زعيم قبلي من الطوارق.. دبلوماسي سابق.. وسيط دولي.. قائد عسكري.. مُنَظِر إسلامي.. بعض الألقاب التي تصاحب اسم "إياد آغ غالي" مؤسس وقائد حركة "أنصار الدين" المسلحة في شمال مالي، والتي يصفها مراقبون بأنها "طالبان" إقليم أزواد.

 

و"إياد آغ غالي" (ag_ghali_iyad)، الذي لا تملك أي وسيلة إعلامية صورة مؤكدة له حتى اليوم، مثّل تاريخه رحلة فكرية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وجولة جغرافية تجاوزت صحراء أزواد بشمال مالي، في غرب أفريقيا، التي يقال إنه يحفظ كل شبر فيها عن ظهر قلب، الرجال والمناخ وتاريخ القبائل.

 

وبحسب مقربين منه فإن ما عاونه خلال رحلته الفكرية والسياسية إجادته إقامة العلاقات واللعب على التوازنات واستثمار الأحداث، ما مكّنه من إقامة علاقات دولية وإقليمية متشعبة.

 

وينحدر "أبو الفضل"، كما يكنيه أنصاره، من قبيلة الطوارق ذات الزعامة التاريخية بإقليم "أزواد"، وكان في شبابه شغوفًا بسباق الجِمال، قبل أن يكبر فيصبح قائدًا قبليًّا، ومن القلة الذين يستشارون، حتى أطلقت عليه قبيلته اسم "أسد الصحراء".

 

وفي إطار الصراع التاريخي للطوارق في صحراء أزواد مع السلطة المركزية في مالي من أجل استقلال إقليم أزواد وتأسيس وطن قومي للطوارق، خاض "إياد" القتال ضد حكومة باماكو خلال الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي ضمن صفوف "الحركة الشعبية للأزواد"، وكان وقتها قائدًا قوميًّا أقرب إلى الفكر اليساري.

 

وبوساطة جزائرية، توقف القتال في منطقة "كيدال" ـ مسقط رأس إياد غالي ـ بين حكومة مالي والانفصاليين الطوارق أواخر عام 1992، وتم إدماج العشرات من مقاتلي الحركة الشعبية في الجيش المالي، إلا أن غالي رفض أن يكون أحدهم، فتم تعيينه قنصلاً عامًا في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

 

وفي مقابلة حديثة مع مجلة "جون أفريكا"، قال الوزير الجزائري عبد القادر أمساهل إن إياد غالي "كان من المفاوضين الرئيسيين الذين أبرموا الميثاق الوطني سنة 1992. إنه شريك كغيره من الحركات الفاعلة في الشمال". وأضاف من الخطأ "إقصاء زعيم حركة أنصادر الدين إياد غالي" من أي حوار، مؤكدًا أننا "كثيرًا ما ننسى أن الحركة مكوناتها الأساسية من الطوارق".

 

وبعد عام 1992 مرت فترة غموض في حياة "إياد غالي"، تضاربت فيها المصادر، بعضها ذهب إلى أنه تفرّغ فيها لأعماله فلم يظهر على الساحة السياسية والعسكرية بأزواد، وبعضها تحدث عن ذهابه إلى باكستان وانضمامه في موريتانيا إلى جماعة "التبليغ والدعوة" التي تنشط عبر العالم في المجال الدعوي وترفض الخوض في السياسة ومجالات اختلاف الأمة. وبعضها يقول إنه في هذه الفترة تعرّف إلى الفكر السلفي على يد مشايخ السعودية، لكن الثابت فعلاً أنه انضم لجماعة التبليغ، ثم تعرّف على الفكر السلفي بميول جهادية.

 

في العام 2003، عاود "إياد غالي" الظهور لكن في دور الوسيط بين أجهزة المخابرات الغربية وتنظيم (القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) للعمل على إطلاق سراح رهائن غربيين. وكانت وساطات مثمرة نجحت في عودة الرهائن في مقابل حصول التنظيم على ملايين الدولارات كفدية. وكان أيضا كبير المفاوضين لدى السلطات المالية في مفاوضات أجرتها الحكومة مع متمردي الطوارق.

 

ويقال إن لقاءاته مع قيادات القاعدة، خلال المفاوضات، جعلته يتعرّف أكثر وعن قرب على المسلحين المنتمين للتنظيم وأفكارهم فجرى ما يشبه التلاقح الفكري.

 

في هذه الفترة عمل إياد موظفًا إداريًّا في الجزائر وليبيا، وكانت الفرصة السانحة له سقوط النظام الليبي ورحيل معمر القذافي، الذي شكّل على مدار سنين عقبة في وجه محاولات الطوارق للانفصال بإقليم أزواد عن حكومة مالي. فعاد إياد غالي إلى أزواد واتخذ من سلسة جبال "أغرغار" القريبة من "كيدال" في أقصى الشمال مقرًا له، وجمع حوله مئات المقاتلين الطوارق، بينهم جنود وضباط من الجيش المالي ومقاتلون آخرون عادوا حديثًا من ليبيا وعشرات كانوا يعملون مع الجيش الموريتاني، واستجلب كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.

