأب وانتفض قائلا: "الشهداء لا ديّة لهم وابني شهيد الجزائر وهو في الجنّة،

وأذكر موقف ذلك المتسول الأعمى الذي صادفته في طريقي يسأل المارة وفي المساء جاء ليتبرع بما جمعه فرفضنا أخذ ماله فغضب، ولم يتزحزح حتى سلّم الكيس الذي جمعه ليتبرع به للجزائر مؤازرة للثورة،  ولعل من المواقف النبيلة المؤثرة ما كان من تلك العروس المقبلة على هودجها لبيت زوجها والتي عندما رأت سيارة عليها العلم الجزائري متوقفة والناس ملتفة حولها تساءلت عما يحدث؟ فقيل لها إنها سيارة لجمع التبرعات لمساندة الثورة التحريرية، فأبت إلاّ أن تنزع كل ذهبها وتهبه للجزائر يوم عرسها ولم تترك عليها أي شيء وعندما همّ عمّها بتذكيرها أنه يوم عرسها، وأنّه لا يصح أن تبقى دون مصوغ أجابته قائلة: "أقسم بالله ما فرحت إلاّ حين تفرح الجزائر.. والحقيقة أنّ المواقف النبيلة لهذا الشعب الأبيّ كثيرة ولا تحصى ولا تعد ودونتها كلها في كتبي وفي المجلدات التي ستصدر قريبا إن شاء الله.