هي تلك الفتاة الليبية البسيطة التي جاءت من أقصى الجنوب الليبي إلى مصر عام 2012 طلبا للعلم بهدف استكمال دراستها في مجال الفيزياء الإشعاعية، فغادرت بلادها هاربة من حرب اتت على الأخضر واليابس، ولم تتمكن أسرتها من اللحاق بها فكتبت لها الأقدار أن تعيش وحيدة في بلدها الثاني مصر، ولم تكن تعلم آنذاك أن رحلتها لطلب العلم ستشهد تحولا دراميا لا يقوى على تحمله إلا ذوي العزم، وكما يقولون في الأثر أن لكلٍ من اسمه نصيب، فانطبق ذلك على "تلك الفتاة الليبية" قوية "الإيمان"، عندما وجدت "شبح السرطان" يقتحمها دون استئذان، ويحاول السيطرة عليها بكل الطرق، ليضعف قوتها ويجعلها تستسلم، لتتحول حياتها من بين الكتب والأقلام وشهادات الدراسة العلمية، إلى جحيم بين أركان المستشفيات، وغرف جلسات العلاج الكيماوي، والعمليات وغير ذلك من المحاولات الطبية الهادفة لقهر مرض "السرطان"، ولكن "إيمان" كان لديها "إيمان" ويقين تام بأن القدرة الإلهية تفوق كل شئ فلم يرعبها هذا الوحش وانتصرت عليه.

إنها الليبية "إيمان أسامة سلامة" التي أجرت بوابة أفريقيا الإخبارية حوار معها، تحدثت خلاله عن معاناتها في غربتها وحياتها في مصر، والمشاكل التي واجهتها في الدراسة، ومعاناتها أيضا مع مرض السرطان، وخذلان الدولة لها في معاناتها، وعن مبادرتها التي أطلقت عليها اسم "مبادرة #إيمان_لدعم_ مرضي_السرطان"، وتفاصيل رحلة العلاج.

مرحباً، هل لكي أن تعرفينا بنفسك؟

- إيمان أسامة سلامة، ليبية من "تساوه" وادي عتبه درست الفيزياء وتخرجت من جامعة سبها، وقدمت على ماجستير في الفيزياء بجامعة سبها، وبعد أحداث فبراير توقفت الدراسة بالجامعة، وجئت إلى مصر لاستكمال دراستي في سنة 2012، وعلى الرغم من وجود قرار ضمي للدراسة علي حساب الدولة، ألا أني لم امنح هذا وكنت قد التحقت بجامعة القاهرة، وعانيت كثيرا إلي أن أكملت دراستي فيها، ولم  أتلقي الدعم من الدولة الليبية اللازم لدفع مصروفات الجامعة، وتفاجئت بإيقاف مرتبي في ليبيا حيث كنت أعمل وقتها مدرسة في أحد المدارس، فقررت أن اعتمد على نفسي لتوفير مصروفات وتكاليف الدراسة، واصلت الليل بالنهار أعمل وأدرس لتوفير 3200 إسترليني لدفع مصاريف الدراسة، وبعد إتمام مرحلة التمهيدي قررت الانتقال لاستكمال رسالة الماجستير الخاصة بي في علم الفيزياء النووية.

ما هي حكايتك مع السرطان؟

خلال عام 2016، ذهبت لإجراء بعض الفحوصات الطبية اللازمة، واكتشفت أني مريضة بسرطان الليمفوما وسرطان بالثدي منتشر، وفي مراحله المتأخرة وأخبرني الدكتور بضرورة بدء العلاج الكيماوي على الفور، وبدأت بالفعل، وكانت مصاريف العلاج باهظة وتوقفت عن الدراسة، فتوجهت إلى القنصلية والسفارة الليبية في القاهرة، أملاً في الحصول على دعم مادي لتغطية تكاليف العلاج، ولكن مثلما لم يتكفلوا بمصاريف دراستي سابقا، أيضا لم يتكفلوا بمصاريف العلاج، وقالوا لي اتركي ملفك إلى حين يأتي دورك، ولم أجد منهم أي دعم أو تجاوب مادي، أو معنوي، أو نفسي على أقل تقدير.

ولكن الحمد لله، أهل الخير في ليبيا ومصر لم يتركوني وقاموا بدعمي ماديا ومعنويا، فبدأت العلاج والذي بلغت تكاليفه نحو 10 ألف جنيه مصري شهريا لمدة عشرة أشهر، استمرت رحلة الكيماوي مدة 9 أشهر متواصلة، تدهورت حالتي الصحية، وذهبت مرة أخر للقنصلية باحثة عن الدعم ولم أجد أي تجاوب، استمريت في العلاج من خلال التبرعات، واتبعت نظام غذائي يعتمد على رفع المناعة عن طريق الأكل، امتنعت عن السكر، والملح، والنشويات، واعتمدت في غذائي على الخضار، والفاكهة، والأسماك، إضافة إلى شرب الماء، وممارسة الرياضة، وتواصلت رحلتي لمدة عام، إلى أن تم شفائي بحمد الله.

ماذا عن مبادرتك التي أطلقتيها بعنوان " مبادرة إيمان لدعم مرضى السرطان"؟

بعد تجربتي مع مرض السرطان، قررت بتاريخ 9 نوفمبر 2017 إطلاق مبادرة لدعم مرضي السرطان، عبر صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي، لمساندة مرضي السرطان، بهدف توعية مريض السرطان وأهل المريض بأن السرطان لا يقتل، بل هو مرض عادي، وإنما الجهل بالمرض هو ما يعد كارثة حقيقة، فركزت خلال مبادرتي على التعريف بالمرض، والعلاج، وأنواعه، وتغذية مريض السرطان، والتأهيل النفسي للمرض وأهله، وتقديم نصائح يومية لمصابي السرطان، والآن أقوم من خلال  مبادرة إيمان بمرافقة كثير من حالات الأورام  أثناء رحلتها العلاجية، إضافة إلى جمع وتوفير التبرعات المادية للحالات الغير قادرة قدر الإمكان .

وفي الختام أود توجيه جزء من رسالة كتبتها إلى أمي خلال فترة مرضي، "سنة يا أمي لم أشعر بها كيف أنقضت، فهذا الصديق غير أي صديق، استسلمت وسلمت له جسدي دون جدال أو عراك، كم وكم أشياء ضحيت بها لكي يتركني ويذهب، لكنه يا أمي أخذ مني الكثير وأضعف فيا قلبي الصغير، أعطيته يا أمي النوم الهادئ والأمنيات والحلم الجميل، حتى ضفائري يا أمي التي ضفرتيها لي اقتلعها من بصيلة الذاكرة، انتزع مني كل شئ حلم الصبية السمراء الفتية، حلمها أن تكون أم فأبنتك اليوم عقيم، قريبا يا أمي سأعود، فهل أطلب منك يا أمي طلبا صغير، ألبسي الشال لأصغر عروس في قريتي فعندما أعود أكيد سأجد بين ذراعيها طفل صغير".