 

وفي أواسط العام 2011، أسس غالي حركة "أنصار الدين"، وهي حركة تصف نفسها بأنها إسلامية سلفية، تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإعادة الاعتبار لمكانة علماء الدين، فضلا عن مطالب محلية تتعلق بحرية وحقوق سكان أزواد.

 

وتشكلت غالبية الحركة من الطوارق، لكن الطابع الإسلامي جلب لها أنصارًا من مختلف المكونات العرقية في المنطقة، بل ومن دول الجوار. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011 دخلت الحركة في تنسيق مباشر مع "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، أشبه ما يكون بالتنسيق القائم بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان.

 

كما دخلت معها في نفس التنسيق حركة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، التي انشقت حديثًا عن تنظيم القاعدة، وفي أواخر شهر يناير/كانون الثاني 2012 بدأت الحركة عملياتها المسلحة في أزواد بهجوم على مدينة (أغلهوك) غرب كيدال، حيث سيطرت على قاعدة عسكرية هناك، قبل أن يتمكن مقاتلوها من اقتحام قاعدة (آمشش) العسكرية قرب مدينة تساليت واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة والآليات العسكرية.

 

وفي 27 من نفس الشهر يناير/ كانون الثاني قالت صحيفة ( Zénith Balé) المالية إن إياد غالي، وصل برفقة سبعة وهم "مصابون بشكل بالغ" بقذائف صاروخية، إلى مستشفى برج المختار بالجزائر، قرب الحدود مع مالي، دون أن تحدد طبيعة إصابة زعيم حركة أنصار الدين. وتعافى إياد غالي ـ على ما تأكد من تتابع الأحداث فيما بعد ـ وكان أول ظهور مصوّر له مع أعضاء حركته في شريط فيديو أذيع في مارس/آذار 2012.

وأشار متحدث باسم الحركة إلى غالي بلقب "القائد" وظهر إياد في شريط الفيديو وهو يتفقد المقاتلين، ويؤمّهم في الصلاة، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة حيث أسس مجالس محلية تسير شؤون المدن والبلدات التي سقطت في يد مقاتليه.

وفي أعقاب الانقلاب العسكري على السلطة الذي وقع 22 مارس/آذار في العاصمة المالية باماكو وأطاح بالرئيس آمدو توماني توري، بدا أن شمال مالي الصحراوي الشاسع يسقط تحت سيطرة الحركات الطوارقية المسلحة. وسيطر مقاتلو حركة "أنصار الدين" على مدينة تمبكتو في 3 أبريل/نيسان 2012، وبعد أيام قلائل من هذا الحدث في أبريل 2012 وجّه زعيم أنصار الدين بيانًا إلى سكان تمبكتو عبر إذاعة محلية، قال فيه إن المجاهدين ـ في إشارة إلى القاعدة والجماعات الجهادية في المنطقة ـ اجتمعوا مع أنصار الدين وتعاهدوا على نصرة الحق وإقامة الدين ورفع الظلم عن المظلومين، وجمع شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم على كلمة التوحيد، داعيًا السكان إلى مساعدتهم في ذلك.

وقال "أبو الفضل" ـ كنية إياد غالي ـ إن من وسائلهم لتحقيق هذه الأهداف الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم جهاد الممتنعين عن تطبيق الشريعة. وفي 26 مايو/أيار 2012 وقّعت "أنصار الدين" اتفاقًا مع "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"ـ وهي حركة لا تتخذ الطابع الديني الذي تتصف به "أنصار للدين"، وتسعى للانفصال بإقليم أزواد ـ نصّ على إقامة اتحاد بينهما تحت مسمى "المجلس الانتقالي لدولة الأزواد الإسلامية"، لكن خلافات حالت دون تنفيذ مشروع الاتحاد.

بينما أعلنت حركة "تحرير أزواد" استقلال إقليم أزواد من جانب واحد، ظل إياد غالي يجاهر: "أنا لست مع استقلال (شمال مالي)، أريد الشريعة لشعبي"، وهذه مفارقة كبيرة بين الحركتين.

في الوقت نفسه، حذّر "إياد أغ غالي" - في تصريحات حديثة نسبت إليه - من أن نيران التدخل العسكري بمالي "ستطال كل شعوب المنطقة"، وأكد - في حديث لوكالة صحراء ميديا الموريتانية المستقلة - أن حركته "بذلت كل الجهود الممكنة من أجل تجنيب المنطقة ويلات الحرب"، ورأى أن "الحلول الأحادية لا تجدي نفعًا"، مشيرًا إلي رفض حركته "مبدأ الإملاءات".

في النهاية، يجمع المتابعون للشأن المالي على أن أبعادًا عديدة اختلطت بها دعوة إياد غالي وحركته المسلحة، بعضها قبلي وآخر قومي وآخر انفصالي ثم أخيرًا البعد الإسلامي ومنزلة الدين لدى السكان المحليين.