دافع نائب رئيس وزراء إيطاليا لويغي دي مايو، الجمعة، عن لقاء غير معلن مع متظاهرين مناهضين للحكومة في فرنسا، أثار أكبر أزمة بين بلدين مؤسسين للاتحاد الأوروبي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
واتهم دي مايو التيارين اليميني واليساري في الحكومة الفرنسية بانتهاج سياسات ليبرالية "زادت من انعدام أمن المواطنين وتراجع كبير في قدرتهم الشرائية" وذلك في رسالة إلى صحيفة "لو موند".
وقال: "لهذا السبب أردت لقاء ممثلين عن السترات الصفراء... لأنني أؤمن أن مستقبل أوروبا السياسي لا يتوقف على أحزاب اليمين أو اليسار أو ما يعرف بأحزاب جديدة تتبع في الواقع التقاليد".
وأغضب لقاء نائب رئيس الوزراء الإيطالي، وزعيم حركة خمس نجوم دي مايو، الثلاثاء، في فرنسا مع ناشطين من "السترات الصفراء" باريس التي اعتبرته "استفزازاً إضافياً ومرفوضاً". وكانت باريس استدعت الخميس سفيرها لدى روما للتشاور.
وقال المتحدث باسم الحكومة بنغامان غريفو لإذاعة "أوروبا 1" الجمعة، إن "هذا الإجراء مؤقت، لكن كان من المهم أن نعلن موقفنا".
وأضاف أن على دي مايو ووزير الداخلية ماتيو سالفيني معالجة مشاكل إيطاليا بدلاً من توجيه انتقادات إلى الرئيس إيمانويل ماكرون.
وقال: "لم تمنع التصريحات التي أدلى بها لويغي دي مايو وماتيو سالفيني إيطاليا من مواجهة ركود اقتصادي".
وتابع: "المهم بالنسبة لي هو تحسن أوضاع المواطنين في أوروبا ومواجهة النزعة القومية والشعبوية وانعدام الثقة بأوروبا".
وبدأت الهجمات الكلامية الصيف الماضي بعد فوز حركة خمس نجوم بزعامة دي مايو وحزب الرابطة اليميني بزعامة سالفيني في الانتخابات وتشكيل حكومة شعبوية مشككة في أوروبا.
وعندما منعت إيطاليا السفن التي تنقذ مهاجرين من الرسو في الموانىء الإيطالية هاجم ماكرون الحكومة الإيطالية بوصفها "غير مسؤولة" واصفاً تصاعد النزعة القومية لليمين المتطرف بالآفة.
ومع اقتراب استحقاق تجديد مقاعد البرلمان الأوروبي في مايو(أيار) صعد المسؤولون الإيطاليون من هجماتهم للرئيس الفرنسي في الأشهر الأخيرة وذهب سالفيني إلى حد وصفه بـ"الرئيس السيء".
لقد شجعوا احتجاجات تحرك السترات الصفراء الذي برز في نوفمبر(تشرين الثاني) رفضاً لرفع أسعار المحروقات الذي توسع ليتحول إلى ثورة عنيفة ضد ماكرون وإصلاحاته.
وقالت الوزيرة الفرنسية المكلفة الشؤون الأوروبية ناتالي لوازو، إن "قرار استدعاء السفير الفرنسي يعني أن وقت الجد قد حان".
وقالت لإذاعة "كلاسيك"، "ما أراه هو إيطاليا تشهد ركوداً اقتصادياً وتواجه صعوبات. لست مسرورة لذلك لأن هذا البلد شريك مهم لفرنسا لكني أظن أن المهمة الأولى لأي حكومة هي الاهتمام برفاهية شعبها".
وحاول دي مايو التحفيف من وطأة هذا الخلاف في رسالته. وكتب "الخلافات السياسية والاستراتيجية بين الحكومتين الفرنسية والإيطالية يجب ألا تؤثر على تاريخ العلاقات الودية التي تربط بلدينا وشعبينا". وكشف سالفيني الجمعة أنه دعا نظيره الفرنسي كريستوف كاستانير إلى روما للبحث في سلسلة مسائل.
وكانت لوازو حذرت الشهر الماضي من أن لقاءات العمل وتبادل زيارات مسؤولين بين البلدين غير واردة حالياً. وصفت الصحف الإيطالية الجمعة الأزمة بين روما وباريس بأنها "الأخطر منذ إعلان الحرب في 1940" و"بأنها "غير مسبوقة".
وكتب مدير تحرير مجلة "لا روفو" لوتشو كاراتشولو في صحيفة "لا ريبوبليكا" أن "استدعاء السفير الفرنسي كريستيان ماسي في روما للتشاور هو مؤشر الى أزمة غير مسبوقة في العلاقات" بين البلدين.
واعتبر كاراتشولو أنه "أمام الانتقام الفرنسي الذي يقدم على طبق بارد، لا يمكننا أن نفعل الكثير لأننا الآن أكثر عزلة مما كنا عليه في الإطار الأوروبي الأطلسي".
ورأت صحيفة "لا ستامبا" في افتتاحيتها أنه "يمكن القول إن التصعيد ... الذي أدى أمس إلى استدعاء باريس للسفير الفرنسي كريستيان ماسي، وفتح اكبر أزمة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا، منذ إعلان الحرب في 1940، كانت متوقعة إلى حدّ ما نظراً لإصرار حركة خمس نجوم على التقرب من السترات الصفراء".
أما افتتاحية صحيفة "كوريري ديلا سيرا"، فقد قالت "في أسبوع واحد فقط، أطلقنا أزمة دبلوماسية مع فرنسا ودمرنا التعاضد الأطلسي حول فنزويلا.
ماذا يجري؟ أين تذهب إيطاليا؟ الحقيقة هي أننا لا نعلم. كل شيء يحصل بشكل عشوائي، من دون استراتيجية".
وأضافت صحافية أخرى في الصحيفة: "لدى إيطاليا الكثير لتخسره في هذه المواجهة بسبب وضعها لنفسها في موقع عزلة متعجرفة في وقت تتوثق فيه العلاقات بين باريس وبرلين أكثر فأكثر".